IMLebanon

بين الفرنسية والفارسية أية لغة يُفضّل اللبناني؟

 

 

“تعلّم لغّة أجنبية هيدا العربي ما بيفيد”

 

 

هاي كيفيك ça va؟ كليشه متداولة تختصر قدرة اللبناني على تعدد اللغات. نعمة كان محيطنا العربي يحسدنا عليها لكنه بات ينافسنا فيها لا سيما بالنسبة للغة الإنكليزية. واللبناني الذي كان يتقن لغاتٍ ثلاثاً كلغته الأم قبل أن يتم عقده الأول صار اليوم مشتت الانتماءات اللغوية، فبين الفرنكوفونية المتهاوية ولغة العم سام المهيمنة والعربية المتأرجحة بين لهجاتها المحكية والمكتوبة، وبين لغات التجارة المستحدثة والانتماء السياسي المستجد يجاهد ليجد ليبقى على تواصل لغوي مع المحيط.

 

تغيرت علاقة اللبناني باللغات وبين البرستيج والضرورة اختار الأخيرة. فالسوق هي اليوم صاحبة القرار في ما يحتاجه اللبناني من لغات، سوق العمل، متطلبات الدراسة وسوق الانتماء الديني والعقائدي. زمن الترغلة بالفرنسية تغيّر وتحول تغريداً بكل اللغات. لغات لا يزال اللبناني مصراً على اتقانها. زياد الرحباني أدرج الحاجة إلى تعلّم اللغة الأجنبية في مسرحية «بالنسبة لبكرا شو» فغنّى جوزف صقر فيها»…تعلّم لغة أجنبية / هيدا العربي ما بيفيد/دوّر لندن من عشيّة / ماري بتهجي وبتعيد…

 

البروفسور جوزيف ميشال شريم الاختصاصي اللغوي والألسني الذي يعيش في فيينا يرى أن علاقة اللبناني باللغات تعود الى زمن الانتداب حيث شاع استخدام اللغة الفرنسية ثم أتى النظام المدرسي اللبناني ليدخل في عقول اللبنانيين أن اللغة الفرنسية (أو الإنكليزية في بعض المدارس) هي جوازهم الى الخارج وأعطاها أهمية أكثر من لغتهم الأساسية. «بتنا ندرس العلوم بلغة أجنبية ولا نكتفي بتقديم البكالوريا اللبنانية بل نصر على تقديم النسخة الفرنسية منها أيضاً وكأنه كتب لنا منذ الأزل أن يكون كل شيء عندنا مزدوجاً. والى وجوب دراسة لغة أجنبية تضاف إشكالية أخرى في نظامنا التربوي هي التباعد بين اللغة العامية التي نستعملها للتواصل في حياتنا اليومية واللغة العربية الفصحى التي نتعلمها قراءة وكتابة في المدرسة كأنها لغة ثانية غير لغتنا الأم مع كونها قريبة منها. فتأتي الفرنسية كلغة ثالثة نتعلمها والإنكليزية لغة رابعة. واستمرت الفرنسية في حضورها المكثف حتى بروز الإنكليزية كلغة عالمية فاتجهنا صوبها لضرورات عملية كونها باتت لغة التواصل العالمي».

 

اللغات حاجة للتجارة

 

في أوروبا لغة البلد هي اللغة الأساس في التعليم والتواصل وتأتي قبل اية لغة أخرى. هناك انتماء المواطنين الى بلدهم يكون عبر اللغة أولاً وتدفعهم كبرياؤهم الى عدم السعي لتعلم لغة أخرى لا بل يفرضون على من يود التواصل معهم تعلم لغتهم.

 

«في لبنان ليس لدينا هذا الانتماء اللغوي، فكلنا نتطلع نحو الخارج بالمعنى الإيجابي للكلمة وهو تطلع تاريخي يعود أقله الى مئتي عام مضت حيث نمت لدينا منذ الحكم العثماني الرغبة والحاجة في التوجه الى الخارج؛ والهجرة تحتاج الى تعلم لغة ثانية وإلا يبقى المهاجر محدوداً في سعيه. وقد أثبت اللبناني أن لديه القدرة الفكرية والاستيعابية لتعلم اللغات ولديه الإرادة لذلك لأنه مدفوع إليها بفعل الحاجة والضرورة. فاليوم مثلاً نرى لبنانيين يتوجهون الى دراسة اللغة التركية لأنهم مضطرون للتواصل مع الأتراك لأسباب تجارية في حين كانت لغة مرفوضة خلال الحكم العثماني، كما نراهم يقبلون على دراسة اللغة الصينية الصعبة لضرورة التواصل التجاري مع الصين».

