IMLebanon

هكذا يُجَمَّد العمل بالدستور… بلا انقلاب!

يتوجّس بعض السياسيّين من التطورات الأخيرة التي عَزّزت الشلل في المؤسسات الدستورية. فبعد الشغور الرئاسي تسلّل الفراغ الى مجلس النواب وعجزت الحكومة عن الاجتماع لتسيير شؤون الناس وتوفير أبسط الخدمات، فيما ارتفع خطاب العجز الرسمي الى مداه الأقصى. فالرئيس نبيه برّي يتحدّث عن فراغ فوق فراغ، ورئيس الحكومة تمام سلام يُحذّر من الأسوأ. كيف انقلبت الأدوار؟ وما هو المنتظر؟

الحكومة جَنَت على نفسها من خلال إقرار آليّة العمل لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية

يعترِف أحد الأقطاب بأنّ استمرار النعي الرسمي لأدوار المؤسّسات الدستورية وصلاحيّاتها لا يكفي. وعلى عكس ما يحدث، فهذه هي مهمّة المواطنين الذين ينتظرون من السلطات تنفيذ أدوارها ومهمّاتها. فاعتراف المسؤولين بحجم المشكلات التي يعانيها الوطن وبالواقع المرّ الذي قاد اليه الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية أمر مهمّ وإيجابي، لكن من واجبهم أيضاً اقتراح الحلول والمخارج التي تُنهي الحال القائمة وتوقِف الإنحدار السريع نحو الهاوية لإخراج البلاد من حال الشلل التي أصابت السلطتين التشريعية والتنفيذية ولإعادة بناء السلطات الدستورية كاملة لتؤدي أدوارها المتكاملة في خدمة الوطن والمواطن.

في هذه الأجواء، تتبادل الأوساط الدستورية حجم المخالفات المرتكبة بحق الدستور والقوانين المرعية الإجراء وتُحَمّل مرتكبيها المسؤولية كاملة عمّا وصلت اليه الأمور من مناكفات شَلّت العمل التشريعي وعَطّلت أدواراً كبيرة من السلطة التنفيذية.

فعَجزت الحكومة عن تعيين مجلس عمداء الجامعة وإقرار تفريغ الأساتذة الجامعيين على رغم حجم الأخطاء والمخالفات المرتكبة في تضمين لوائح المتفرّغين مِمّن لا يحقّ لهم الدخول الى حرم الكليات الجامعية، على وقع فشل مجلس النواب في إقرار سلسلة الرتب والرواتب وقوانين أخرى حيويّة تتّصل بحياة الناس اليومية.

والأخطر من كل ذلك، يَعترف مرجع دستوري بأنّ «الوصول الى مرحلة وقف دفع رواتب موظفي القطاع العام والأسلاك العسكرية نهاية الشهر الجاري وإدخالها عمداً في بازار المناكفات السياسية، يعني أنّ البلاد قد بلغت أولى درجات الانحدار الى الهاوية».

ويعتبر أنّ «الواجب يدعونا اليوم الى الاعتراف بالوقائع المرّة ووَضع الإصبع على الجرح على الأقل في مسألتين أساسيتين تتّصلان بالعمل الحكومي والنيابي في ظل الشغور الرئاسي»، مضيفاً: «رحم الله الرئيس فؤاد شهاب وكلّ مَن ساهم في وضع قانون المحاسبة العمومية الذي تحدّث في إحدى مواده عن النفقات الدائمة الواجب تأمينها، وهي الرواتب والأجور وتعويضات نهاية الخدمة، وما يسمّى نفقات التشغيل اليومية، التي لا يحتاج صرفها الى قانون من مجلس النواب، في غياب الموازنة العامة.

فمِن واجب وزارة المال توفيرها الى حين إجراء قطع الحساب، وهو ما أجرَته بعض الحكومات في الأعوام الماضية، ومنها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة.

وبالتالي، فإنّ ما يَدّعيه وزير المال علي حسن خليل من حِرص على عدم المخالفة ليس في محلّه، فهذه النفقات حقوق مقدّسة للموظفين والأجراء والمتقاعدين الى آخر سلسلة المستفيدين منها، وليست سلعة إلّا في حال فرضَها كأمر واقع، وبمنطق الحق بالفيتو الذي يمتلكه.

أمّا بالنسبة الى الحكومة، فيعترف المرجع بأنها «جَنَت على نفسها من خلال إقرار ما سَمّته منهجية العمل أو آليّته لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية بالتوافق الشامل على كلّ القضايا المُدرجة على جدول الأعمال من دون الإقرار بالتصنيف بين القرارات والمراسيم التي تحتاج موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء في 14 حالة فقط، وتلك التي يبتّ بها بالأكثرية المطلقة. فأعطَت الحكومة بنفسها وبلا إكراه كلّ وزير من وزرائها حق الفيتو على أيّ بند من بنود جدول الأعمال ليتمكّن من شلّ الحكومة ساعة أراد ذلك.

فكيف بالنسبة الى مَن يستغلّ موقعه اليوم لممارسة كمٍّ من المخالفات اعتقاداً منه أنّ الظرف ملائم، ويمكنه استغلاله ليسمح لنفسه بإمرار ما يريده بلا رقيب ولا حسيب، متى أتقَن لعبة المحاصصة التي وضعت البلاد في يد ست أو سبع مرجعيات سياسية وحزبية لا أكثر ولا أقلّ.

وبهذه الطريقة، يقول المرجع، إنّ الحكومة جَمّدت العمل بالدستور، وهي مهمّة عرفت أصلاً أنّها من مهمات الإنقلابيّين، وليس من مهمات أهل السلطة بحق أنفسهم.

ويختم المرجع: «لم تتوقف المخالفات عند هذه الحدود، بل هناك مخالفات لم يسبق أن رأيناها في حياتنا العامة. من يتصفّح النسخة الأخيرة من الجريدة الرسمية يتوقّف عند مخالفات مرتكبة لم يلحظها أحد سابقاً، وأبرزها وجود توقيعين لنائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع مرّتين على بعض المراسيم، وهو أمر مخالف للدستور عدا عن نوعية القرارات التي اتّخذتها الحكومة، فلم تخرج في أهميّتها منذ حلول الشغور عن قبول الهِبات أو نقل الإعتمادات والسماح بسَفر الوفود ودفع تكاليفها على سبيل التسوية.

أمّا قضايا الناس الكبرى فهي تنتظر انفراجات في الأزمات النووية الإيرانية ومفاوضاتها مع السعودية، عَدا عن الأوضاع في العراق وسوريا وفلسطين، ليأتي دور لبنان بالانفراج. فلننتظر!