IMLebanon

هل من «اتفاق ثلاثي»؟

 

الاتفاق الثلاثي، السني الشيعي الماروني، الذي يسعى إليه البعض تحت عنوان التوازن الوطني، نقطة ضعفه الأولى هي الانقسام المسيحي. إذا تجاوزنا ذلك على أهميته، يحتاج هذا الاتفاق إلى تفاهم سياسي على كيفية ممارسة هذا التوازن في السلطة والمضمون الوطني لاتفاق أو تفاهم كهذا. فهل سنكون أمام شكل جديد من التجاذب في الصلاحيات والمناكفات بين المواقع الرئاسية، أم هل سنكون أمام أولويات وطنية مختلفة، ويكون لكل رئاسة مشروعها أو موقفها وسلوكها؟

ربما إذا كانت الأزمة الرئاسية مدخلاً للبحث في هذه القضايا ومعالجتها يصبح مفهوماً أكثر الطموح إلى صوغ شراكة في الحكم بين الأقوياء في طوائفهم. ولعل مثل هذا الطموح أو هذا السعي يصبح مبرراً بعد كل هذا التاريخ من النزاعات والاتهامات المتبادلة والشكوك والهواجس.

هناك أساس موضوعي لاحتمال التقارب بين الاتجاهات السياسية المختلفة. ففي تجربة تأليف الحكومة، بعد المخاض الطويل والعسير، دليل على تراجع حدة الاستثمار السياسي لأوضاع إقليمية تتجه إلى خفض منسوب التوتر، وخفض منسوب الرهانات على انتصارات أو انكسارات كبرى. ومن الواضح ان أحداً لا يستطيع سحب التوازن الإقليمي تلقائياً ومباشرة على الداخل اللبناني، على فرض ان هذا التوازن أصبح ثابتاً ومحسوماً. في حقيقة الأمر لم يتم ترصيد نهائي بعد لمرحلة الفوضى العربية وخاصة في المشرق، ولا اتضحت صورة النظام الإقليمي الذي سينشأ عنها. ما هو قائم من تعددية سياسية حزبية وطائفية وجهوية مفتوحة على دعم خارجي مباشر وعسكري صريح ليس هو المعادلة التي يمكن أن تستقر عليها أنظمة انفجرت لاعتبارات عدة من بينها حالات التهميش والحرمان والإقصاء لمكونات أساسية. والمشكلات اليوم في العراق وسوريا ولبنان ليست مجرد ردة فعل على نمو وصعود قوى طائفية معينة، بل هي مشكلات سياسية واجتماعية لا تحلّها إجراءات من نوع المحاصصة أو تكوين السلطة وفق حسابات ديموغرافية. فلا التجربة اللبنانية أعطت مثلاً صالحاً مستقراً ولا التجربة العراقية، ولن يكون الأمر كذلك في سوريا.

لا نستطيع طبعاً الفصل بين الجانب الشخصي من الزعامات اللبنانية والدور الذي يمكن أن يلعبوه. يزيد ذلك من أهمية التفاهم السياسي المسبق على الخطوط الرئيسية لإدارة البلاد وعلى التوجهات في معالجة الملفات والقضايا الخلافية. يحصل ذلك ضمناً في أي ترتيب لاختيار الرئيس اللبناني، وغالباً ما يكون تاريخه وسلوكه ومواقفه مأخوذة بنظر الاعتبار لدى الناخبين في الداخل والخارج. لكن التجارب على هذا الصعيد لم تكن مشجعة من حيث تغيّر المواقف في سياق ممارسة السلطة. لعل الضمانة الفعلية تأتي من إعلان مبادئ غير تلك العناوين الفضفاضة عن السيادة والحرية والاستقلال واحترام الدستور. هذه المبادئ تتجه إلى المواضيع التي ما زال اللبنانيون ينقسمون حولها أو على الأقل يختلفون في كيفية معالجتها والتعامل معها، من السياسة الدفاعية والخارجية، إلى الشأن الاقتصادي الاجتماعي التنموي، إلى الإصلاح السياسي أولاً من خلال تحديد كيفية إنتاج السلطة وما هي وسائل تمثيل اللبنانيين وشراكتهم بصورة صحيحة وعادلة. الوقت متاح لتفاهمات كهذه ما دمنا بصدد تسوية حقيقية لا مجرد ملء الفراغ في المؤسسات، ولا مجرد استجابة لطموح شريحة من اللبنانيين بأن تتمثل بالشخصية الأقوى في بيئتها الطائفية. ومن الأمور التي يجب تداركها سلفاً أن لا تتحول تسوية كهذه أو صفقة إلى صيغة «اتفاق ثلاثي» بالمعنى الذي كان في الثمانينيات أو إلى ترويكا لاغية لدور المؤسسات أو إقصائية لما بات يعرف بالطوائف الصغرى.

إذا كانت الأمور مفتوحة فعلاً على تسوية لها قوة الاستمرار أكثر من تسوية «الدوحة»، ولها معنى البناء على «الميثاق الوطني» الذي أقر في «الطائف»، فإن المعيار الرئيسي لذلك هو في تطبيق الدستور بكل مفاصله ومندرجاته ووعوده وإصلاحاته ومؤسساته. فلا نكون أمام «قانون عفو» جديد كالذي أرسى تشوهات كبرى في الحياة الوطنية، ولا أمام «إبراء ذمة» كان يبدو مستحيلاً حتى الآن، عن مرحلة حافلة بالممارسات الشاذة لا يلبث أن يصبح موضع مراجعة كلما حانت فرصة نزاع سياسي.