 

نسأل الاختصاصي اللغوي كم لغة يمكن للإنسان أن يتقن فيقول إنه يصعب على العقل أن يستوعب أكثر من أربع أو خمس لغات، ويكون متمكناً كلياً من لغة واحدة فيما اللغات الأخرى يتقنها بدرجات متفاوتة. عموماً عند تعلم لغة جديدة فإن الشخص يتعلم أساسياتها ليتمكن من التواصل مع الآخرين وبما يعادل 2000 كلمة تشكل مجموعة من المصطلحات والجمل ليصبح قادراً على ذلك.

 

أربع أو خمس لغات

 

شغف اللبناني بتعلم اللغات تجلى عبر تعدد المراكز اللغوية والثقافية: معهد غوته، المركز الثقافي الروسي، المركز الثقافي الفرنسي، معهد سرفنتس، المعهد الثقافي الإيطالي،American Lebanese Language Center والـ British Language Center وما يشابههما من معاهد تعليم اللغة الإنكليزية. وإليها انضمّ في العقدين الماضيين المركز الثقافي التركي Yunus Emre ومعهد كونفوشيوس لتعلم اللغة الصينية وكذلك مركز آموزشى فردوسى في النبطية والضاحية الجنوبية لتعلم اللغة الفارسية التي باتت مرغوبة في بعض الأوساط للأسباب المعروفة. والى المعاهد تضاف البرامج الجامعية الكثيرة التي تعلم اللغات في كلياتها وكذلك الدورات التي تطلقها بعض السفارات لتعليم لغة بلادها مثل السفارة الأميركية أو المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان التي افتتحت قسماً خاصاً بتعليم اللغة الفارسية. هذا إضافة الى الدورات التعليمية التي تطلقها من وقت الى آخر بعض وحدات قوات اليونيفيل في الجنوب لتعليم لغة بلدها لمن يرغب وأبرزها الوحدة الإيطالية التي دأبت منذ سنوات على إعداد دورات تعليم اللغة الإيطالية في الجنوب.

 

واليوم مع ازدهار التعلم عن بعد ونمو التطبيقات الإلكترونية التي تسهل تعلم اللغة مثل Duo Linguo ازداد عدد اللبنانيين الراغبين بتعلم لغة جديدة.

 

نحو الإسبانية

 

الفرنسية، الإنكليزية، الإسبانية، الإيطالية، الروسية والألمانية، هي اللغات التي دأب اللبناني على تعلمها من اجل الدراسة الجامعية أولاً ولدواع مهنية ثانياً. وتبقى الإيطالية اللغة المفضلة عند الشابات يدرسنها كهواية علها تقرب المسافات بينهن وبين وسامة الطليان وأناقتهم. في العقدين الأخيرين بدأت تظهر دراسة لغات لم تكن مألوفة بالنسبة للبنانيين ولا يرون فيها حاجة او بريستيجاً وهي اللغات التركية، الصينية والفارسية.

 

من معهد سيرفنتس تقول مدرسة اللغة الإسبانية السيدة ريتا ضاهر إن الإقبال على تعلم اللغة الإسبانية عاد الى سابق عهده بعد أن كان قد تراجع بعض الشيء مع بداية الأزمة الاقتصادية في العام 2019 وبعدها في جائحة كورونا. دروس الإسبانية تمتد من دروس للمبتدئين حتى الحصول على شهادة Dele التي تعتبر المستوى الأعلى للغة. أسباب إقبال اللبنانيين على تعلم الإسبانية متعددة بعضها يعود الى إتمام الدراسة الجامعية في إسبانيا أو أميركا اللاتينية وبعضها تتطلبه وظيفة الشخص أو عمله. كذلك يميل طلاب البكالوريا الفرنسية الى اختيار الإسبانية كلغة ثالثة للامتحان الرسمي، وثمة لبنانيون لديهم عائلات في أميركا الجنوبية لا يتقنون اللغة العربية فتكون الإسبانية وسيلتهم للتواصل مع عائلاتهم. أما الفئات فمتنوعة من التلامذة وطلاب الجامعات وصولاً الى الموظفين وربات البيوت. إتقان الفرنسية يسهّل على الدارس تعلم الإسبانية أكثر من معرفة اللغة الإنكليزية إنما اتقانها يحتاج الى وقت وجهد ومثابرة وبشكل عام تقول ضاهر: اللبناني موهوب في اللغات لا سيما إذا كان يحب اللغة التي يتعلمها. الأسعار باتت اليوم أقل من قبل وذلك للتأقلم مع الصعوبات المادية التي يمر بها البلد ولكن مع وجود دروس الأونلاين صار كل شيء أسهل.

