IMLebanon

طاولة حوار وطني قبل فوات الأوان

 

اتُثبت الطبقة السياسية، مرّة جديدة، عدم كفاءتها وجدارتها في قيادة البلاد، ومنع تدهور الأوضاع الاقتصادية والمالية نحو الهاوية. ولا نغالي إذا قلنا بأن حكومة اللون الواحد فشلت، على غرار ما فشلت فيه حكومة الوحدة الوطنية قبلها في التصدّي لمجموعة الأزمات التي يواجهها لبنان على كل الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية.

 

لم تستطع حكومة حسان دياب المدعومة من حزب الله تحقيق أي من الإصلاحات التي وعدت بها، سواء لجهة حل مشكلة الكهرباء أو ضبط مزاريب الهدر، أو وضع حدّ للفساد المستشري في جسم الدولة على المستويين السياسي والإداري، أو إجراء أية إصلاحات على مستوى الإدارة، أو تحقيق استقلالية القضاء وتفعيله. ولا بدّ أيضاً من التوقف عند فشل كل الجهود التي بذلت لتحقيق نقلة نوعية في الأداء الأمني، خصوصاً في موضوعي ضبط التهريب عبر المعابر الحدودية غير الشرعية، وتأمين التحركات الشعبية في الشارع من أجل الحفاظ على سلمية الانتفاضة، وبالتالي الحفاظ على سلامة الممتلكات الخاصة والعامة.

 

في الإطار الأمني، لا يُمكن أن نقبل أو نقرّ بعجز الجيش والأجهزة الأمنية عن ضبط المعابر غير القانونية تحت أعذار عدم توافر العديد اللازم أو لنقص في التجهيزات اللازمة لمراقبة الحدود بفعالية، أو لعدم إدراك القيادتين السياسية والعسكرية لحجم الأضرار الكبيرة التي تلحقها عمليات التهريب للمحروقات والطحين إلى سوريا، في ظل الخسائر المترتبة من أسعارها المدعومة، في وقت يُعاني فيه لبنان من تناقص كبير في موجودات الدولار. لا يتطلب الأمر عناء البحث عن الأسباب التي تحول دون إقفال جميع المعابر، ووقف عمليات التهريب المتواصلة ليل – نهار باتجاه الداخل السوري. تؤشر أرقام الاستيراد من مادة الطحين والمازوت إلى أن سوريا باتت تموّن من المخازن اللبنانية في تحدٍ سافر لنظام العقوبات الأميركي والدولي المفروض على سوريا.

 

ويبدو أن الجيش قد نجح في سد منافذ التهريب باستثناء تلك التي يسيطر عليها حزب الله، والتي يعتبر انه لا يمكنه الاستغناء عنها لأسباب استراتيجية وعسكرية، وبتعبير آخر لتأمين تحركاته العسكرية واللوجستية من لبنان إلى الداخل السوري. وهنا لا بدّ من التساؤل عن جدوى إقفال جميع المعابر غير الشرعية من قبل الجيش إذا بقيت ممرات سرغايا وحوش السيّد علي والقصر تحت سيطرة حزب الله، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع مدى حرص حزب الله على تسهيل عبور مختلف أنواع السلع الأساسية إلى سوريا، ضمن  سياسة مساعدة نظام بشار الأسد على تجاوز مفاعيل العقوبات الدولية المفروضة عليه، وفي الوقت الذي أقفلت فيه بشكل كامل جميع الممرات الحدودية مع الدول الأخرى المجاورة لسوريا.

