IMLebanon

3 مليارات دولار فارق الحسابات في “دفتر” الدولة آخر العام

 

لا تحتاج الأرقام الى ضغوطات إضافية لكي يدرك الجميع عمقَ الأزمة المالية والاقتصادية القائمة. ومع ذلك، هناك مَن يتبرّع في مضاعفة الضغوطات، بحيث يصبح طيفُ الثقة غيرَ مرئي. وكلما تراجعت الثقة ومعها الأمل، كلما كانت “جلجلةُ” الوصول الى الهاوية أسرع.

 

هناك إجماع وقناعة بأنّ البلد لا يواجه أزمة مالية واقتصادية خطيرة، بل أزمة سياسية مزمنة ومتراكمة، إذا لم تُعالج، لا جدوى من محاولات المعالجة في موضع آخر.

 

اليوم، دخلت البلادُ مرحلةَ تيئيسٍ اضافية، مع أفول المراهنات على إمكانيةِ ولادةٍ وشيكة للحكومة، وبدءِ مسيرة الانقاذ، وبالتالي، صار مشروعاً البناءُ على فرضية أن لا حكومة خلال العام 2018، وإنّ الاستعدادات لدخول العام 2019 بلا حكومة من الأمور الواردة. هذا يعني أنّ البلد سيواجه أزمة الأرقام، وأزمة الثقة، وأزمة العقوبات، وأزمة الصراع الأميركي-الإيراني بلا حكومة ومناخ سياسي متشنّج.

 

من المُستبعد أن يكون أيُّ طرف سياسي غافلاً عن حقيقة الوضع المالي الحالي. ومَن يرغب بمزيدٍ من التأكيدات، يستطيع أن يتمعّن في النتائج التي أصدرتها وزارة المالية قبل أيام عن وضع الخزينة في الأشهر الستة الأولى من 2018. وهي فترة “ذهبية” إذا ما قورنت بالأشهر الستة المتبقّية من العام، على اعتبار أنها شهدت انعقادَ مؤتمر “سيدر”، وحصول الانتخابات النيابية، وبدء العمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية، قيل الكثيرُ مسبقاً في أنّ مهمتها الأولى والأساسية بدءُ خطة إنقاذٍ ماليٍّ واقتصاديّ تستند الى تنفيذ مشاريع ومقرّرات “سيدر”. وإذا كانت أرقامُ النصف الأول من 2018 بهذا السوء، فكيف ستكون أرقام النصف الثاني، مع بدء مرحلة فقدان الأمل في تشكيل حكومة، والجمود الذي أصاب كل القطاعات، وارتفاع أسعار الفوائد الى مستويات لها مدلولاتها السلبية، بصرف النظر عن الشروحات والتبريرات والمقارنات؟.

 

في عودةٍ الى الأرقام الرسمية يتبيّن أنّ نتائج النصف الأول من 2018 أظهرت أنّ الإيرادات تراجعت الى 5 مليارات و941 مليون دولار، مقارنةً مع 6 مليارت و60 مليون دولار للفترة نفسها من العام 2017. وللتذكير هذه الإيرادات كان يُفترض أن ترتفع بنسبة لا تقلّ عن 10 في المئة لتغطية الإنفاق الإضافي المتوقّع جراء سلسلة الرتب والرواتب. وقد تمّ فرضُ حوالى 22 إجراءً بين ضرائب ورسوم جديدة، أو رفع ضرائب ورسوم قائمة. ورغم أنّ غالبية هذه الضرائب طاولت الطبقة المتوسطة والفقيرة، إلّا أنّ النتيجة جاءت مخيّبة لجهة مجموع الإيرادات. وهذا الأمر يوضح نسبة الركود والجمود في الأسواق.

 

وهنا يُلاحظ أنّ مداخيل الضرائب غير المباشرة والتي تطاول الطبقة المتوسطة والفقيرة مثل الـTVA ارتفعت بنسبة 9,71%. وكذلك على سبيل المثال لا الحصر، ارتفعت مداخيل الخزينة من الرسوم على الفوائد المصرفية 73,79%. ومع ذلك، تراجعت الإيرادات الضرائبية في مجموعها العام، لأنّ كل أنواع الضرائب المرتبطة بالحركة الاقتصادية تراجعت الى مستويات قياسية، وهي حتماً شهدت المزيد من التراجع في النصف الثاني من 2018، وسوف تكشف الأرقام حجمَ الكارثة فور صدورها.

 

في المقابل، ارتفع الإنفاق الى مستويات قياسية لأسباب عدة، من أهمها كلفة سلسلة الرتب والرواتب، والتي لم يتمّ حتى الآن تحديدٌ دقيق لحجمها الحقيقي. لكنّ أرقام مصرف لبنان تُبيّن أنه قبل “السلسلة” كان يخرج من حساب الدولة في المصرف، والمخصّص لدفع الرواتب والأجور في القطاع العام، 425 مليار ليرة. بعد “السلسلة”، بات يخرج من الحساب حوالى 700 مليار ليرة شهرياً. أي انّ الإنفاق السنوي على الأجور كان 5100 مليار ليرة (حوالى 3,4 مليارات دولار) وارتفع بعد السلسلة الى 8400 مليار ليرة (حوالى 5,7 مليارات دولار).

 

في النتيجة، تُظهر أرقام وزارة المالية أنّ مجموع الإنفاق في الاشهر الستة الاولى من 2018 ارتفع الى 8 مليارات و977 مليون دولار، مقارنة مع 6 مليارات و968 مليون دولار، في الفترة نفسها من العام 2017. أي انّ فارق العجز بين 2017 و2018 من كانون الثاني حتى آخر حزيران هو ملياران و120 مليون دولار، وما نسبته حوالى 30%، من دون احتساب العجز الإضافي المخفي في الدفاتر، والذي ظهر في الوقائع، مثل عجز الكهرباء. وإذا أضفنا ما هو مخفيّ نظرياً، واحتسبنا العجز الإضافي المتوقّع في النصف الثاني من العام 2018، بعدما ساءت الأوضاع أكثر، وتراجعت الثقة الى مستويات متدنّية، سنكتشف أنّ الفارق في العجز بين موازنة 2017 وموازنة 2018 قد يصل في نهاية العام الى ما يقارب الـ3 مليارات دولار. وإذا تذكّرنا أنّ الحكومة قدّمت الى مؤتمر “سيدر” والى المجلس النيابي، والى الشعب اللبناني موازنة تضمّنت أرقاماً تفيد بأنّ العجز سيكون موازياً للعجز في العام 2017، نستطيع أن نستخلص مدى دقة وحرص السلطة على المصداقية وعلى المال العام ومصير الناس والبلد. القصة بسيطة، فرقت الحسابات مع الدولة 3 مليارات دولار فقط، القصّة ما حرزانة، والتعتير بعد نهاية العام 2018.