IMLebanon

من أجلِ رئيسٍ لبنانويٍّ مارونويٍّ!

الخلاف على رئيسٍ للبنان هو جزء بل نتيجة للخلاف على جوهر لبنان وتاريخ لبنان ومستقبل لبنان ومصير لبنان. والمعايير التي تطرح تزكية للرئيس (قوي، ممثل لطائفته، وفاقي أو توافقي…) هي كلام حق يراد به باطل!

  • كيف، ولماذا؟ وأين هي وما هي معايير القوّة.. والتمثيل لدى الرئيس؟

    ما دام رئيس الجمهورية، لدى انتخابه، ملزماً وملتزماً، بأن يقسم يمين الولاء «للأمة اللبنانية» كما أكّد واضع دستور 1926 ميشال شيحا وهو قَسَم له معناه وأبعاده ومفاعيله الجيو- سياسية والأيديولوجية، فإننا بالتالي أمام التزام عقائدي لبنانويّ مارونويّ وليس أمام مجرد رئيس يحمل الهوية اللبنانية والمذهبيّة المارونيّة!

    •أولاً: ماذا تعني اللبنانويّة؟

    تحمل اللبنانويّة، مجموعة أفكار – مبادئ تتخطّى الإنتساب السطحي الى لبنان، لتؤكد الإنتماء العميق الى وطن الأرز على أسس وقواعد: فلسفة الوجود، وفلسفة التاريخ، وفلسفة الهوية، وفلسفة الحياة الإجتماعية، وفلسفة القيم.

    -هذا يبدأ بالنظرة الى لبنان في ذاته، كما كان يقول شارل مالك، أي باعتباره حقيقة جغرافية وتاريخية، أو العكس باعتباره خطأ جغرافياً وتاريخياً!

    -وهذه الحقيقة أخذت جذورها من جغرافيا جبل لبنان، شرقي المتوسط وأخذت تسميتها، لبنان قبل 1500 سنة من إسم سورية و 2300سنة من إسم بلاد الشام.

    -واكتسبت هذه الحقيقة شرعيتها من إرادة غالبية سكان البلاد وتأكيد الشرعية الدولية:

    -في مجموعة الدول الكبرى الست (1861) وفي عصبة الأمم (1920)، وهيئة الأمم المتحدة، وقرارات الشرعية الدولية في مجلس الأمن لأكثر من عشرين مرة وعلى رأسها القرار 1559 (2/9/2004)

    -إن كيان لبنان، بحدوده الجغرافية التاريخية، واستعادة ما سلخ منه في ستينات القرن التاسع عشر (الأقضية الأربعة) كما شرحه كبير مؤرخي العالم العربي أستاذي أسد رستم، وكما طالب به بطريرك الكيان الياس الحويك وحصل عليه عام 1920 بإعلان لبنان الكبير على خط القمم، خط تقاسم المياه مع سوريا.. هذا الكيان لم يصبح قناعة مسلّماً بها لدى بعض اللبنانيين من ذوي النزعات والأيديولوجيات والأحزاب الانتي لبنانوية بآفاقها القومية السورية والعربية أو بطروحاتها الإسلاموية.

    -يُعاني الكيان اللبناني من أزمة مع الدول الثلاث المجاورة له براً وبحراً وبنسب متفاوتة: سوريا بطول حدود برية 376 كلم وحدود بحرية داخل المنطقة الإقتصادية الحصرية بنحو 100 كلم = 476 كلم وهي ترفض ترسيم حدودها مع لبنان! بمعنى أنها ترفض الإعتراف بلبنان الكيان والدولة والسيادة.

    وإسرائيل بطول حدود برية مع لبنان 78 كلم وبحرية بحدود 100 كلم أي 178 كلم: نحن على خلاف كامل معها على الحدود البحرية واختلافات على الحدود البرية، وهي تعتبر لبنان خطأ جغرافياً وتاريخياً، من زمن بن غوريون!

    قبرص: الخصم الجديد للبنان بالتعاون مع إسرائيل وبحدود بحرية مختلف عليها تصل الى 36 كلم على الخط البحري الوسطي في المتوسط.

    -إن القاعدة العموميّة الأساسية في كل ذلك، بل للأمثولة التي توصّل اليها علماء الجغرافية السياسية هي: «إن دولة جارة كل(limitrophe) ترفض أن تُرسّم حدودها معك (أو تسعى لفرض حدودها بالقوة عليك) يعني أنها لا تعترف بك ولا بسيادتك كدولة.»

    •ثانياً: ماذا تعني المارونويّة؟

    هي مختصر الأيديولوجيّة المارونيّة، وتجسيد للخط التاريخي لمسار الجماعة المارونيّة منذ 1600 سنة، وتأكيد للمشروع الماروني الذي عمل ويعمل له أبناء مار مارون طوال تاريخهم. وهذه الأمور الثلاثة تدور حول محور واحد هو لبنان الإنسان والكيان، هو معنى لبنان في الذهن الماروني:

    -فالموارنة انتقلوا من أرض الإضطهاد في سوريا الى أرض الحرية في لبنان، ولذا «فالمارونية لم تكتب تاريخها الحقيقي من ورق، بل في كتاب أرضها» كما يقول الخوري ميشال الحايك.

