IMLebanon

هل يضمن «الوزير الملك» حقوق المسيحيّين؟

 

ينعكس شغور موقع الرئاسة الأولى على سائر المؤسسات الدستورية، واضعاً لبنان أمام مطبّات سياسيّة خطرة، تزامناً مع التحدّيات الأمنية على الحدود الجنوبية والشرقية. وأولى مؤشرات عدوى الفراغ تُرجمت في شلل عمل الحكومة، بعدما فرض الرئيس تمام سلام آلية «التوافق الإلزامي» لإدارة المرحلة، والتي انتقدها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، معتبراً أنها «تكبِّل الحكومة وتجعل الوزير ملكاً».

إزاء هذا الواقع المأساوي، يخشى اللبنانيّون انهيار المؤسسات وتعطيل البلد على مختلف الأصعدة، على اعتبار أنّه حين أناط المشرّع صلاحيات رئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، كان المقصود ملء الشغور لأيام وليس لشهور، وبالتالي سيمتدّ أيّ خلل في إحدى الرئاسات تدريجاً نحو المؤسسات الدستورية كلّها.

النزاع السياسي بين فريقَي “8 و14 آذار”، الذي بدأ منذ أكثر من شهرين، استُتبع داخل الحكومة التي تواجه تعطيلاً إثر التعطيل، نتيجة غياب التوافق على ملفات اجتماعية عدة، لتتحوّل جلساتها مجرّد ساحة مبارزة سياسية. وفي ظلّ تمسّك الرئيس تمام سلام بالتوافق، وانتقاد برّي الآلية المتّبعة لأنها “تكبِّل الحكومة وتجعل الوزير ملكاً”، يوضح وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر لـ”الجمهورية”، أنّ “مجلس الوزراء يحلّ مكان رئيس الجمهورية، والدستور ينصّ على اتخاذ القرارات إما بموافقة أكثرية النصف زائداً واحداً، وإما بأكثرية الثلثين وليس توقيع القرارات بموافقة جميع الوزراء”، لافتاً الى أنّ سلام “اعتمد آلية التوافق حرصاً منه على الوفاق في ظلّ غياب رئيس الجمهورية”.

وإذ يؤكّد “أننا لا نعارض تعزيز كلّ الصلاحيات التي ينصّ عليها الدستور، أكانت لرئيس جمهورية أو لمجلس النواب أو للحكومة أو حتى لوزير أو أيّ مسؤول بالمؤسسات الدستورية”، يعتبر أنّ تعديل الصلاحيات “ليس أمراً سهلاً بل يتطلّب توافقَ ثلثَي مجلس النواب وإجماعاً وطنياً”.

بدوره، يؤيّد وزير الاتصالات بطرس حرب عبر “الجمهورية”، موقف برّي، “فالخطأ الأساسي حصل في وضع هذه الآلية التي تحفّظتُ شخصياً عليها لأنها ستوصل الحكومة الى طريق مسدود وهذا ما حصل”. إلّا أنّ حرب لم يبدِ تشاؤمه من الواقع الحكومي، بل يبدي ثقته بـ”أننا سنتخطّى العقبات بعد الاتصالات والمشاورات، فإذا توافق المجلس على المراسيم تُعتمد الآلية نفسها، وإلّا قد نلجأ الى التصويت”.

ويشدّد على أنّ “أحداً لا يمكنه المسّ بصلاحيات رئيس الجمهورية، فوحده مجلس النواب بأكثرية الثلثين يمكنه التصويت على تعديلها، ولسنا في وارد خفض هذه الصلاحيات بل تعزيزها”، مؤكّداً أنّ “انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعودة الحياة الدستورية الى طبيعتها هو الحلّ”.

ويضيف: “يجمعنا مع الرئيس سلام همّ مشترك وهو أن تنتج الحكومة وتحافظ على البلد في ظل الفراغ الرئاسي، وسأسعى معه الى البحث عن مخارج في إطار الحفاظ على النظام السياسي والدستور، وتفادي أنّ تحلّ السلطة السياسية محلّ رئاسة الجمهورية، وسأطرح أفكاراً في هذا الاطار”.

وينتقد حرب الرأي القائل إنّ الآلية قد تمهّد للفيديرالية، “فما يحصل اليوم مرهون بظروف استثنائية نتيجةَ الفراغ الرئاسي”، داعياً الشعب الى “الانتفاض لمحاسبة جميع المعطّلين”.

من جهته، يقول وزير العمل سجعان قزي لـ”الجمهورية”: “سواء كان الوزراء ملوكاً أم لا، فإنّ الوضع الراهن ليس ناتجاً عن المنهجية المتبعة في مجلس الوزراء والتعطيل الجزئي لمجلس النواب، إنما عن عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وبالتالي الأَوْلى بنا انتخاب رئيس ليكون للبنان ملك بدلاً من أن يكون كلّ وزير أو كل نافذ ملكاً”.

