IMLebanon

الأزمة عميقة ولن تحل بتشكيل أو تعويم حكومة المخرج عند حزب الله بقبول تحييد لبنان 

 

بعد أيام معدودة من إطفاء الشمعة الأولى للاحتفال بمسيرة عهد «الرئيس القوي» في لبنان، وبعد أقل من يوم واحد على ردّ الرئيس سعد الحريري على منتقدي أداء حكومته، مفنداً بعض الإنجازات التي حققها منذ تشكيل الحكومة قبل عشرة أشهر، جاءت الاستقالة التي اعلنها من الرياض بصورة مفاجئة، والتي تسببت بصدمة كبيرة على المستويين السياسي والشعبي، وسيكون لهذه الصدمة ارتداداتها المؤثرة جداً على المستوى الداخلي، وعلى مستوى علاقات لبنان بالدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، قبل الغوص في تحليل أسباب وتداعيات الاستقالة، أو مفاعيل التدابير «العقابية» التي أعلنتها معظم الدول الخليجية ضد لبنان، وإرفاقها بإعلان وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان عن وجود مجموعة من التدابير التصعيدية المعدة والتي يمكن تطبيقها تدريجياً ضد لبنان، لا بدّ من إبداء مجموعة من الملاحظات ابرزها:

اولاً: يبدو بأن التسوية السياسية التي فتحت الباب لانتخاب الرئيس ميشال عون كرئيس للجمهورية، والتي قضت بتشكيل حكومة «الوفاق الوطني» برئاسة سعد الحريري قد سقطت بشكل نهائي، ولم تعد هناك أية إمكانية لاحيائها، وبأنها قد بنيت في الأصل على توافقات سياسية عابرة، دون الأخذ بعين الاعتبار المتغيّرات الجارية على المستويين الإقليمي والدولي.

ثانياً: لم يراعِ الرئيس عون ووزير الخارجية جبران باسيل ومعهما قيادة حزب الله الضوابط التي بنيت عليها التسوية، أو حساسية الموقف السياسي للرئيس الحريري تجاه حلفائه السعوديين، خصوصاً وأنهم لم يكونوا مقتنعين بداية بإمكان نجاح الخيارات التي قدمها لهم، واكتفوا بالسماح له بتجربتها، مع تحذيره من إمكانية الانقلاب عليه من قبل طرفي التسوية الآخرين.

ثالثاً: جاء الإخراج السعودي الدراماتيكي لاعلان الحريري استقالته كرد فعل مباشر ومفاجئ على التراكمات السلبية للتصريحات التي أدلى بها رئيس الجمهورية والتي تصب في صالح حزب الله على حساب قرارات الدولة، ودورها السيادي، بالإضافة إلى المحاولات الحثيثة من قبل وزير الخارجية وعدد من الوزراء لتطويق الرئيس الحريري بالانفتاح على النظام السوري وخوف المقاطعة العربية له، ودون الرجوع إلى رئيس الحكومة أو استئذانه، ومن الطبيعي ان يثير هذا الرصيد السلبي للسيادة الوطنية، ولمجلس الوزراء، وللموقف العربي العام من نظام دمشق، والايجابي لصالح حزب الله وإيران والنظام السوري حفيظة المملكة العربية السعودية، والتي تخوض معركة شاملة في الإقليم ضد إيران وحلفائها كالنظام السوري وحزب الله.

رابعاً: لا يمكن اعتبار ان الأزمة بين لبنان والدول الخليجية، والتي بدأت بإعلان استقالة الحريري من الرياض هي عابرة، ويمكن تدارك مفاعيلها بعد تشكيل حكومة بديلة في لبنان (من التكنوقراط، ولا يُشارك فيها حزب الله)، فالازمة اعمق من تشكيل حكومة أو من يترأسها أو يُشارك فيها، فهي تتركز على موضوع المواجهة مع إيران وحزب الله. ويبدو بأن الأمور قد تتجه نحو مزيد من التصعيد وبلوغ حدّ المقاطعة على غرار ما حدث مع قطر.

