IMLebanon

هذا الهدوء الأمني المرعب!

 

هل يَسأل أحد: كيف توقفت العمليات الإنتحارية، أو لماذا؟ وما هي الأعمال التي يزاولها الإنتحاريون هذه الأيام؟ وكيف هدأت «ولا ضربة كفّ» في طرابلس وسواها؟ أم إنّ اللبنانيين إعتادوا ألّا يطرحوا الأسئلة الخطرة… إذ عَوَّدوعم أن يقنعوا بالتفجير عندما يكون وقتُه… وبالتهدئة في وقتها؟

عندما يستتبُّ الأمن في طريقة سحريّة وغير مبرَّرة، يُصبح منطقياً توقُّع إنفراط الأمن في أيّ لحظة، في طريقة سحريّة وغير مبرَّرة. وهنا يكمن اللغز في جدلية الأمن واللاأمن، منذ 2005، بل منذ إندلاع الحرب في 1975.

قبل أسابيع، عشيةََ معركة يبرود، كانت أشباح الإنتحاريين تلوح كالكوابيس وتضرب في البقاع بعد الضاحية. وكان «صراع القبضايات» بين جبل محسن وباب التبانة يستنزف طرابلس. وبين حين وآخر، تتوتَّر زواريب بيروت أو صيدا – عين الحلوة.

هناك تفسيرات يرميها البعض في السوق، لكنها ليست مُقْنِعة: العمليات الإنتحارية توقفت لأن «مصنع» السيارات الإنتحارية في يبرود أُقفِل بالشمع الأحمر، وكذلك خطوط الإمداد من يبرود إلى عرسال فالضاحية والبقاع الشيعي.

وعن طرابلس، يُقال إنّ ما صنع المعجزات الأمنية هناك، أي إطفاء الجبهات وتحويل رفعت عيد وآخرين مطاردين من العدالة، هو التوافق السياسي في بيروت. فقرار التهدئة ليس طرابلسياً بل هو بيروتي. والجبهات ما كانت ستهدأ هناك بلا التوافق البيروتي، ولو جرَّب الجيش 20 خطة أمنية لـ20 جولة قتالية!

عندما إجتمع «8 و14»، وتحديداً تيار «المستقبل» و»حزب الله»، تحت سقف السراي، وتشاركوا خبزَ الأمن ومِلحَه، أصبحت المعجزات واردةً. فقد جيءَ بـ»المستقبل» إلى الحكومة ووزاراتها الأمنية الحساسة (رئاسة الحكومة ووزارتا الداخلية والعدل)، خصيصاً للمعجزات.

لذلك، ليس مستغرباً جلوس الحاج وفيق صفا والوزير نهاد المشنوق إلى طاولة أمنية واحدة في السراي. فـ»الحزب» شريك حقيقي في الأمن الرسمي. وكان لافتاً أن يطلق البيان الرسمي على الخطة الأمنية الأخيرة في طرابلس صفة «الجدّية»… ما يعني أنّ سابقاتها لم تكن جدّية، ولذلك سقطت كلها.

وهنا، تنطلق الأسئلة الخبيثة: إذاً، بما أنّ عدم التوافق في بيروت هو الذي فجَّر طرابلس، والتوافق هو الذي أنقذها، فمَن هم الذين كانوا يتولَّون التفجير؟ فهل هؤلاء هم أنفسهم المتوافقون حديثاً في بيروت، كلياً أم جزئياً، مباشرة أو بواسطة أدوات أخرى؟ وهل القوى الإقليمية التي لطالما غذّت القتال والمتقاتلين هي التي سحبت يدها من صغار المتصارعين في طرابلس وسلّطت عليهم كبار المتوافقين في بيروت؟

إستطراداً، هل المطلوب الإقتناع بأنّ سقوط يبرود كان الحلّ السحري للعصر الإنتحاري في لبنان؟ أفليست المصانع اللبنانية للسيارات المفخخة ذات خبرة عريقة تمتدّ إلى عشرات السنين، فيما مدرسة يبرود للتفخيخ إبتدائية ولا يتجاوز عمرُها الأشهُر؟ أما العنصر البشري كمادة أولية إنتحارية، فهو متوافر جداً في السوق اللبنانية. والإنتحاريون جميعهم لبنانيون منذ أكثر من عشر سنوات أو فلسطينيون صُنِعوا في لبنان!

إذاً، لقد توقَّف هؤلاء عن الإنتحار حالياً، لضرورات بيروت لا يبرود. فأيّ طرف إقليمي أو داخلي يَمونُ على «الإنتحاريين البلديين»، وقد مانَ عليهم لكي يوقفوا عملياتهم؟ وما حقيقة هذه اللعبة الشديدة التعقيد؟

المؤلم أنّ عشرات المدنيين اللبنانيين سقطوا في طرابلس والضاحية والبقاعَين السنّي والشيعي بسبب عدم التوافق السياسي، أو في عبارة أخرى، ضحية له. فما ذنب هؤلاء، ومَن يعوِّض الخسائر؟

والأخطر هو الآتي: قد يتعطَّل الوفاق السياسي القسري المصطنع. هذا إحتمال وارد. فهل ينتظر اللبنانيون عندئذٍ عودة التفجيرات والجبهات؟

سؤال جدير بأن يُطرح عشية ذكرى 7 أيار 2008، وجلسة اللّاإنتخاب الرئاسية الثالثة، حيث كل طرف داخلي «إستعان بصديق» سعودي أو إيراني أو أميركي، ووافق مسبقاً على أن تَفرض عليه «جمعية الأصدقاء» رئيس الجمهورية العتيد، بعدما فَرضت الأمن وأقامت الحكومة.

إنها جدلية إبتزازٍ واحدة ومرعبة، في الأمن والسياسة. وغالبيةُ القوى الداخلية أدوات فيها أو راضخة لها.