IMLebanon

المطلوب خطة إصلاحية شاملة للخروج من الأزمة المالية

 

بعد سلسلة من المواقف العشوائية والاستفزازية التي صدرت عن وزير الخارجية جبران باسيل والتي كان قد سبقه إليها وزير الاتصالات محمد شقير (قبل أن يصبح وزيراً) حول ضرورة تخفيض الرواتب في القطاع العام وعلى أن تشمل التخفيضات الاسلاك العسكرية والمتقاعدين، اجتمعت لجنة ممثلة لكل الأحزاب والتيارات السياسية المشاركة في الحكومة في منزل الرئيس سعد الحريري لدرس التخفيضات المطلوبة على مشروع موازنة لعام 2019 تجاوباً مع ما هو مطلوب من خفض للعجز في المالية العامة بموجب مقررات مؤتمر « سيدر »

كان وزير المال على حسن خليل ، قد بدأ بدق ناقوس الخطر الذي تواجهه مالية الدولة في الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة الراهنة حيث رأى بأن الأزمة الاقتصادية التي يواجهها لبنان قد تحولت، إلى أزمة مالية باتت تهدد الاستقرار النقدي ، مع كل ما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج اقتصادية واجتماعية تطاول الجميع . كرَر الوزير خليل تحذيراته بعد تشكيل الحكومة ووعد بوضع مشروع موازنة تقشفية لعام 2019 تحد من الهدر المستمر وتخفض نسبة العجز الحاصل.

ترافقت هذه التحذيرات مع تقارير وقرارات بتخفيض مستوى الثقة الائتمانية للبنان صدرت عن مؤسسات تصنيف دولية رأت أن الاستقرار في لبنان ونقص السيولة الحاصل باتا يهددان بدخول لبنان في أزمة مالية تصعب السيطرة عليها ، في ظل المخاطر الداخلية والضغوط الناتجة عن الجيوبيولتيك الإقليمي.

يبدو بأن الحكومة وبطريقة ارتجالية ومجتزأة قد صممت التجاوب مع مقررات مؤتمر « سيدر » بضرورة تخفيض العجز المتنامي في ماليه الدولة من خلال خفض الإنفاق في مشروع الموازنة ، للسنة الجارية مثلها مثل الذي يضع العربة أمام الحصان وليس العكس.

فالموازنة ليست مجموعة أبواب وجداول تتوازن فيها ارقام الواردات مع النفقات بل هي وثيقة سياسية بامتياز تضع الحكومة من خلالها سياساتها الضريبية والاقتصادية والاجتماعية للعام المقبل ، وهذا ما دفع بعض الدول الى تقديم موازنات لفترة خمس سنوات.

من هنا فإن المقاربة المعتمدة من قبل الحكومة لتنفيذ ما التزمت به من تخفيض للعجز هي عشوائية ومجتزأة ولا تخدم الأهداف المطلوبة.

من هنا يمكن القول بأن الدولة تتعاطى مع المطلوب تحقيقه من خلال برنامج إصلاحي واسع بعقلية المحاسب أو الصندقجي ، وذلك ضمن سياسة توازن الأرقام بين الواردات والنفقات.

تؤشر هذه المقاربة المعتمدة الى جهل أو تجاهل أركان الحكم بأنه لم يعد من الممكن التصدي للأزمة الاقتصادية والمالية المرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً من خلال سياسة  الترقيع والتذاكي على الأصدقاء الذين هبوا تكرارا لمساعدة لبنان على النهوض بدءاً من مؤتمر باريس 1 وباريس 2 ووصولاً الى سيدر 1.

لا بد ان تدرك الحكومة ضرورة ولوج العملية الإصلاحية من بابها الواسع بعد تأجيلها لسنوات طويلة حيث كان من المفترض أن تبدأ على أساس الالتزامات التي قدمها لبنان في مؤتمر سيدر 1 وبالتالي الكف عن تحميلها الفشل الحاصل للموظفين وللشرائح الفقيرة التي تستفيد من التقديمات الاجتماعية.

تبدأ العملية الإصلاحية بوضع سياسة اقتصادية تؤمن كل الظروف والوسائل اللازمة لنمو حجم الاقتصاد الوطني مع كل ما يستلزم ذلك من إشاعة أجواء الثقة السياسية والأمنية والمالية لتشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية

ويستوجب ذلك تنفيذ «خطة ماكينزي الاقتصادية» مع استعادة الدولة لكامل سيادتها بما في ذلك قرار السلم والحرب والذي يستوجب حل مشكلة ثنائية السلاح من خلال وضع سياسة دفاعية وطنية.

ان الدولة هي بحاجة ماسة لوضع سياسة ضريبية جديدة تهدف الى تحسين وارداتها لجهة وضع إصلاحات ضريبية تؤمن العدالة بين المكلفين وتفعل وتضبط جميع الموارد والمؤسسات الإنتاجية وتحصل الحقوق العامة المهدورة وتحد من الهدر والسرقة والفساد داخلها.

كما تقتضي الخطة الإصلاحية وضع سياسة مالية تتشارك فيها الدولة مع مصرف لبنان والقطاع المصرفي تؤدي الى خفض كلفة الدين العام وذلك من خلال خفض نسبة الفوائد على سندات الخزينة بنسبة 2 في المائة .

لا بد ان تترافق هذه السياسات الثلاث مع إعادة هيكلة للدولة بكل وزاراتها وإداراتها وبما تستوجب عملية تأليل جميع الإدارات ومع كل ما يستوجب ذلك من الغاء بعض الوزارات والإدارات والصناديق وبالتالي تصغير حجم الدولة

يمكن ان تترافق هذه العملية مع إعادة احياء قانون خدمة العلم والتي يمكن ان تخفض من أعباء الرواتب والتقديمات وتعويضات نهاية الخدمة في المؤسسات العسكرية.

يبقى المطلوب وبإلحاح انتقال لبنان من حالة الشك التي تتسبب بها الأزمات السياسية المستولدة واستشراء الفساد الشامل والكلي وبالتالي استعادة الثقة بالبلد من قبل الشعب ومن قبل أصدقاء لبنان على حد سواء.

هناك خطوات مؤقتة قد تتطلب ترشيد الإنفاق في الموازنة الراهنة مع كل ما يستلزم ذلك من شد الأحزمة في كل القطاعات وأبواب الموازنة، مع التشديد على أن يكون خيار خفض الرواتب والأجور اخر هذه الخيارات وذلك تفادياً للأضرار الاجتماعية وانعكاسات ذلك سلباً على كل القطاعات التجارية والصناعية بالإضافة الى ارتداداته على الاستقرار العام.

في النهاية لا يمكن الوفاء بتعهدات لبنان الإصلاحية من خلال اللعب على ارقام الموازنة أو من خلال الاعتداء على لقمة عيش الموظفين، بل المطلوب وضع الحصان امام العربة من خلال اعتماد سياسة إصلاحية واقتصادية وضريبة ومالية.

العميد الركن نزار عبدالقادر