IMLebanon

7 أيار 2014.. «موقعة» تعطيل الاستحقاق

7 أيار.. حتى لا تتكرر الخطيئة والفتنة
7 أيار 2014.. «موقعة» تعطيل الاستحقاق

 

ما بين 7 أيار 2008 يوم التعطيل العسكري لمفاعيل الدولة في بيروت والجبل، يأتي 7 أيار 2014 ليحمل بامتياز عنوان التعطيل السياسي من خلال «موقعة» تعطيل الاستحقاق الرئاسي.

7أيار العسكري لم يكن نهاراً عادياً في بيروت، ولم يصبح كذلك في تاريخ لبنان، فأهالي العاصمة يستذكرون تلك الهجمة على أحيائهم ومنازلهم من ميليشيات القمصان السود في «حزب الله» وحركة «أمل»، كما في القوى السياسية الأخرى في فريق «شكراً سوريا». يستذكرون إقفال الطرق وانتشار المسلحين من كل حدب وصوب، وقطع أوصال المدينة ومنع سكانها من التحرك، وحرق الإطارات، وإطلاق النار وإحراق مراكز «تيار المستقبل»، والاعتداء على وسائل الإعلام المناهضة. ميليشيات تنهر العابرين الآمنين، ومجموعات مسلحة تعتقل وتهين وتمارس هواية القوة والاستقواء على الآمنين. كل ذلك تحت شعارات حماية «المقاومة» وأمنها ضد قرارات اتخذتها الحكومة الشرعية التي كان «حزب الله» وأتباعه مشاركين فيها، بحجة رفض قرار نقل رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير من منصبه، وإزالة شبكة الاتصالات الخاصة بالحزب، التي مددها «حزب الله» بطرق غير شرعية.

«اليوم المجيد» الذي وصفه الأمين العام لـ«حزب الله» فتح جرحاً في الجسد اللبناني لا يزال ينزف حتى اليوم. فالعطب قد حصل، ومن الصعب أن يستعيد الجسد إمكاناته السابقة، والخروج من ألم المصاب. ورغم صعوبة ما حدث، وما قيل ويقال في المناسبة، ورغم الانقلابات في المواقف السياسية، على أثر الواقع الجديد من قبل البعض الذي كان يحسب على فريق 14 آذار، والانحياز نحو «وسطية» تغطي الأفعال الانقلابية اللاحقة، فإن «حزب الله» كابر مستعيناً بقوة سلاحه، وبدعم المال الإيراني، وفتح أبواب الفتن المذهبية في بيروت وطرابلس وصيدا وغيرها من المناطق. وليته كان قوياً في نفسه واستطاع أن يقدم للبنانيين تبريراً يقنعهم فيها بممارساته الميليشيوية، وليت أمينه العام اعتذر من أهالي العاصمة. فمن يرفض ذل الاحتلال لا بد له أن يرفض ذل إخضاع الناس لمشيئة الخارج.

حتى اليوم لم تتحقق المصالحة بين بيروت والضاحية، التي قدم منها المسلحون، وبين أحياء العاصمة اللبنانية الواحدة، وسكان البنايات المتجاورة. لذلك فإن هذا الأمر يحتاج إلى علاج حقيقي، ولا سيما أن الصورة اليوم لا تختلف عنها كثيراً. والتوقعات بـ7 أيار جديد لا تغيب عن ألسنة البعض. فالتهديد قائم، وسياسة رفع الإصبع، وتقديس السلاح، والاستكبار، لا تزال تهدد وحدة اللبنانيين.

