IMLebanon

حركة نيابية بلا بركة تحكمها المصالح المتناقضة

 

مع تجدد البحث في إمكان إنجاز الاستحقاق الرئاسي في ضوء التطورات الاقليمية المتلاحقة واحتمال صيرورة المنطقة الى تسويات يفترض ان يكون لبنان مستعداً لها حتى لا تأتي على حسابه، وفي ضوء ما يُنتَظر من حراك لرئيس مجلس النواب نبيه بري كان قد لمحَ إليه نهاية السنة المنصرمة، بدأت الساحة النيابية تشهد بعض التحركات من قبيل الاستعداد لملاقاة اي طارىء والتعامل معه بالموقف او الخيار المناسب حتى لا يؤخذ أصحابها على حين غرة…

وفي هذا الاطار برزت حركة نيابية اتخذت طابعاً تشاورياً مبدئياً، وجاءت أشبه بمحاولة سَبر اغوار او جَس النبض واكتشاف حقيقة النيّات في اتجاه تكوين تكتل نيابي ذات طابع مستقل، مع انه ليس هناك من احد مستقل نيابيا او سياسيا في بلد متعدد المشارب والكتل والانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية التي لا يمكن ايّ كان ان يتحرّر منها حتى ولو لبس مئة لبوس من الوطنية والاستقلالية. فتاريخ الحياة السياسية اللبنانية حافل بتجارب من هذا النوع بدأت «مستقلة» وانتهت منغمسة في الانحياز حزبياً او طائفياً او مذهبياً ليتبيّن انّ اصحابها توسّلوها لتحقيق مصلحة ضيقة آنية سياسية او انتخابية او شخصية وخاصة.

في هذه الآونة يسجّل في هذا السياق حراك تقوم به كتلة «الاعتدال الوطني» بالتعاون والتنسيق مع عدد من النواب الذين يصنّفون أنفسهم «مستقلين» عن الكتل السياسية والنيابية وتأثيراتها في اللعبة داخل المجلس النيابي وفي مدار الاستحقاق الرئاسي وخارجه.

 

وقد انطلق هذا الحراك بلقاء أوّلي انعَقد اخيراً في منزل نائب بيروت نبيل بدر، وشارك فيه 10 نواب اعتبروا أنفسهم ممثّلين لستة عشر نائباً عبّروا عن استعدادهم للتعاون ضمن تكتل واحد لتحريك مياه الاستحقاق الرئاسي الراكدة لعل الامر يساعد على إنجازه ووضع حدّ للفراغ في سدة رئاسة الجمهورية تمهيداً لإقامة السلطة الجديدة التي كان ينبغي ان تنشأ دستورياً إثر الانتخابات النيابية التي أنتجت المجلس النيابي الحالي مطلع صيف 2022. والذين شاركوا في هذا اللقاء كانوا نواباً يمثّلون كتل «الاعتدال الوطني» ونواب صيدا (عبد الرحمن البزري، اسامة سعد، شربل مسعد) و«لبنان الجديد» و3 من النواب الذين يسمّون أنفسهم «تغييريين» وهم: حليمة قعقور وسينتيا زرازير والياس جرادة.

 

وبحسب احد النواب الذين شاركوا في هذا اللقاء الذي اتخذ طابعاً تشاورياً، فإن المجتمعين يطمحون الى تكوين تكتل نيابي يجمع نواباً مستقلين عن كل الكتل النيابية الحالية، ليكون له تأثيره في مجرى الاستحقاق الرئاسي على مستوى انتخاب الرئيس الجديد، فضلاً عن تأثيره في اللعبة النيابية على مستوى العمل التشريعي والورشة الاصلاحية، المَطلوب داخليا ودوليا من الحكومة ومجلس النواب الاضطلاع بها.

 

غير انّ مصادر نيابية متابعة قالت ان هذه الحركة النيابية لا تختلف عن سابقاتها التي أُريد منها تحقيق مصالح آنية سياسية او خاصة لأصحابها، فمنذ بداية الاستحقاق الرئاسي والى اليوم جَرت محاولات كثيرة لإنشاء كتل وتجمعات نيابية سرعان ما تفرّق شملها نتيجة التضارب بين المصالح السياسية والخاصة لأصحابها، خصوصاً انه قد تولّد لدى الرأي العام اللبناني اقتناع في انّ الهدف المادي بات يَكمن خلف اي محاولة لتأليف اي تكتل او تجمّع نيابي من خارج الكتل التقليدية القائمة والمعروفة، وان كان بعضها يعرف من اين تؤكل الكتف! وقد ازداد هذا الاقتناع مع ما تردّد من معلومات العام الماضي والآن عن رشاوى تلقّاها او سيتلقّاها البعض لقاء التصويت لهذا المرشح او ذاك، وذهب البعض الى الحديث عن «شنط» محضّرة للاستخدام في «اليوم الرئاسي الموعود».

