IMLebanon

هل ستقدم بكفيا ومعراب رقبتيهما للذبح؟

ثمّة من يدلل بخبث على غياب نهاد المشنوق عن جلسة مجلس الوزراء الأخيرة التي وقّع خلالها كل الوزراء المشاركون مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات النيابية في 16 تشرين الثاني المقبل. فرجل الداخلية هو الوزير المعني الأول بالاستحقاق النيابي، وهو الذي أعدّ المرسوم قبل إحالته إلى مجلس الوزراء. ولغيابه بنظر البعض، دلالة سياسية فاقعة.

طبعاً، قام المشنوق بما يمليه عليه الدستور من إجراءات قانونية تبقي الانتخابات خياراً قائماً، إلى حين يقضي التمديديون أمراً كان مفعولاً. لكن موقفه السياسي واضح لا لبس فيه: الوضع الأمني يقف سدّاً منيعاً أمام فتح صناديق الاقتراع، وبمقدوره أن يمنح تأشيرة الدخول إلى «جنّة التمديد» مرة ثانية.

الأكيد أيضاً أنّ كلام وزير الداخلية هو «الطبعة الرسمية» لما يتداوله «المستقبليون» في ما بينهم ومع من يلتقونهم. بنظرهم، إنّ اقتراف «أبغض الحلال» للمرة الثانية على التوالي، هو أفضل من «زواج الإكراه» أمام «مذبح» الصناديق في هذه اللحظة بالذات، ولأسباب عديدة. ولذا لا بدّ من مواجهة «حبات البندورة».

لكن الحليفين الكتائبي والقواتي لا يشاطرانهم الرأي. على خلاف «التمديد الأول» الذي بصما عليها، يبدو أنّ الجناحين المسيحيين في «14 آذار» يفضلان عدم الوقوع مرة جديدة في «الجورة». في المرة الأولى قطفها خصمهما ميشال عون من «كيس» الجمهور بفعل رفضه الإنضمام إلى قافلة التمديديين. وهو يستعد اليوم لتسجيل نصر جديد تحت عنوان الوقوف بوجه التمديد على قاعدة «علي وعلى حلفائي قبل خصومي».

ولهذا لا يمكن لبكفيا ومعراب أن تتفرجا عليه وهو يشحذ السكين، فيما هما تقدّمان «رقبتيهما» للذبح. حتى الآن يتمسك الفريقان بموقفهما الرافض للتمديد، مهما كلّف الأمر. فيما يحاول «التيار الأزرق» ممارسة كل أنواع «الترغيب والترهيب» عليهما لدفعهما إلى ركوب «القطار» حفاظاً على ميثاقية القانون المرذول شعبياً.

في سلّة الحيثيات، يقول هؤلاء إنّ التمديد صار شوكة في حلق الناس، ولم يعد بالإمكان هضمه. ويمكن لنبذه أن يكون دافعاَ قوياً للدفش باتجاه إبعاد الشغور عن الرئاسة الأولى كي تنتظم الحياة السياسية من جديد، حتى لو كلف ذلك تأجيلاً تقنياً لأسابيع محدودة، فلا مانع عندها من تمديد موضعي، بعد الإطمئنان إلى مصير الكرسي الأولى.

هكذا يتردد أنّ «المستقبل» كان يراهن على أن تكون الحكومة خط الدفاع الأول عن التمديد، بحجة الأوضاع الأمنية، لكي ترمي من يديها كرة الانتخابات الملتهبة، لإعادتها إلى ملعب مجلس النواب، فيتلقفها الأخير، ويسري قانون التمديد كـ«شربة مي».

عملياً، يقال إنّ بعض الوزراء سمعوا لوماً صريحاً من مسؤولين مستقبليين بسبب مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، لأنه كان بالإمكان تطييره في الجلسة. فيما كان الاعتقاد سائداً أنّ «الحجة الأمنية» كفيلة بإعفاء الحكومة من ضريبة المرسوم، وبإعطاء الحكومة المبادرة لتشكيل «كرة الثلج» قبل قذفها باتجاه مجلس النواب. لكن طبعاً حرب المزايدات المسيحية حصّنت المرسوم بتوقيع كل الوزراء الحاضرين.

إلى الآن، لا يهضم «الزرق» موقف بكفيا ومعراب من التمديد، وفي اعتقاد قيادتهم أنّ هذه «الممانعة» المزدوجة ستتلاشى مع الوقت، خصوصاَ إذا قرر رئيس المجلس أن يطلق العنان لقطار التمديد، على الرغم من إصراره حتى اللحظة، على رجم المجلس الذي يرأسه.

ولكن السيناريو المعاكس لا يزال قائماً، لا سيما إذا عاند «تكتل التغيير والإصلاح» في وقفه، وهو أمر صار في حكم المؤكد. ما سيدفع «القوات» و«الكتائب» إلى مزيد من التصلب في رفضهما لحقنة إنعاش برلمان العام 2009 لمرة جديدة. من دون أن يعني ذلك أنّهما قد يلجآن إلى خيارات دراماتيكية، كالاستقالة على سبيل المثال، لأنها غير مطروحة أصلاً على طاولة النقاش، لا في بكفيا ولا في معراب.

بالنتيجة، ثمة سؤال جوهري يفرض ذاته: هل سيسجل الرئيس نبيه بري سابقة، بتشريعه التمديد الثاني في جلسة مطعونة بميثاقيتها إذا ما تمسك الثلاثي المسيحي بمطلب الانتخابات النيابية؟ أم سيتكمن «المستقبل» من إغواء حليفيه كي يحمي انزلاقه إلى مستنقع التمديد ويعود بهما إلى الوراء؟

ومع ذلك، الكل مقتنع أنّ إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري هو ضرب من ضروب الخيال، ولا يمكن لأي من الأفرقاء المتحمسين لإجرائها، الجزم بأن لديه الاستعدادات اللوجستية أو التنظيمية أو المالية، لخوض غمارها خلال ثلاثة أشهر كما ينص القانون. ولا يملكون حتى جواباً عن السيناريوهات المفترضة لاحتمال استمرار حالة الانقسام العمودي بين الفريقين… فعلى أي نهاية سترسو مسرحية التمديد الثانية؟