IMLebanon

لهذا أحبط «الحزب» مقايضة العسكريين

باستبعاد خيار المقايضة مع «داعش» و»النصرة»، يكون الخيار البديل قد دخل في نفق من الغموض، وفي احتمالات لا تترك مجالاً للشك في أنّ فريقاً داخل الحكومة وخارجها، يريد جرّ قضية العسكريين المخطوفين إلى تعقيد سيهدّد حياة العسكريين، وسيفرض وقائع جديدة، تعزّز من قدرة «حزب الله» على تعميم نظرية جرّ كل القوى السياسية، والمؤسسات الرسمية، إلى ما يسمّيه بالتحالف ضد الإرهاب.

مع تشكيل الحكومة حاول «حزب الله» نيل غطاء سنّي، لمعركته في سوريا، فنجح جزئياً، لكنه بدأ الآن بمحاولة من نوع مختلف، ألا وهي جرّ قوى 14 آذار، والحكومة والجيش، إلى تعاون أمني وعسكري مع جيش النظام السوري.

ومن هنا يمكن تفسير تداعيات معركة عرسال، التي أدت إلى خطف العسكريين، والتي يبدي فيها «حزب الله» تصلّباً في عملية التفاوض، وصل إلى حد التهديد بفرط الحكومة، ونجح في فرض أجندة مختلفة سوف تؤدي، إذا استمرت، إلى أن يسير الحزب في المقدّمة ويسير الجميع وراءه مرغمين، في مواجهة إرهاب داعش والنصرة، من دون تسليط الضوء على سبب قدوم هذا الإرهاب إلى لبنان، المتمثل بقتاله في سوريا.

لتفسير الحملة على الجيش وقائده العماد جان قهوجي، يفترض التوسّع بقراءة ما يصدر عن الفريق المؤيد لـ«حزب الله»، الذي بدأ يستهدف الجيش وقراراته بعدم التورّط في معركة عرسال، من باب أن كان بالإمكان تطويق عرسال واقتحامها، وإنقاذ الأسرى، وهذا بحد ذاته، خيار يشبه الانتحار نظراً إلى الأكلاف البشرية العسكرية والمدنية الهائلة، ونظراً إلى أن هذه المعركة ستكون الأطول والأصعب، ونظراً أيضاً إلى الكلفة السياسية الهائلة التي سيدفعها كل من يتجرأ على التعاون مع نظام معزول دولياً، بسبب ما مارسه منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، في سوريا.

ولتفسير ما يجري داخل حكومة سلام، يفترض التوسّع في موقف وزراء «حزب الله» والتيار العوني، الذين رفضوا المقايضة لإطلاق سراح العسكريين، وهو رفض سيقفل الباب أم عودة العسكريين، وسيضعهم في دائرة الخطر. لكن الأدقّ من كل ذلك، أن هذا الرفض سيعني اضطرار الحكومة إلى إعطاء الجيش الغطاء كي ينفّذ خياراً عسكرياً.

وبما أن الجميع يدرك أن الجيش غير قادر على تغطية هذه الجبهة بمفرده، سيفترض به أن يطلب دعم «حزب الله» والنظام السوري، وهذا ما يريد أن يصل الحزب إلى تحقيقه، مستبقاً ما يجري في المنطقة من تحضير لائتلاف دولي للقضاء على داعش، بتعويم نفسه والنظام، كشريكين في محاربة داعش، تماماً كما المكوّن الشيعي العراقي، الذي طلب دعم الولايات المتحدة الأميركية، للقضاء على داعش.

أمام هذا المشهد الذي يقود إلى احتمالات صعبة، تتخوّف مراجع سياسية من اتجاه قد يؤدي إلى تنسيق بين الجيش اللبناني والنظام السوري، وخصوصاً في ظل تشكل ائتلاف دولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، التي ترفض مشاركة إيران والنظام السوري فيه، وخصوصاً النظام الذي أعلنت الولايات المتحدة ومعظم دول الائتلاف المزمع تشكيله، أنه فاقد الشرعية.

هل تكون حكومة الرئيس سلام أمام هذا التحدي، إذا ما فرضت العملية العسكرية في عرسال وجرودها؟ أم إن اتجاهاً داخل الحكومة يمثله وزراء 14 آذار، سيطالب بمساعدة دولية، وفقاً لما ينص عليه القرار 1701، وهو الاقتراح الذي رفضه «حزب الله» على طاولة مجلس الوزراء؟

وكيف سيتم التعامل الرسمي اللبناني مع الائتلاف الدولي الذي سيقاتل داعش، باعتبار أن هذه الأخيرة باتت تتحرّك في عرسال ضمن الأراضي اللبنانية، وباعتبار أن الحكومة العراقية الجديدة، (كما حكومة المالكي) ستكون جزءاً أساسياً من هذا الائتلاف، وباعتبار أن هذا الائتلاف سيحظى، على الأرجح، بغطاء إسلامي وعربي لمواجهة داعش (وإن بعد اشتراط إزاحة نظام الأسد والتمهيد لمرحلة انتقالية في سوريا)؟