كرّست أحداث السابع من أيار مسألة في الحياة السياسية اللبنانية غريبة عن الدستور، وعن واقع اللبنانيين وقانون حياتهم. فـ»حزب الله« سعى إلى فرض إرادته بقوة سلاحه، وتمثيله فئة مذهبية والنطق باسمها. وتأكد له بعد ذلك، أن الظروف التي نشأت بعد ذلك التاريخ، وتداعيات ذلك الحدث، رغم انها كرست «حزب الله» قوة اعتراض مسلحة على كل ما لا يعجبها في الساحة اللبنانية أو يتلاءم مع مصلحتها، لم تستطع أخذ لبنان نحو مؤتمر تأسيسي ونحو مثالثة مرفوضة. صحيح أن صدمة 7 أيار نتيجة الانتشار المسلح على الأرض كان لها وقع قوي على الناس، إلا أن «حزب الله« سعى إلى ترجمة ذلك في المؤسسات، ومن هنا كان الخطر الأكبر، وظهر ذلك لاحقاً في تركيبة حكومة الرئيس سعد الحريري، وفي ما بعد، في إسقاطها بطريقة تخرج عن المعقول والتصور، عبر استقالة ثلث أعضائها والوزير الملك بطريقة استعراضية، بينما كان يقابل أكبر رئيس دولة في العالم. وهذا ما شكل استفزازاً لفئات واسعة من اللبنانيين، ولا سيما داخل الطائفة السنية، التي كانت تعتبر أحداث 7 أيار بمثابة محاولة قتل جديدة للرئيس رفيق الحريري ولنهج العدالة والحرية والاستقلال.

إعتقد «حزب الله» أنه نجح في الاستيلاء على السلطة من خلال تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، وتعاونه مع رئيس جبهة «النضال الوطني« النائب وليد جنبلاط، إلا أن انفضاحه من خلال تورطه في الحرب السورية، ادى إلى تراجعه والقبول بتشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، عبر «التوافق»، بعد عشرة أشهر من التسويف والضغط. وفي كل هذه المحطات، كان «حزب الله» واضحاً في مخططاته، فهو يريد إيصال البلاد إلى الفراغ، ومن هنا يعطل النصاب في انتخابات رئاسة الجمهورية، ويرغب في تكريس المثالثة، في الحكومات كما في البرلمان، وفي حضور نصاب الثلثين لعقد جلسة ينتخب فيها الرئيس بدلاً من النصف زائدا واحدا. فـ»حزب الله« يريد تركيب أذن الجرة حسبما يريد، ويريد التوافق ساعة يشاء، وهو بذلك يضرب جوهر النظام الديموقراطي القائم في لبنان، الجوهر المعروف في كل ديموقراطيات العالم، الأغلبية تحكم والأقلية تعارض.

ويبدو أن «حزب الله» يسير على إيقاع الانتخابات العراقية، والرئيس الحالي نوري المالكي مثاله في ذلك. ويكفي أن نتذكر كيف أنه بعد الانتخابات النيابية في العام 2009 ، قال الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، من يربح يشكل حكومة، ثم تراجع عن هذا المبدأ، داعياً إلى التوافق.

فالمهزلة التي تحصل في الانتخابات العراقية، من خلال تحوير المالكي لقانون الانتخاب، بما يحفظ له البقاء في السلطة، لا يبتعد عنها «حزب الله» كثيراً في ممارساته بلبنان، ولا سيما في تبطين رغباته بالسيطرة على الدولة، والإتيان برئيس موظف عند الولي الفقيه الذي يتبعه، ومنفذ لأوامره وسياساته تحت عنوان «الوفاء للمقاومة»، وليس الوفاء للبنان واللبنانيين، وحمايتهم من نيران سلاح «المقاومة» المحتل في سوريا.

7 أيار 2008 مأساة لبنانية، أحدثت شرخاً خطيراً في النفوس وبين المناطق، من الصعب نسيانه أو تجاوزه، ولم ينته فصولاً بعد، فالمعركة مستمرة من أجل إنقاذ لبنان من براثن السلاح الميليشيوي، ومن الخيارات الانتحارية باللجوء إلى حرب أهلية جديدة، والأهم من ذلك كله حماية لبنان الدولة والكيان والمؤسسات من مشاريع التبعية لإيران أو غيرها وحماية دستوره من التشويه والتشبيح.