    -والموارنة «لم يحوّلوا لبنان الى حصن يحميهم، بل الى معقل للحريات لكل من يهوى الحرية مسيحياً كان أم مسلماً أم زنديقاً. وإننا جعلنا من هذا المعقل منطلق المشاريع التحررية والإصلاحية في كل بلد عربي وبيئة مشرقية تتوق مثلنا الى التحرير والإصلاح»، كما يقول الخوري يواكيم مبارك.

    -إن تجذّر الموارنة في الأرض اللبنانية هو الذي حدّد لهم ثلاثة أمور: الوجود (أي الكينونة) والحضور (أي نوعية الكينونة) والدور (أي الرسالة). ولذا صار لبنان مختصر آمال وأشواق الموارنة وصار رمزاً لإيمانهم وحريتهم وهويتهم وذاتيتهم ووجودهم وحضورهم في التاريخ والمرجعية المركزية للإنتشار الماروني في العالم. وبذا تحوّل لبنان الى رمز ماروني يحمل طابع القداسة، وأصبح المشروع الماروني التاريخي تأكيد وتثبيت لبنان الكيان، كونه حقيقة جغرافية وتاريخية، وبالتالي دولة سيدة حرة ومستقلة بحدودها التاريخية، وهو ما فعله البطريرك الحويك. «فكان لبنان الكبير بالنسبة للموارنة هو ختام لتاريخهم الطويل في البحث عن الحرية والإستقلال» كما يقول المفكر الألماني تيودور هانف.

    -ومادام لبنان الكيان رمزاً مارونياً، فهو ككلّ رمز ديني يحمل معنى القداسة والإستمرار والثبات، أي معنى النهائيّة وليس معنى المؤقت والعارض والمتغير والمرحلي، بل معنى الأمر المحسوم مرة واحدة وبشكل نهائي..

    وما يجري اليوم هو الصراع حول مفهوم نهائية لبنان! فأمام كل استحقاق يود أعداء الكيان أن يقولوا للعالم تفضلوا «لبنان غير قادر على انتخاب رئيس أو تأليف حكومة أو حتى (تعيين ناطور)» إنه دولة فاشلة..!

    انه خطأ جغرافي وتاريخي ولا بد من إلغائه وإعادته الى حضن «وطنه الأم» أي الى حضن «سورية» أو الى حضن إسرائيل، أم الى حضنيهما معاً!

    باختصار، إن المارونويّة هي التبرير الفلسفي/السياسي للبنانويّة. فبين الإثنين علاقة جدلية وهي علاقة تتناول حقيقة الوجود وثبات الوجود ومبرّر الوجود وغائية الوجود. وكلها تستوجب العمل والنضال لتأكيد نهائيتها لترسيم الحدود مع دول الجوار الجغرافي: سوريا وإسرائيل وقبرص وليس التعاون والتفاهم معها أو مع بعضها على حساب السيادة. فلبنان الكيان نقض لسورية ونقيض لإسرائيل ونقيضة لقبرص، هذه الدولة المجزوءة التي تحمل جراح الإنقسام عميقاً على وجهها وفي صدرها، وهي آتية في آخر هذا الزمان لتسدّد لنا سهماً في خاصرتنا الغربية بالتفاهم مع إسرائيل، بعد أن تلقينا ولا نزال نتلقى سهاماً كثيرة، في خاصراتنا الجنوبية والشرقية والشمالية!

    إن الرئيس اللبناني القويّ والممثّل الحقيقي لوطنه وشعبه وجماعته، ليس الزعامة التي تقتنص التأييد باللعب على العوامل السياسية المحلية والإقليمية، الذاتية والقبلية والعائلية وقوى الإرتهان المعروفة الانتي لبنانويّة، وهي قوى ذات ولاء وانتماء خارجيين مهما كانت قدرة التضليل لديها، بل المطلوب رئيس يكون قائداً تاريخياً وليس مجرد زعيم يستجدي الولاء والدعم من خصوم أمّته. فالقائد التاريخي اللبنانوي المارونوي هو الذي يلتزم بخط الموارنة التاريخي وبمشروعهم التاريخي وبرمزهم التاريخي أي (بلبنان الرمز) وبإنجاز كماليّة هذا الرمز (أي لبنان النهائي بحدوده المرسّمة مع جيرانه على خط القمم)..

    هذه هي الألف باء الأساسية بتحديد قوّة الرئيس اللبناني ومدى تمثيليته للبنان وللشعب اللبناني وللموارنة في آن! وإن لدى الموارنة طاقات كبيرة وكثيرة فيها زعامات الصف الأول السياسي بالتأكيد، ولكن فيها أيضاً قيادات الصف الأول الثقافي المسيحي ببعده الديموقراطي، والإسلامي السنّي ببعده العربي، والإسلامي الشيعي ببعده العاشورائي. على أن تكون أولى مهام الرئيس الجديد التاريخية، مواجهة الفتنة السنيّة-الشيعيّة في لبنان والمنطقة، كما دعونا الى ذلك في محاضرتنا أمام بطاركة الشرق الكاثوليك في الربوة منذ العام 1994، لأن كل اصطفاف مسيحي جهّوي في هذه الفتنة سيكون خطأً استراتيجياً خطيراً بل أخطر منه مشروع مجزرة تاريخية للمسيحيين!

    ..إن الأمم يبنيها الفكر المبدع الرائي والمستقبلي، وليس الألاعيب والإستيهامات والمصالح الفرديّة الضيّقة!!