IMLebanon

3 قراءات صديقة ومناوئة لإعلان جعفري إرسال مقاتلين إلى الجبهات المشتعلة

3 قراءات صديقة ومناوئة لإعلان جعفري إرسال مقاتلين إلى الجبهات المشتعلة

 قواعد اشتباك جديدة أو اتفاق مذلّ مع واشنطن!

إنفلاش إيران عسكرياً ومالياً يؤدي إلى إضعافها ومخاوف من انفجار في الأشهر المقبلة على الجبهة مع إسرائيل

إعلان قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري أن المرشد الإيراني علي خامنئي أعطى الإذن إلى مجموعات من الشباب الإيرانيين للقتال إلى جانب مَن أسماهم «إخوتهم» من العراقيين والسوريين واللبنانيين طرح تساؤلات في الأوساط السياسية اللبنانية عن مغزى توقيته والأهداف الكامنة  من ورائه، ولا سيما أن طهران درجت على اعتبار وجود الحرس الثوري الإيراني في الساحات الثلاث يأتي في إطار رفد حلفائها بالخبراء والمستشارين بوصفهم جزءاً من «محور الممانعة» الذي تقوده في المنطقة، وتوفّر له الدعم السياسي والإيديولوجي والعسكري.

وإذا كان الوجود الإيراني العسكري، في رأي بعض المراقبين، ليس بحدث جديد، وهو أمر غير خاف على المجتمع الدولي، ولا سيما القوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة، إلا أن إخراجه إلى العلن والتبني الرسمي لسياسة تصدير المقاتلين الإيرانيين إلى الساحات العربية الثلاث يشكل، وفق قراءة مشتركة لمؤيدي إيران ومناوئيها، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة في المنطقة، وإن كان كل من الفريقين ينظر إلى أبعادها بشكل مختلف.

ويربط محللون، في المقلب المؤيّد للمحور الإيراني، توقيت هذا الإعلان باللحظة السياسية الحاسمة التي تواجهها إيران، والتي جاءت «عملية القنيطرة» لتشكل نقطة تحوّل في قواعد الصراع من وجهة نظر القيادة الإيرانية، وما أعقبها من إعلان للأمين العام لـ «حزب الله» بعد «عملية الردّ» في شبعا عن سقوط «قواعد الاشتباك» وعدم اعترافه بتفكيك الساحات والميادين. فالموقف الإيراني جاء استكمالاً لموقف السيد حسن نصر الله الذي عمد، من خلاله، إلى تأكيد وحدة الساحات وربطها بعضها ببعض في تكريس جديد لتبدّل المعادلات التي كانت قائمة. وهو موقف يحاكي دقة المرحلة بالنسبة لطهران في سياق عملية التفاوض الجارية مع واشنطن حول الملف النووي الإيراني, وما تستبطنه لعبة عض الأصابع من عوامل مواجهة  أو عوامل اتفاق تستلزم، في كلا الحالتين، العمل على تحسين الأوراق التفاوضية في الفترة الفاصلة عن موعد الاستحقاق في آذار المقبل، والذي إما أن يشكّل محطة للتفاهم السياسي في طريق الوصول إلى تفاهم نووي في تموز المقبل وإما أن يؤول إلى حال من التأزم.

ويذهب هؤلاء إلى الاعتقاد بأنه لا يمكن قراءة الموقف الإيراني الذي صدر عن شخصية بوزن جعفري إلا من منطلق كونه تطوراً دراماتيكياً في سياق الصراع الموازن والموازي لسياق التفاوض، ونوعاً من التلويح السياسي لتطوّر منطق المواجهة وحجم الانخراط الإيراني فيها في حال لم تفض المفاوضات إلى تفاهمات سياسية ورسم خطوط حمر للصراع في المنطقة، ولا سيما أن الميدان لا يزال عاملاً حاسماً في تحديد موازين القوى، وما ستؤول إليه المرحلة المقبلة.