] قباني: جرح أسود

يقول عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد قباني لـ»المستقبل»، انه لا بد أن نكون واقعيين ونحن نقرأ أحداث السابع من أيار وفي تحليل ما نتج من ذلك اليوم في العام 2008، «فذلك نهار لم يكن مجرد يوم في السنة، أو تحرك قام به فريق. لقد شكّل نقطة تحوّل في التقاليد السياسية اللبنانية، حيث انه جرى للمرة الأولى، ومن دون وجود حرب سابقة وخطوط تماس بين الناس. قام فريق لبناني بالسيطرة عسكرياً على العاصمة بيروت. لم يحدث قتال، بمعنى القتال الحقيقي، لأنه لم يكن هناك فريق آخر يواجهه. لم يكن هناك سوى «حزب الله» في الساحة، الذي خرج في نهاية ذلك النهار بعد أن ترك جرحاً كبيراً في العاصمة وفي نفوس أهلها وأبنائها وساكنيها».

ورأى أن «ترددات السابع من أيار لم تزل موجودة، بالنسبة لأهل المدينة، فهو خطوة ديكتاتورية وعملية سيطرة بالقوة على إرادة البيروتيين، لذلك فهم يشعرون بالألم عندما يتذكرون هذا النهار، ويدركون الخطيئة التي ارتكبها «حزب الله» في ذلك اليوم».

ولا يوافق قباني على القول ان «الوقت خفف من جرح 7 أيار»، ويقول: «صحيح أن الوقت يخفف حجم الجراح في الأحداث الصغيرة، أما الأحداث الكبيرة، كالسابع من أيار، فالوقت لا يخفف إلا بنسبة ضئيلة، والجراح حتى تشفى منه تحتاج إلى وقت طويل، فتردداته لا تزال موجودة داخل كل بيت في العاصمة».

ويوضح «صحيح أيضاً أنه حصلت تفاهمات، وهو أمر لا بد من رؤيته، ولا سيما في تأليف الحكومة، وهذا شكّل نوعا من الانفراج في الأجواء الداخلية، لكن بالتأكيد، هذا لم يشكّل إنهاء ترددات 7 أيار».

وعن التبريرات التي قدمها «حزب الله» لجمهوره عند إقدامه على خطوة السابع من أيار، وما اذا كانت مقنعة للبيروتيين، شدد قباني على أن «أهل بيروت لم يقنعهم منطق «حزب الله» ومبرراته في حماية المقاومة أو ما شابه، كان هذا النهار بالنسبة لأهل العاصمة يوماً أسود، ولم يتغير هذا الشعور، وهو سيبقى لفترة طويلة في أذهانهم، في تاريخ العاصمة وتاريخ لبنان، فهم لم يقبلوا بأي تبريرات من هذا الحزب لهذه الخطيئة التي ارتكبها».

ويرفض قباني أي حديث بمنطق مذهبي، من مثل وصف ما عاشه أهل بيروت في 7 أيار بـ «كربلاء سنية»، مؤكداً «لا بد أن يكون لهذا الوصف شيء من الحقيقة وإن كنت لا أحبذ التفسيرات المذهبية للتاريخ السياسي، ولكن أعتقد أن كثيرين يعتقدون ذلك».

ويستبعد أن نكون أمام 7 أيار جديد، ويرى في التحذيرات من العودة إلى مناخات التوتر الأمني، انها «مجرد توقعات، فالأحداث الأمنية التي حصلت في 7 أيار برأيي لن تتكرر بذلك الشكل الذي كانت عليه، فلا شيء شبيهاً بـ7 أيار لا في السياسة ولا في الاقتصاد، وأعتقد أن هناك تخويفاً من 7 أيار سياسي واقتصادي، غير مبرر حالياً، وأراه مضخماً. فاللبنانيون تعلّموا من تجارب الماضي وهم لن ينخرطوا في محاولة بعضهم قهر البعض الآخر. فـ7 أيار كان محاولة لقهر بيروت، وقد رفضها أهل بيروت، ولكن جرحها بقي موجوداً وقائماً حتى اليوم».

]الحوت: من العسكري إلى السياسي

أما نائب بيروت عن «الجماعة الإسلامية» عماد الحوت، فيرى أن أحداث 7 أيار، من خلال النهج الذي قام به «حزب الله» بتعطيل المؤسسات ومحاولة إرباك الأوضاع في البلاد، لا يزال مستمراً، وهو ما نراه اليوم منعكساً في انتخابات رئاسة الجمهورية، حيث هناك منهج معتمد واضح للبيان. في 7 أيار كان التعطيل عبر التحرك العسكري، أما اليوم فالتعطيل سياسي من خلال عدم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب اللبناني لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن أعتقد أن الجميع اليوم منهك إلى درجة لا يستطيع فيه احد أن يتحمّل القيام بـ7 أيار جديد».

