IMLebanon

مورفي

يبقى هيكل الدولة ناقصاً في ظل غياب رئيس الجمهورية الذي يشكّل رأس الهرم، حتى ولو كان المشترع احتاط لهذا الأمر بأن نص في المادة 62 من الدستور على أن تُناط صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، في حال خلو سدة الرئاسة لأي سبب كان.

وكلما مرّ يوم على شغور سدة الرئاسة تزداد هواجس اللبنانيين من الوقوع في الفراغ، وتعدّد الاجتهادات عما ستؤول إليه الأمور في حال طال هذا الفراغ مدة طويلة كما يتردّد في الكواليس السياسية، وأكثر ما يُقلق في هذا السياق مصير النظام نفسه الذي يترنح على عتبة الرئاسة الأولى في الدولة، وما إذا كانت البلاد دخلت فعلاً مرحلة استبدال اتفاق الطائف بالفوضى التي بشّر بها في العام 1988 المبعوث الأميركي الى لبنان وسوريا المستر ريتشارد مورفي، إذا لم يُنتخب النائب السابق مخايل الضاهر رئيساً للجمهورية، وقد صحّت نبوءته ودخل لبنان في الفوضى مدة لا تقل عن أربع سنوات.

ويُخشى من أن يقع لبنان اليوم في الفوضى لأن القيادات المسيحية الموكل إليها في الدرجة الأولى الاتفاق على رئيس وتقديمه للقيادات السياسية في الطوائف الأخرى التي تُبدي استعداداً لتقبّل كل ما يتفق عليه مسيحياً، إذ أثبتت القيادات المسيحية، كما واقع الحال حتى الآن عجزها عن الاتفاق على تبنّي مرشح واحد لرئاسة الجمهورية، حتى ولو اختلفت ظروف هذه الأيام عن الظروف التي كانت سائدة في العام 1988 عندما خلت سدة الرئاسة الأولى وأُنيطت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء في ظل حكومتين تدّعي كلٌ منهما الشرعية.

فالمطلوب إذاً من القيادات المسيحية أن تسرع في الاتفاق على الرئيس وتقدّمه لشركائهم في الوطن لإخراج البلاد من دوامة الفراغ وإسقاط عامل الخوف على النظام ممّن يتربّص به، ويتحيّن الفرص للإنقضاض عليه، والإنتهاء بالتالي من المناصفة بين المسيحيين والمسلمين والدخول في متاهة المثالثة التي من شأنها أن تغيّر وجه لبنان الحضاري كما هو معروف عند الغرب ومتفق عليه.

وهذه مسؤولية تقع في الدرجة الأولى على عاتق البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الذي يعرف مدى خطر بقاء البلاد والنظام من دون الرأس المسيحي ليس على المعادلة التي قام عليها اتفاق الطائف، بل على الاستقرار الذي ما يزال ينعم به البلد حتى الآن، وتتكرّر بالتالي مأساة 1988 التي (تنذكر ولا تنعاد)، والذي نعتقد أنه حتى الآن، لم يتحرك وفق ما تتطلب منه الأزمة المسيحية القائمة أو أنه تحرك ولم يستجب القادة المسيحيون له، فآثر التنحي عن واجباته، وترك لهذه القيادات أن تلعب بمصير لبنان ومصير المسيحيين لحسابات خارجية، إقليمية ودولية.

وإذا كان البطريرك الراعي وصل حقاً الى هذه القناعة، فمعنى هذا أن اللعبة خرجت من بين يديه وأن لبنان يعود ربع قرن الى الوراء لكي يستعيد نبوءة أو بالأحرى تحذيرات المبعوث الأميركي مورفي بعد خلو رئاسة الجمهورية في العام 1988 وتعذّر بكركي والقيادات المسيحية في الاتفاق على رئيس يسدّ هذا الفراغ.