وإذ يلفت الى أنّ “الآلية ليست من اختراع حزب “الكتائب”، إنما أتت من قوى “8 آذار”، ونحن لم نعارضها حرصاً على عمل مجلس الوزراء وحفاظاً على مبدأ الوفاق”، يعتبر قزي أنّ “المنهجية المتّبعة ليست سيئة أو حسنة بل تشبه أيّ منهجية أخرى، لكنّ المهم هو أن يتحلّى جميع الوزراء بحسّ المسؤولية، فلا يستغلون مبدأ التوافق للتعطيل ومبدأ عدم الاتفاق على بند واحد لتعطيل البنود الأخرى”.

ويشدّد على أنّ “العطل ليس في المنهجية إنّما في ذهنية الوزراء، ومَن يريد تعطيل المجلس انطلاقاً من قرار سياسي، يمكنه ذلك أياً تكن المنهجية أتوافقية أم قائمة على التصويت”، مضيفاً: “عوض أن نبذل جهداً لتغيير منهجية عمل مجلس الوزراء أو لتأمين انعقاد جلسة تشريعية، فلننتخب رئيساً للجمهورية”.

ويشير قزي إلى أنّ “لا علاقة لصلاحيات رئيس الجمهورية المقبل بعمل مجلس الوزراء، فإعادة النظر في صلاحيات الرئيس هي جزء من مشروع إصلاحي للبُنيان الدستوري اللبناني عموماً، وهو يتطلّب هيئةَ حوار تدرس وضع النظام اللبناني في ضوء المتغيّرات الداخلية منذ أعوام، والتطورات الشرق أوسطية منذ العام 2003 (تاريخ بدء الحرب بالعراق) الى اليوم”.

ويضيف رداً على ما يثيره البعض عن توجّه لبنان نحو الفدرالية: “حبّذا لو أنّ البلد يتّجه نحو الفدرالية المنظّمة. فنحن نعيش واقعاً تقسيمياً يتَّجه نحو الفوضى العارمة. ولو كانت الفدرالية سائدة لكان هناك على الأقل نظام ولامركزية وتنوّع وهدوء أمني وتوزيع للصلاحيات وتعددية محترَمة”.

أما وزير الثقافة روني عريجي فيقول عبر “الجمهورية”: “ينصّ الدستور على أنّ مجلس الوزراء يتّخذ قراراته بالتوافق، وإذا تعذّر التوافق نذهب الى التصويت، ولكنّ الرئيس سلام فضّل في ظلّ غياب رئيس الجمهورية الذي يُعتبر وجوده ميثاقيّاً، عدمَ اللجوء الى التصويت، على أن يتّفق الوزراء قبل الوصول الى التوقيع”.

ويَشرح عريجي أنّه “في حال عارض أحد الوزراء مرسوماً يحتاج إجماع مجلس الوزراء نكون قد علقنا وبالتالي لن نصل الى التوقيع، أما إذا لم يبدِ أيّ من الوزراء اعتراضاً قبل التوقيع، ليعود ويغيّر رأيه أثناءه، يُقرّ المرسوم حتّى لو تمنّع هذا الوزير عن التصويت”.

ويوضح عريجي أنّ برّي تحدّث عن المراسيم العادية وليس عن المراسيم التي تحتاج الى إجماع، “إذ في حال رفض وزير من أصل 24، التوقيع، يستطيع تغيير المعادلة والخربطة”.

وإذ يُقرّ أنّ “هذه الآلية غير مؤاتية عملياً”، يعتبر أنها “مقبولة ميثاقياً، وحتى قانونياً، إذ تقول وجهات نظر دستورية إنّ الوزراء الـ24 يمثلون رئيس الجمهورية وليس أكثرية المجلس”، لافتاً الى أنّ سلام “قرّر اعتماد التوافق الالزامي على جدول الأعمال وعلى قرارات مجلس الورزاء وكلّ المراسيم قبل التصويت، ليختصر هذه الجدلية وحرصاً منه على التوافق والوطنية”.

ولم ينفِ عريجي أنّ “هذه الآلية تشلّ عمل الحكومة”، داعياً في المقابل “الوزراء الملوك”، إلى “التحلّي بقدرٍ كافٍ من المسؤولية لعدم معارضة أيّ مرسوم لا اعتراض جوهرياً عليه”.

وفي السياق، يؤكّد وزير التربية الياس بو صعب لـ “الجمهورية”، أنّ سلام “هو مَن قرَّر رفع الجلسة الأخيرة ولديه الحق في ذلك، لأنّه رأى أنّ الأجواء تختلف تماماً عن المعطيات التي يملكها، وبالتالي لا يمكن استمرار عمل الحكومة في ظلّ غياب التفاهم السياسي، وهو ينتظر إمكان التوصّل الى حلولٍ الأسبوع المقبل، لكنّ القرار النهائي يبقى عند الرئيس سلام الذي يعرف متى يدعو إلى جلسة”.