 

طبعاً، تنفي اوساط نيابية وسياسية هذا الامر، لكنها لا تستطيع ان تنكر ان الاستحقاقات النيابية والرئاسية، وحتى الحكومية، منذ الاستقلال والى اليوم، لا تمر عادة من دون بعض الرشى خصوصاً اذا كان في الامر «زَنقة» يواجهها بعض المرشحين الطامحين للفوز بمنصب حساس في السلطة.

 

وفي استعراض للحراك النيابي منذ انطلاق الاستحقاق الرئاسي الذي لم ينته فصولاً بعد، يظهر انّ معظم الكتل التي تشكلت لم تجتمع على توجّه واحد او على الاقل على مساحة مشتركة، بدليل انّ الجميع فشلوا في إنجاز الاستحقاق الرئاسي نتيجة عدم تلاقيهم على مرشح توافقي، او على مرشحين او اكثر يخوضون المعركة الانتخابية الرئاسية ديموقراطياً. بل انّ بعض هذه الكتل يضع نفسه في موقع انتظار تَلقّي «كلمة السر» التي غالباً ما تأتي من الخارج، للتصويت لمصلحة هذا المرشح او ذاك، او لاتخاذ هذا الموقف من هذه القضية او تلك المطروحة على جدول اعمال المجلس النيابي.

 

ولذلك تستبعد المصادر النيابية ان يكتب للقاء النيابي «المستقل» المنوي إطلاقه النجاح لأنّ الذين يريدون الانضمام اليه تحكمهم المصالح المتناقضة التي لا تمكنهم من التلاقي على انتخاب مرشح للرئاسة بعينه، خصوصاً انّ ما يحكم كل هؤلاء هو تفكيرهم في مستقبلهم السياسي في ظل عهد الرئيس الجديد، ولذلك سيحرص كل منهم ان يكون من مؤيّديه حتى يحظى بمكاسب سياسية تتمثّل بمقعد وزاري او حظوة تمكّنه من الفوز مجدداً في الانتخابات النيابية التي ستجري في عهد الرئيس العتيد. ولذا، فإنّ التردد في الموقف سيحكم هؤلاء قبل الاقدام على الاصطفاف في تكتل نيابي يمكن ان يخطئ الخيار الرئاسي ويعرّض مصالحهم السياسية الراهنة والمستقبلية للخطر.

 

وفي تَمعّن المصادر النيابية في واقع تكتل «الاعتدال الوطني» يتبيّن لها ان هذا التكتل لم يَرس بعد على خيار محدّد منذ انطلاقته، فهو يجول على قيادات وكتل من هنا وهناك ولكن الانطباع السائد في الاوساط السياسية عنه انه تكتّل ما زال لا يملك القرار وإنما ينتظره، والامر نفسه ينطبق على «لبنان الجديد» الذي لم يتخذ اي خيار في كل الجلسات الانتخابية الرئاسية لينكشف انه هو الآخر يعيش حال الانتظار ليميل في اللحظة المناسبة الى الخيار الذي سترجّح كفته في ربع الساعة الاخير من الاستحقاق الرئاسي، والامر نفسه ينطبق ايضا على كتلة نواب صيدا التي لا تستطيع الخروج من موروث علاقاتها التقليدية مع عدد من القوى السياسية التي تتشارك وإيّاها الخيارات الاستراتيجية الواحدة، وهذا الموروث لا بد من ان يؤثر على خيارها الرئاسي بحيث انها لن تكون في النهاية الّا مع الخيارات الاستراتيجية التقليدية.

 

امّا النواب الذين يسمّون أنفسهم «تغييريون» فإنهم، في رأي المصادر النيابية، لم ينجحوا بعد في ان يجتمعوا تحت لواء كتلة واحدة، وفي لحظة من اللحظات يظهرون وكأنهم موزعو الولاءات السياسية والعلاقات بين الكتل النيابية الاخرى، بل ان الانطباع السائد لدى الرأي العام عنهم انهم لم يحققوا بعد من انتظره مؤيدوهم منهم، لجهة تحقيق «التغيير» الذي رفعوا لواءه ووجدوا فيه الخيار الذي ينقذ البلاد ويحررها من الطبقة السياسية القابضة على شؤون البلاد والعباد منذ عشرات السنين. واكثر من ذلك تولّد انطباع لدى كثيرين انّ هؤلاء التغييريين او بعضهم إنما يخضعون لتأثير سفارات وجهات خارجية وداخلية تمنعهم من ان يمتلكوا القرار والخيار المستقل سواء على مستوى الاستحقاق الرئاسي او غيره.

 

وفي كل الحالات ينظر البعض الى هؤلاء التغييريين على انهم طالما لم يتوحدوا سابقاً في كتلة واحدة وثابتة فإنهم لن يتمكنوا من التوحّد اليوم في كتلة من هذا النوع لأنّ القوى السياسية تسعى، كلّ على طريقتها، لاجتذاب ما أمكنها منهم الى صفوفها، او على الاقل الى خياراتها.