 

يدخل اليوم قانون «قيصر» الأميركي حيز التنفيذ، وستكون العين الأميركية مفتوحة على ما يجري عبر الحدود من عمليات تهريب مخالفة لإجراءات القانون، ومن الطبيعي أن تحمّل الإدارة الأميركية الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني مسؤولية هذه الخروقات الجارية لنظام العقوبات المفروض. لا يُمكن للبنان إيجاد الأعذار المُحلّة للتجاوزات الحاصلة، وذلك في ظل الإصرار الأميركي على ترويض نظام بشار الأسد، ودفعه إلى تغيير سلوكه سواء لجهة تسهيل عملية اعداد دستور جديد لسوريا تسهيلاً للوصول إلى حل سياسي، أو لجهة إجباره على التخلي عن سياسة الاضطهاد والظلم التي يتبعها ضد شعبه، ضارباً عرض الحائط بجميع الأسس والقوانين الإنسانية والاخلاقية.

 

لا يمكنني الاجتهاد كثيراً في البحث عن الإجراءات والتدابير الزاجرة التي يُمكن أن تعتمدها الولايات المتحدة لوقف عمليات التهريب عبر الممرات التي يسيطر عليها حزب الله، وان ما يمنعني عن ذلك هو حرصي على تجنّب اتهامي بالتحريض ضد حزب الله أو ضد الدولة اللبنانية، ولكن لا يُمكن أن يمنعني هذا الحرص عن التذكير والتحذير من عواقب تداعيات مثل هذه الخروقات للقانون الأميركي المدعوم جمهورياً وديمقراطياً، وفي وقت تشتد فيه منافسات الحزبين في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني المقبل.

 

تفيد التقارير الإعلامية، كما يتحدث خبراء السياسة الأميركية من واشنطن عبر القنوات الفضائية، بأن الادارة الاميركية ستكون جادة في إصدار لوائح بأشخاص وكيانات لبنانية، واخضاعها لعقوبات صارمة بسبب تعاملها مع النظام السوري وخرق العقوبات وفق قانون «قيصر». وتستطرد هذه المعلومات إلى تسمية بعض السياسيين والوزراء السابقين أو الحاليين، كما يجري الحديث عن اعداد تشريع جديد يحرم الجيش اللبناني من أية مساعدات أميركية. وسيشكل مثل هكذا إجراء ضربة قاسية للجيش ولقدراته، وذلك بسبب شحّ التمويل اللازم في الموازنة أو بسبب انقطاع الدعم اللوجستي اللازم لمعدات واسلحة الجيش والتي هي أميركية المصدر والصنع بشكل شبه كامل.

 

وفي سياق التذكير والتحذير، وبعد التأكد الأميركي عن أن عمليات التهريب إلى سوريا مستمرة برعاية وتشجيع حزب الله، وعبر المعابر التي يسيطر عليها خارج أي تفويض أو قدرة للجيش اللبناني على اقفالها، فان الإدارة الأميركية ستسعى بصورة مباشرة أو غير مباشرة لاقفالها سواء من خلال الضغط على الحكومة اللبنانية بشتى الوسائل المتاحة، أو عبر عمليات عسكرية، تقوم بها إسرائيل، دون تبنيها، وذلك من ضمن العمليات الاسرائيلية في سوريا والهادفة إلى إضعاف إيران وحزب الله.

 

في رأينا سيواجه لبنان في ظل تطبيق قانون «قيصر» استحقاقات وضغوطاً لم يسبق له أن واجه مثلها منذ بداية الازمة في سوريا عام 2012 وحتى اليوم، ولن ينجح هذه المرة في التحايل لكسب الوقت على غرار ما فعله في الحنث بوعده بالتزام سياسة «النأي بالنفس». من هنا تبرز أهمية إدراك كل من رئيس الجمهورية والحكومة التحوّط للأمر، وذلك من خلال فتح حوار مباشر مع حزب الله لتسهيل عمليات ضبط الحدود من قبل الجيش، وبالتالي لا بدّ من وضع قيادة الحزب امام مسؤولياتها الوطنية، وضرورة حماية العهد والحكومة من السقوط تحت تأثير الضغوط الاميركية والداخلية والتي هي مرشحة للارتفاع. وتدعو الحكمة أن يُبادر الرئيس عون للدعوة لطاولة حوار وطني للبحث في بند واحد «تحييد لبنان واستعادة القرار السيادي».