IMLebanon

«مسيحيو14 آذار».. و«وكر الدواعش»

لا يبدو أنّ نور الدين الجمل أو داني حرب أو داني عطا الله.. أو غيرهم من الشهداء، يستحقّون أن يستدعي سمير جعجع مايكروفونات الإعلام وكاميراته ليعقد مؤتمراً صحافياً يعلن فيه بالفم الملآن دعمه للجيش اللبناني. لا داعي لـ«تضخيم» الإحراج. اكتفى بما نُقل عنه في هذين اليومين من مواقف تؤكد وقوفه إلى جانب أصحاب البزّات المرقّطة، ولكن…

لم تغب الـ«لكن» عن كلام الرجل، حتى في هذه اللحظات العصيبة التي تستدعي إجراء تعديل جذري في سلّم الأولويات السياسية. ما كان بإمكانه أن يتماهى مع «صديقه» سعد الحريري أو مع رئيس الحكومة تمام سلام أو مع حليفه المسيحي سامي الجميل، بتوقيع «تفويض أبيض» للمؤسسة العسكرية، من دون استطراد اتهامي!

لا بل أصرّ على تذييل دعمه بمسبب واحد يحمّله مسؤولية معمودية النار التي يخضع لها الضباط والعسكريون: مشاركة «حزب الله» في القتال السوري.. وكأن «وكر الدواعش» ما كان ليفتح فاهه لو أنّ «المقاتلين الصفر» تجنبوه أو لم يقربوا منه.

يقرّ جعجع أنّ المنطقة على فوهة بركان «إرهابي»، وبأن الوضع في ليبيا وفي العراق وفي غزّة ليس سليماً. ولكن العلّة بنظره في مكان آخر. احتاج إلى أكثر من ثلاث سنوات كي يعترف أنّه لا أفق قريباً للأزمة السورية. ومع ذلك، لا يعتقد أنّ مياهها الآسنة ستتسرب إلى الداخل اللبناني.

لا بدّ من أن يكون لـ«حزب الله» قرص في «عرس معراب». لا بدّ من إلصاق التهمة في جانب ما. يُطمئن الرجل مناصريه بأنه لا خوف مما يحصل خلفنا، ويضع نصب أعينهم وسيلة الدفاع عن الأنفس: إقفال «بوابات» الحدود.

لكنه لم يخبرهم عن كيفية إقفال حدود برية بينها جغرافية جبلية وعرة، يصل طولها إلى نحو 278 كلم، من ضمنها 50 كلم في عرسال وحدها. المهم إقفال «معابر الموت» من دون أي خطة سياسية – عسكرية تحمي الداخل اللبناني من «خطر ظلاميّ» يهدد المنطقة بأسرها.

طبعاً، لا أحد يملك قدرة وليد جنبلاط على قول الأشياء بأسمائها. وحده يستطيع أن يرفع التهمة عن «حزب الله»، لا بل أن يدافع عن مشاركته في الحرب السورية، بعدما تيّقن أنّ «الجحافل السوداء» ترقص بالسيف والدم.. من دون دفّ.

أمّا البقية فتخشى الانقلاب على كلامها، ولو تبيّن لها أنّها أخطأت، أو كان ضمن مراجعة سياسية نقدية. راهنا، تحاول «القوات» أن تجاري مزاج شارعها المنساق حكماً لمشاعر الجمهور المسيحي بشكل عام في دعمه للجيش في امتحانه الصعب. وقد بلغت الحماسة حدّ رغبة الكثير من الشباب بالتطوّع في الجيش لمساندته في معركته. ولكنها تدفن رأسها في رمال تحميل «حزب الله» المسؤولية.

لا مجال هنا لـ«أنصاف الحلول». المعركة بنظر الكثير من اللبنانيين هي وجودية لا تحتمل التأويل. ولهذا تصمت معراب على الدرع السياسي للمؤسسة العسكرية، وحاذر «حكيمها» في استخدام المصطلحات. إلا أنه لم يتخل عن خطابه «التأديبي»، حتى لو بدا متخبطاً بأفكاره.

طبعاً يفضّل الرجل أن لا يُسأل عن «الربيع العربي» ولا عن إفرازاته التكفيرية، ولا عن مصير المنطقة، ولا عن أحوال مسيحيي العراق أو سوريا، ولا عن موقف الدول الغربية التي قد ترسل أساطيلها البحرية لإجلاء المسيحيين لا لدعمهم عسكرياً.. ويتكل على ذاكرة مثقوبة لدى مستمعيه، تنقذه من التساؤلات المحرجة.

بينما حلفاؤه «الكتائبيون» حجزوا مسبقاً بطاقة الإياب. تجنّبوا السير فوق رمال الأزمة السورية المتحركة، وفضّلوا الجلوس في صفوف الجمهور المتفرج. كما أبقوا أنفسهم على مسافة من تطورات المنطقة التي تتقلب على صفيح ساخن يصعب التنبؤ بنتائجه.

وحين صارت «داعش» على الأبواب، لا بل في قلب الدار العرسالي، كان للصيفي مقاربتها المختلفة عن مقاربات حلفائها: دعم مطلق للجيش ونقطة على السطر. لم تساوِ بين «الشريك في الوطن» وبين «الغريب الإرهابي» كما فعل بعض الآذاريين، ولا حتى فتحت دفتر الحسابات لتسأل «حزب الله» عن أثمان مشاركته القتالية في سوريا.

رسم سامي الجميل الخطوط العريضة التي لا يسمح لنوابه بتجاوزها. ترك «الفلسفة السياسية» إلى ما بعد هدوء العاصفة واقتلاع «البؤر السرطانية». أما قبلها فلا بدّ من إيجابية مطلقة في التعامل، ما دفع وزيري «الكتائب» إلى الموافقة على سحب مسألة توسيع جغرافية القرار 1701 من جدول أعمال مجلس الوزراء ما دام أنه يشكل مادة خلافية.

اجتماع قوى «14 آذار»

وكانت قوى «14 آذار» قد دعت الحكومة إلى الطلب رسمياّ من مجلس الأمن الدولي ان تشمل الإجراءات التي يتيحها القرار 1701 مؤازرة انتشار الجيش اللبناني على طول الحدود اللبنانية ـ السورية ومنع تسلل المسلحين في الاتجاهين».

وشددت، في بيان تلاه الرئيس فؤاد السنيورة بعد الاجتماع الموسّع الذي عقدته مساء أمس في بيت الوسط، على ضرورة «الانسحاب الفوري والكامل لـحزب الله من سوريا، والعودة إلى لبنان».

وطالب البيان «الحكومة بإصدار أوامرها لكل المؤسسات العسكرية والأمنية للعمل على إغلاق الحدود بين لبنان وسوريا أمام كل مسلح يأتي من سوريا إلى لبنان او يذهب من لبنان إلى سوريا». كما دعت إلى «الإسراع في انتخاب رئيس جديد للجمهورية لتحصين لبنان من الأخطار التي تتهدّده، وإطلاق سراح جميع المحتجزين من الجيش اللبناني والقوى الأمنية وانسحاب جميع المسلحين غير اللبنانيين من بلدة عرسال ومحيطها إلى خارج الأراضي اللبنانية». وحمّل المجتمعون «حزب الله ومن يتحالف معه جزءاً كبيراً من مسؤولية ما تعرضت له بلدة عرسال وما يتعرض له لبنان وجيشه».