 

من جهتها تعتبر الدكتورة نسرين لطوف رئيسة معهد كونفوشيوس في حديث سابق لها لقناة CGTN Arabic الصينية أن المعهد ساهم في تعزيز التعاون بين لبنان والصين وساعد على التواصل لا سيما أن العلاقات التجارية باتت واسعة بين البلدين. ومن الجهة الصينية تقول السيدة زانغ لينغ مديرة المعهد إن مبادرة «حزام واحد وطريق واحد « عملت على تفعيل هذا التواصل من خلال تعليم اللغة الصينية لمئات وآلاف اللبنانيين منذ افتتاح المعهد في العام 2006. كذلك افتتحت الجامعة اللبنانية في مركز اللغات والترجمة في كلية العلوم الإنسانية قسماً خاصاً لتعلم اللغة الصينية بعد ازدياد الطلب عليها من قبل الطلاب ورجال الأعمال والمؤسسات.

 

شو عم بحكي تركي؟

 

عبارة كان يرددها الأهل حين يعجز الأولاد عن فهم ما يطلبونه. فاتنة أرادت تحدي نفسها وأهلها وتعلم لغة غير متداولة من حولها هي التي تتقن الى جانب العربية، الفرنسية والإنكليزية والبرتغالية، وجدت في اللغة التركية تحدياً لا يخلو من الصعوبة. مع استاذ خاص بدأت دراسة اللغة لكن الصعوبة كانت في اللفظ الذي يكثر فيه حرف الـ U أكثر من الكلمات ذاتها التي تذكرت عدداً منها كان يرددها جدها في الماضي مثل يوك وآمان وسيس كما تعرفت الى بعض الكلمات التي اعتادت سماعها في المسلسات التركية غير المدبلجة. لكنها اكتفت بالوصول الى المستوى المتوسط بعد أن صارت قادرة على» تخليص نفسها» بالتركي، الأمر الذي عجزنا عنه بعد أن حاولنا التواصل مع مركز yunus emre عدة مرات ولم نفلح بالحصول على أجوبة لأسئلتنا.

 

مع 15 لغة… باتريك خوري ظاهرة لغوية

 

 

 

ان يتكلم اللبناني ثلاث لغات بطلاقة فهذا أمر طبيعي يكتسبه منذ الصغر، لكن أن يصل به الأمر الى التحدث بـ 15 لغة فهنا يتحول الأمر الى ظاهرة حقيقية يجسدها باتريك خوري ويفخر بها.

 

بحكم كونه لبنانياً وجد باتريك نفسه يتكلم العربية والفرنسية والإنكليزية بشكل عفوي، اما الإسبانية فقد كان له الحظ بتعلّمها كون جدته عاشت لفترة طويلة في كولومبيا واتقنت اللغة. في عمر المراهقة بدأ باتريك الذي يتميز بحشرية المعرفة يتساءل كلما زار بلداً برفقة أهله عن اللغة التي يتحدثون بها ويود لو يعرف ماذا يحكى من حوله، هذه الرغبة بالمعرفة وتحدي النفس أيقظا لديه شغفاً سوف يرافقه على مدى السنين القادمة.

 

بداية بدأ بدراسة اللغة الألمانية التي كان الاعتقاد الشائع من حوله أنها من اصعب اللغات، أراد تحدي نفسه وبستة اشهر كان قادراً على فهم ما يقال وخلال سنة ونصف بات قادراً على التحدث بالألمانية بطلاقة واتقانها قراءة وكتابة. بعدها درس اللغة الطليانية إثر زيارة صديق له من إيطاليا ولم تستغرق معه وقتاً طويلاً لينتقل من ثم الى دراسة اللغتين البرتغالية واليونانية. بعدها درس اللغات الهولندية والصربية والسويدية والنرويجية و الرومانية وبات قادراً على كتابتها وقراءتها. وبعد رحلة له الى آسيا الوسطى حيث الكل يتحدث اللغة الروسية كان تحدي باتريك ان يتعلم اللغة ويتقنها للتحدث مع هذه الشعوب التي لا تتحدث الإنكليزية أبداً. كما انه في صدد تعلم اللغة الصينية وينوي تعلم اليابانية ومن ثم اللغة التركية. وباتريك اليوم عضو في جمعية Hyperpolyglot intrnational association وهي المنظمة العالمية للاشخاص المتعددي اللغات الذين يتحدثون سبع لغات وما فوق وتضم 200 شخص من كل أنحاء العالم باتريك هو اللبناني الوحيد المنتسب إليها. وهو اليوم الى جانب عمله كدكتور في العلاج الفيزيائي يعطي دروسا بالألمانية والفرنسية والإيطالية لطلاب من العالم أجمع اونلاين.