IMLebanon

مَن يُدافع عن الموارنة.. غير الموارنة!

لا يجوز أن يستمر هذا التراخي المتمادي إزاء الشغور في رئاسة الجمهورية!

المُعيب فعلاً في هذا التراخي المُريب، أن الجميع يخضعون لواقعه المرير، ويشاركون في ارتكاب هذا الجرم المُدان ضد الجمهورية والنظام السياسي برمته: من ساسة ونواب، إلى مرجعيات روحية وقيادات حزبية، ومن هيئات اقتصادية إلى أصغر مواطن ناشط في المؤسسات والندوات المدنية!

وذهب واقع الاستسلام لهذه الحالة الشاذة، إلى حدّ مطالبة بعض القيادات المسيحية بإجراء الانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية(!!)، فضلاً عن مجاهرة العماد ميشال عون بمبادرته، التي تقلب النظام السياسي في البلد رأساً على عقب!

الاحتجاجات على هذا الواقع بدأت بصرخات محذرة من سوء العواقب، ثم تراجعت إلى كلمات منبهة للمخاطر، وهي اليوم تمارس بمستوى همسات تحمل مجرّد تمنيات، بعيدة عن حزم المواقف!

صحيح أن حكمة رئيس الحكومة تمّام سلام وصبره وحنكته، أنتجوا توافقاً حكومياً حول آلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية الموكولة إلى مجلس الوزراء، في حال شغور المركز.

ولكن الأصح أيضاً أن الوكيل لا يحل مكان الأصيل، وأن قيام مجلس الوزراء بصلاحيات الرئيس وكالة قد يُساعد على تسيير شؤون الدولة، ويلبي بعض حاجات النّاس، ولكنه قطعاً لا يُصحّح الخلل الحاصل في البنية الدستورية للدولة، ولا يُعيد التوازن إلى السلطات الرئاسية، الموزعة على الطوائف الثلاث الرئيسية، ولا يوقف الإحباط المسيحي المتزايد، بسبب هذا الشغور في المركز المسيحي الأوّل في الجمهورية.

 * * *

لا شك أن الاستحقاق الرئاسي هو مسألة وطنية بامتياز، يعني كل اللبنانيين، على اختلاف طوائفهم وأحزابهم، ولكن لا بدّ من الاعتراف بأن هذا الاستحقاق تحوّل في هذا الزمن الرديء، وفي ظل الممارسات الطائفية الطاغية على الأصول الديمقراطية، إلى قضية مارونية بالدرجة الأولى، على اعتبار أن الطوائف درجت في السنوات الأخيرة، على اختيار مرشحيها للرئاسات الكبرى، انطلاقاً من حجم الكتل النيابية الكبيرة، التي لا تغيب عنها الاعتبارات والحسابات الطائفية والمذهبية.

لذلك، كنا نتوقع دعوة لانعقاد مؤتمر مسيحي عام يبحث بمسألة الشغور الرئاسي وطرق معالجتها في الأطر الوطنية والديمقراطية.

وإذا كان من المتعذر التئام الشمل المسيحي بسبب ما فيه من تناقضات ليست خافية على أحد، فإن احتضان بكركي لمؤتمر ماروني يضم فاعليات الطائفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونخباً من أهل الرأي والفكر، يبقى أكثر من ضرورة، للبحث في سبل تجاوز العقبات التي تحول دون حصول الانتخابات الرئاسية، بما في ذلك كسر احتكار الترشيح على «العماد» و«الحكيم»، والتأكيد على إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ممكن، صوناً للجمهورية من التداعي أولاً، وحفاظاً على الدور المسيحي الفاعل في السلطة، واستمراراً للتوازن الدقيق في المعادلة الوطنية.

من غير المقبول، أن تؤدي خلافات مزمنة بين زعيمين سياسيين إلى تجميد طاقات طائفة رئيسية، تشكّل مكوناً أساسياً في المجتمع اللبناني، ويحتل ممثلها المركز الأوّل في الدولة اللبنانية.

 * * *

لسنا بوارد المزايدة على أحد، ولكننا بصدد التحريض على تحرّك ماروني أولاً، مدعوماً بحراك وطني على مستوى مختلف الطوائف والمناطق، للضغط على الطبقة السياسية عامة، والقيادة المسيحية خاصة، للنزول إلى مجلس النواب، وإنجاز الانتخابات الرئاسية، في أسرع وقت ممكن، لأن بقاء الجمهورية بلا رأس، يفتح الأبواب المغلقة أمام شهوات المغامرين، وأحلام الطامحين، بإقامة نظام سياسي آخر.. على أنقاض النظام الحالي، المنبثق عن اتفاق الطائف، الذي كلّف البلاد والعباد خمس عشرة سنة من الحروب العبثية المدمرة، وسقوط مئات الآلاف من الشهداء والضحايا والمعوقين، قبل الوصول إلى مؤتمر الطائف!

ليس ثمة ما يمنع المؤتمر الماروني المقترح انعقاده في بكركي من دعوة اللبنانيين للنزول إلى ساحة الشهداء، ورفع الصوت عالياً للمطالبة بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وإنهاء مهزلة الجلسات النيابية المعطلة، واستعادة التوازن لتركيبة السلطة الوطنية في البلد.

مِن حق البطريرك بشارة الراعي أن يسأل إنه لو حصل مثل هذا الفراغ مع مكونات لبنانية أخرى.. هل كانت تسكت، وتتحمل.. وتنام على الضيم؟!

وثمة من يسأل: مَن يُدافع عن دور الموارنة.. إذا لم يُبادر الموارنة أولاً إلى إطلاق صافرة النفير؟!

بقاء الجمهورية بلا رأس، وصمة عار في تاريخ هذه الطبقة السياسية المفلسة والعاجزة.. لا يجوز أن نستسلم أمام عجزها!