في مقابل هذه القراءة، بدا لافتاً لدى قوى سياسية مناوئة لمحور إيران – «حزب الله»، أن إعلان جعفري، على خطورته وما يشكله من انتهاك للقرارات الدولية التي تمنع عبور المقاتلين من بلد إلى آخر، قوبل بصمت دولي – غربي، ولا سيما أميركي وحتى إسرائيلي. ويخشى هؤلاء من أن يكون هذا الإعلان مقدّمة ليكون جزءاً من التسويات أو التفاهمات الأميركية – الإيرانية على قواعد اشتباك محددة، ونوعاً من الاعتراف والقبول بأمر واقع جديد، ذلك أنه في خضم عملية التفاوض تتقدّم إيران لتحل مواقع وتكرّسها، ما يشي بأن هناك «رضىً أميركياً ما» لمثل هذه الخطوة، فيما لم تَظهر بعد حقيقة الموقف الإسرائيلي، وما إذا كان إعلانه رهن انتهاء الانتخابات الإسرائيلية المرتقبة في آذار.

وبين القراءتين، ثمة قراءة ثالثة ترى في إعلان جعفري عن موافقة خامنئي على تصدير المقاتلين الإيرانيين إلى العراق وسوريا ولبنان تعبيراً عن الحالة المأزومة التي يعيشها حلفاء طهران في ظل حرب الاستنزاف والشعور بتراجع قدرات النظام السوري، وبعد اضطرار الميليشيات الشيعية العراقية للانسحاب إلى العراق لمواجهة التحدّيات التي فرضتها سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على أجزاء واسعة من العراق، وفي ظل المخاوف الجدّية من عدم قدرة رأس النظام على الصمود، نتيجة الضائقة المالية والاقتصادية التي تعانيها إيران، كما الحليف الروسي، جرّاء انخفاض أسعار النفط والتي تؤشر المعطيات المتوافرة إلى استمرار مسار انخفاضها، بحيث قد يصل سعر برميل النفط إلى عتبة الثلاثين دولاراً، وربما إلى ما هو أدنى من ذلك. وهذا الاستنزاف ينسحب على «حزب الله» المنخرط في الحرب السورية، والمنتشر على الحدود اللبنانية – السورية وسط معطيات - آخرها أميركية - تتوقع تعزيز «جبهة النصرة لعملياتها في لبنان، فضلاً عن أن الحزب يعاني هو الآخر من ضائقة مالية بفعل تقليص موازنته المخصصة له من إيران، وزيادة أعبائه جرّاء القتال في سوريا. ويجري الحديث في بعض الكواليس السياسية عن أن الحزب بدأ باللجوء إلى متموّلين لسد العجز. وهو حصل في الآونة الأخيرة على مبلغ مليوني دولار أميركي من إحدى الشخصيات السياسية المليئة جداً، والتي تحالف معها الحزب في فترة سابقة.

وما يُعزّز من تلك القراءة  لدى أصحابها أن تجربة الاتحاد السوفياتي ماثلة أمام الأذهان، حيث أن توسّع الروس وانفلاشهم آل إلى انهيار الاتحاد، على الرغم من إمكاناته إذا ما قورنت بإمكانات إيران التي تستمر في مدّ أذرعها العسكرية وفي الانفلاش، بحيث سيؤول هذا التمدّد والانخراط المباشر، الذي يهدّد به جعفري باسم خامنئي، إلى دخولها مرحلة استنزاف قصوى لن تفضي إلا إلى مزيد من إضعافها، مع تزايد الضغوط العسكرية والمالية والاقتصادية عليها وغليان الداخل الإيراني. فهي خسرت في العراق وسوريا الكثير من أوراق القوة التي كانت تملكها قبل الثورة السورية وانهيار الوضع في العراق، وسيشهد الحوثيون مزيداً من السقوط في وحول اليمن المعقدة، وليس واقع غزة بأفضل حال. وإذا كان لبنان قد توفرت له مظلة إقليمية ودولية لمنع انضمامه كلياً إلى الساحات المفتوحة بقوة عسكرياً وأمنياً، فإن هذا لا يعني إمكان عدم جرّه أو انجراره إلى مغامرات جديدة إذا ما اقتضت المصالح الإيرانية، كما الإسرائيلية، ذلك.

ثمة معطيات وصلت إلى دوائر سياسية عليمة من أن إيران ذاهبة إلى اتفاق «مُذل» مع أميركا، نظراً إلى الظروف المحيطة بها. معطيات - إذا ما أثبتتها تطورات الأشهر المقبلة - من غير المعروف ما إذا كانت ستدفع  باتجاه الانفجار أو الخبوت  مع إسرائيل ومن أي جبهة؟!