وإذ يستبعد أن «نكون باتجاه تصعيد أمني مماثل لما حصل في 7 أيار 2008»، يجد أن انعكاسات ذلك النهار كانت قاسية على أهل بيروت، ويقول: «إن المخرج الوحيد لعدم الخوف من 7 أيار ثانية ومنع الميليشيات الحزبية من التحكم بالشارع، هو أن يشعر المواطن اللبناني أنه أمام دولة قادرة على أن تحميه، وأنه أمام واقع أمني ممسوك من قِبَل الدولة وليس من قِبَل طرف حزبي».

ويعتبر «اليوم قبل أي وقت آخر، تحتاج العاصمة بيروت إلى خطة أمنية حقيقية، على غرار ما حصل في طرابلس. بمعنى نزع كل السلاح الظاهر، وأن تزال كل مظاهر التحصين والتحريض والسلاح من العاصمة، حتى يستطيع المواطن اللبناني الاطمئنان إلى أن دولته تقوم بواجبها في حمايته ويشعر بالأمان».

وعما إذا كنا اليوم أمام محاولة حقيقية لجعل بيروت خالية من السلاح، وضبط الأوضاع الأمنية داخلها وعلى حدودها، بطريقة لا تسمح للبعض بأن يعصى على الدولة لحظة يريد، أكد الحوت أن «الفرصة دائماً موجودة ولكن هي مشروطة بالنيات، بمعنى إذا كانت نيات الفرقاء السياسيين تسهيل مهمة الدولة في هذا الاتجاه، فتنفيذ خطة أمنية في بيروت سيكون سهلاً، لكن إذا كان بعض الفرقاء لا يزال لديهم هاجس محاولة وضع اليد على العاصمة، وتحقيق مكاسب سياسية من خلال التوتير الأمني، فهذا يصعّب الأمر على الدولة. لكن أنا من أنصار أن الأمن لا ينبغي أن يكون بالتراضي، وأنه ينبغي للدولة ومؤسساتها أن تحسم أمرها، حتى ولو كان بعض الفرقاء غير راض، فإذا لم نصل إلى لحظة يخرج فيها هؤلاء بقرار جدي عبر خطة أمنية، سنبقى تحت طائلة الابتزاز والمماطلة».

وعن سبل العودة إلى الوحدة الوطنية التي لم يحققها «إتفاق الدوحة» نتيجة خرقه والانقلاب عليه، وفي مناخات صراع مذهبي لا يمكن إغفاله في المنطقة، ينعكس في الداخل اللبناني أيضاً، تمنى الحوت «أن لا نشعر من جديد أننا بحاجة إلى مؤتمر خارجي على غرار «الدوحة» حتى ننهي مشكلاتنا الداخلية، وإلا فإن هذا يعني أن تاريخ لبنان المستقبلي سيبقى تحت الحاجة الدائمة إلى الخارج. أما المسألة الثانية، في الحقيقة، فإن الأسلوب الحقيقي للخروج من هذه الأزمة هو الحوار الجدي والعميق بين مختلف المكوّنات اللبنانية حول المرحلة التي نمر بها، وهذا في مصلحة لبنان، وبالتالي لا بد من توقف كل القوى السياسية عن الرهانات الخارجية والإقليمية والانتماء إلى محور من هنا وآخر من هناك».

وفي هذا المجال، تمنى الحوت على «حزب الله» تحديداً «استنكار التصريح الصادر عن أحد المسؤولين الإيرانيين بقوله ان خط الدفاع الأول عن إيران أصبح في جنوب لبنان، ورفض هكذا مقولات وتصريحات صادرة من خارج لبنان، وكذلك الأمر بالنسبة الى كل القوى الأخرى. فهذا التصريح مستجد، وإن لم نتوصل إلى لحظة حوار حقيقي بين اللبنانيين ولم نخرج من سياسة المحاور فعبثاً نحاول».