خامساً: يأتي توقيت تفجير الأزمة من قبل الرياض مع النفوذ الإيراني وحزب الله في لبنان متناغماً مع الاستراتيجية الأميركية التي اعلنها الرئيس ترامب ومع القوانين التي يسنها الكونغرس للاقتصاص من حزب الله ومن الحرس الثوري الإيراني، وذلك كخطوة أساسية على طريق احتواء سياسة العبث الإيرانية في المنطقة، وكان من الملفت ان انفجار الأزمة قد تلازم مع إطلاق صاروخ باليستي «ايراني» من اليمن، لينفجر في المجال الحيوي لمطار الملك خالد في الرياض. ويُشكل توقيت الأزمة مؤشراً على وجود تناغم أو تنسيق في الجهود الأميركية والخليجية في مواجهة إيران وحلفائها وبالتالي الحؤول دون وضع يدها على لبنان، وفق ما اوصت به تصريحات الرئيس حسن روحاني الأخيرة ومستشار المرشد علي أكبر ولايتي إبان زيارته لبيروت.

سادساً: ان المحاولات المبذولة من قبل مختلف القيادات السياسية بما فيها حزب الله، تتجاهل أسباب ومخاطر الأزمة لا تتعدّى كونها محاولات لكسب الوقت بانتظار عودة الحريري إلى لبنان للاطلاع منه عن كثب عن الخطوط الحمر التي رسمها السعوديون للسلطة في لبنان في كل ما يعود لنفوذ إيران وحزب الله. في الوقت الذي يُدرك فيه الجميع بأن المطلوب من السلطة اللبنانية اتخاذ قرار حاسم بتحييد لبنان والالتزام فعلاً بتنفيذه.

في رأينا يواجه لبنان أزمة، سياسية عميقة، تتعدّى تشكيل حكومة جديدة، سواء كانت سياسية أو حكومة تكنوقراط، ولا نغالي إذا قلنا بأن الأزمة الراهنة تشابه في عمقها السياسي وخطرها على الاستقرار السياسي والأمني الأزمة التي واجهها لبنان في عام 1969، على خلفية الانتشار الفلسطيني المسلح، والذي كان مدعوماً من عدّة دول عربية: كالعراق وسوريا وليبيا وغيرها. ولا يمكن ان نتوقع بأن عودة الحريري إلى بيروت ستفتح الباب لمشاورات سياسية مثمرة تؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة أو احياء الحكومة الحالية.

سيبقى مصير الحكومة أو تشكيل بديل عنها مربوطاً بإزالة الأسباب التي فجرت الأزمة، والتي يمكن تحديدها بضرورة استعادة الدولة اللبنانية لسيادتها وبالتالي عودة لبنان إلى لعب دوره البنَّاء عربياً ودولياً. ان استعادة السيادة لا تعني تفكيك منظومة حزب الله العسكرية، فهذا الأمر يتعدى قدرة وطاقة لبنان، وهو يرتبط دون شك بالتوافقات الدولية الكبرى لحل الأزمات الراهنة في المنطقة من اليمن إلى العراق وسوريا.

ماذا يمكن للرئيس عون ان يقوم به لإيجاد مخرج «مؤقت» لأزمة الحكم الراهنة، بانتظار الحل الشامل لحروب المنطقة؟

نُسارع في الإجابة على هذا السؤال بأن المخرج الوحيد الذي يمكن ان يبدأ بتشكيل حكومة يتركز على قدرته على اتخاذ قرار يعلن فيه تحييد لبنان، والتعهد بتنفيذه، ويقتضي تحقيق هذا الأمر الدخول في حوار جدي مع حليفه حزب الله، من أجل الحصول منه على تعهد فعلي (لا يمكن توقيع إعلان بعبدا) بالتزامه بقرار تحييد البلد عن صراعات المنطقة.

هل يمكن ان ينجح الرئيس عون فيمثل هذا المسعى؟

ان الواقعية السياسية تفرض على قيادة حزب الله التجاوب مع مطلب الرئيس عون بالحصول على التزام لمدة سنتين بتحييد لبنان، وأن على هذه القيادة ان تدرك بأن لها مصلحة في عدم إسقاط العهد سياسياً، وبأن وجود حكومة شرعية سيشكل مظلة للحزب في مواجهة موجات متنوعة من الضغوط التي ستمارس عليه في الأيام المقبلة عربياً ودولياً.

في الاستنتاج العام، على الرئيس عون ان يُدرك عمق الأزمة، ومخاطرها على عهده، وبأنه لا مناص له من اختبار مدى تجاوب حليفه حزب الله مع جهوده للحؤول دون تبديد حلم «الرئيس القوي» الذي وعد اللبنانيين به.