IMLebanon

7 أيار معيشي؟

لا يمكن تفسير التصعيد المتواصل في الملفات المعيشية إلّا بكونه تهيئة لانفجار اجتماعي يدفع إلى تغيير سياسي من منطلق أنه عندما تقفل أبواب التغيير من داخل اللعبة السياسية تبدأ بعض القوى السياسية البحث عن تحريك الوضع من البوّابة الأمنية أو الاجتماعية.

يفترض أن تكون القضايا الاجتماعية والمعيشية مبدئياً مدار توافق وإجماع كل القوى السياسية، خلافاً للقضايا السياسية التي يُبَرّر الخلاف حولها، بشكل أو بآخر، خصوصاً المتصلة بالجانب السيادي.

ولذلك، إنّ تعذر التوافق حول سلسلة الرتب والرواتب، والامتناع عن تصحيح الامتحانات الذي يؤدي إلى حرمان آلاف الطلاب من الشهادات التي تخوّلهم الدخول إلى الجامعات في لبنان والخارج، وأخيراً حجب الرواتب عن الموظفين بحجة التغطية القانونية، يطرح تساؤلات جدية من قبيل الآتي:

ما الخلفية السياسية الكامنة وراء هذا التعطيل المقصود؟ وما الهدف الذي تسعى القوى التعطيلية إلى تحقيقه؟ وهل المقصود جَرّ 14 آذار إلى التشريع، أم جَرّها إلى الطائف أو الدوحة أو تحريك الجمود السياسي للخروج بصفقة رئاسية – حكومية – نيابية؟

التصعيد الذي بدأ مع السلسلة كان سَبق بكثير الفراغ الرئاسي، ولا بل ترافقت معظم الجلسات الانتخابية قبل 25 أيار مع تحركات نقابية، الأمر الذي يؤكد بأنّ التصعيد مقصود ويندرج ضمن احتمالين:

الاحتمال الأول، توتير من أجل التوتير، بمعنى أنّ «حزب الله» الذي يخشى من أن يَرتدّ التأزّم الأمني والسياسي عليه لجأ الى التوتير الاجتماعي بغية إبقاء التأزّم في المشهد الوطني، لأنّ الاستقرار يقود إلى التراخي داخل بيئته، فيما هو بحاجة دائمة إلى شَد عصبها تبريراً لسلاحه ومواجهاته مع إسرائيل والداخل وسوريا، كما حاجته إلى مواصلة ربط النزاع على طريقته عبر الإمساك بالأوراق التي تتيح له إثارة قضية النظام السياسي وإدخال التعديلات التي تُشَرّع سلاحه.

الاحتمال الثاني، تحريك الوضع السياسي من الباب الاجتماعي: «حزب الله» يحتفظ بورقة الأمن الاجتماعي إلى الوقت المناسب بغية رَميها في وجه الجميع لجَرّهم إلى اتفاق حول رزمة سياسية تتضمن انتخاب رئيس جديد وتأليف حكومة وتمديد نيابي.

وفي حال لم يتم الاتفاق حول دفع رواتب الموظفين، وبقيَ كل فريق متمسّكاً بموقفه، فهذا يعني أنّ ساعة الصفر لجَرّ البلاد إلى اتفاق – تسوية قد انطلقت، لأنّ ردود فعل الناس التي لم تُحَصّل رواتبها ستكون عنيفة جداً وستهدّد الاستقرار الهَش أساساً، وستدفع القوى السياسية تحت ضغط اللحظة الشعبية إلى تسوية بأوجه متعددة.

وفي حال تمّ الاتفاق على دفع الرواتب، فهذا يعني تأجيل الانفجار الاجتماعي إلى موعد لاحق وتحت عنوان جديد، لأنّ «حزب الله» لا يستطيع أن يفكّ التزامه الرئاسي مع العماد ميشال عون إلّا على أثر تأزّم اجتماعي – سياسي يتذرّع به للاعتذار منه بأنّ الأمور خرجت عن سيطرته، ويبدو أنّ هذه اللحظة قد اقتربت نتيجة تقاطع ثلاثة عوامل رئاسية:

العامل الأول، المبادرة التي أطلقها الرئيس سعد الحريري بإعلانه ضرورة إنهاء حال الشغور في رئاسة الجمهورية وفي أسرع وقت ممكن عبر إجراء مشاورات مع الحلفاء في 14 آذار وخارجها، تعكس قناعة لدى كل مكوّنات الحركة الاستقلالية بضرورة التوافق مع الفريق الآخر على اسم الرئيس الجديد، لأنه خلاف ذلك، الشغور مرشّح أن يطول كثيراً، وبالتالي قطعت قوى 14 آذار مجتمعة أكثر من نصف الطريق إلى بعبدا.

العامل الثاني، البطريرك بشاره الراعي الذي يصعّد بشكل متواصل ضد الفئات المعطّلة للنصاب، والتي خَوّنها في سياق الضغط لانتخاب رئيس، مستعد لأيّ تسوية تعيد الحياة إلى قصر بعبدا، ولا بل وصلَ به الأمر إلى درجة الإعلان أمس عن رغبته الواضحة في التمديد للرئيس ميشال سليمان، في موقف يُبدي عبره بعض الهواجس المسيحية لاحترام الدستور الذي شكّل تاريخياً المطلب الأساسي لبكركي.

العامل الثالث، المجتمع الدولي الذي يكاد في كل مواقفه وبياناته يركّز على ضرورة انتخاب رئيس جديد، لن يعدم وسيلة لتأمين الحاضنة الخارجية لسدّ الفراغ بغية إقفال الثغرات السياسية التي تهدد الاستقرار في مرحلة حبلى بالتطورات.

ويبدو أنّ تمديد الملف النووي لستة أشهر إضافية سيدفع كل الأطراف الخارجية والداخلية إلى تسريع التوافق الرئاسي لا تمديد الفراغ ربطاً بالتمديد النووي، وذلك تحسّباً لطبيعة هذه المرحلة التي ستشهد تسخيناً وتوتيراً في سياق الضغوط المتبادلة، فيما هناك رغبة دولية – إقليمية – محلية لتحييد لبنان، خصوصاً أنّ الحزب بات يخشى مع التطورات التي انطلقت في العراق من محاولات لتطويقه في لبنان عبر إيصال رئيس للجمهورية لا يكون مشاركاً في إيصاله.

وتأسيساً على كل ما تقدمّ، يفترض التوقف عند معطيين:

المعطى الأول يتصِل بكلام الحريري الذي عَبّر عن انتهاء مرحلة رئاسية وبداية أخرى، وهذا الكلام منسّق مع قوى 14 آذار ويتقاطع مع ما دأب على تَرداده الدكتور سمير جعجع الذي كان بَادرَ باتجاه الفريق الآخر للتوافق على مرشّح رئاسي. وما قاله الحريري ليس بغرض تسجيل موقف، إنما بهدف الإعلان عن الانطلاق في مرحلة جديدة، وهذه المرحلة لها مستلزماتها واتصالاتها ومرشّحيها المختلفين عن المرحلة الأولى.

والمعطى الثاني يتعلق بطبيعة المرحلة التي تتصدر فيها الملفات الاجتماعية كلّ الملفات الأخرى، حيث يصعب تفسير التوتير الاجتماعي الذي سيصِل الى حدوده القصوى في حال عدم الاتفاق على دفع الرواتب الّا في سياق خلط الأوراق وقلب الطاولة تبريراً لانتخاب رئيس جديد.