IMLebanon

أرقام 2016 صدرت… البلد في «ورطة»

لشدة الانغماس في متابعة ملف سلسلة الرتب والرواتب، ومعها مشروع الموازنة العامة، لم يتنبّه كثيرون الى أن أرقام المالية العامة في شأن نتائج 2016 صدرت رسمياً عن وزارة المال، وهي قد تفسّر لماذا يمكن القول أن البلد في ورطة.

منذ ما قبل اعلان نتائج العام 2016 على مستوى المالية العامة، كان معروفا ان الوضع المالي لا يبشّر بالخير، لكن ظهور الأرقام رسمياً، يستدعي قراءة متأنية لاستشراف حجم المخاطر التي بدأت تقترب فعلياً من مرحلة اللاعودة.

تُبيّن الأرقام ان العام 2016 أقفل على عجز بلغ 4,94 مليار دولار، وهو رقم قياسي جديد بزيادة نسبتها 25,1% مقارنة مع العام 2015. ويتجاوز حجم العجز في 2016 الرقم القياسي الذي سجله في 2013، وكان يومها 4,22 مليار دولار. ويمثل العجز نسبة 33,3% من حجم الانفاق العام مقارنة مع 29,2% في العام 2015.

ولعلّ النقطة الاكثر سخونة في نتائج 2016، ان خدمة الدين العام ارتفعت الى 4,77 مليار دولار. وهو رقم مُقلق لأنه يمثل حوالي 9% من الناتج المحلي، و38% من مجموع الانفاق العام.

وهنا، لا بد من التذكير ان إقرار سلسلة الرتب والرواتب، من دون تأمين ايرادات اضافية للخزينة، يعني ان العجز سيرتفع الى حوالي 6 مليار دولار سنويا، وان خدمة الدين العام سوف تلتهم حوالي 43% من مجموع الانفاق، وهو أمر يؤشّر الى الاقتراب كثيرا من الهاوية، حيث قد تصل السلطات الى اللحظة التي ستضطر فيها الى اتخاذ قرار تحرير سعر صرف الليرة، لتحاشي الافلاس.

هذه الأرقام هي التي تُصعّب مهمة السلطة السياسية اليوم في مقاربتها لملف الموازنة وسلسلة الرتب والرواتب. وما يجعل الوضع اكثر تعقيدا ان الدولة سبق أن بدأت دفع قسم من سلسلة الرتب والرواتب، من خلال دفع غلاء المعيشة، (حوالي 700 مليون دولار)، وهي كانت تأمل في الاختباء وراء السلسلة من اجل تمرير ضرائب يُفترض وفق حسابات من وضعها ان تؤمّن مداخيل اضافية بحوالي مليار ونصف مليار دولار.

وبذلك، ووفق تقديرات مشروع الموازنة للعام 2017، كانت وزارة المالية تأمل ان تحافظ على نسبة العجز ثابتة ومشابهة للعام 2016. هذا الهدف يبدو متواضعا، على اعتبار ان حجم العجز في العام الماضي اكبر من أن يتحمله الاقتصاد لفترة طويلة.

خصوصا ان مؤشرات كل القطاعات لا تزال تسجل تراجعا، ومن ضمنها مؤشر الصادرات الصناعية الذي هبط بنسب مرتفعة. كذلك فان مؤشرات الحركة التجارية لم تُظهر أي تحسّن رغم ان البعض كان يأمل ببعض النمو عقب التطورات السياسية الايجابية في الفصل الأخير من 2016.

هذه الظروف المالية الصعبة التي تمر بها الدولة، لا تبرّر الاسلوب الذي اتبع في فرض الضرائب، من خلال الموازنة ومشروع تمويل سلسلة الرتب والرواتب.

كما ان طرح مشروع السلسلة وكأنها جسم غريب ينبغي ايجاد تمويل خاص به، هو أمر ينطوي على سوء نية، ويضع الناس في مواجهة بعضها البعض، بدلا من أن تتحمّل السلطة السياسية مسؤوليتها.

وتبدو السلسلة من خلال هذه السياسة وكأنها حدث مأساوي طارئ، مثل الزلزال الذي ضرب لبنان في السنوات الغابرة، وفرضت يومها الحكومة ضريبة أسمتها ضريبة اعادة اعمار ما هدّمه الزلزال.

ولا يزال اللبناني يدفع هذه الضريبة حتى اليوم. وكان حري بالدولة ان تصارح الناس بأن الوضع المالي يتراجع، وأن المطلوب الاتفاق على خطة انقاذية، لزيادة الايرادات وتقليص الانفاق.

بالاضافة الى ذلك، لم يكن يفترض بالدولة ان تربط بين السلسلة وما أسمته الاصلاحات في القطاع العام. فهل يُفهم من ذلك، أنها ترشي الموظف بالسلسلة لكي يوافق على الاصلاحات؟ هذه المعادلة تبدو غريبة، واذا كانت هناك حاجة لاصلاحات ينبغي انجازها من دون أن تُربط بالسلسلة.

والغريب أكثر ان معظم القطاعات ترفض الاصلاحات المقترحة، ربما لأن الناس شعروا بأن الاصلاحات أشبه بعقوبات تُفرض عليهم، أو لأنهم شعروا بأن الملف ما دام يشبه الشروط والتشاطّر، بات قابلا للتفاوض!

ما وصلنا اليه اليوم هو التالي: الدولة عالقة في مأزق مثلث الأضلع: اذا أقرّت السلسلة بلا ايرادات جازفت بتقريب موعد الانهيار المالي. اذا لم تقر السلسلة، ستفقد مصداقيتها وستواجه موجة غضب يصعب التكهّن بنتائجها.

اذا أقرت السلسلة مع الضرائب، ستواجه غضب الشارع، من دون أن تكون قد أرضت الفئات المستفيدة من السلسلة، والذين يتظاهرون ويعتصمون اليوم، معتبرين أنهم ظُلموا في الطريقة التي تمت فيها مقاربة حقوقهم.

في النتيجة، لا بد من الاشارة الى ان عامل الاستغلال السياسي قائم في هذه الأزمة، وهناك أكثر من فريق يريد توجيه رسائل الى العهد، أو تحسين «حجمه» في الشارع، لكن هذا الاستغلال شبه مشروع، وينبغي أن يكون معروفا، ويُحسب له حساب، لكن السلطة تكره وتجهل الحساب في الأرقام وفي السياسة، وهكذا تكون قد «جنت على نفسها براقش».