IMLebanon

العقّال

 

 

الدور الوفاقي و«حلال العقد» الذي يقوم به مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم يذكُرني (الجانب  الداخلي  منه)  بدور النائب الوزير السابق المرحوم قبلان بك عيسى الخوري الذي كان يعتبر في طليعة «العقّال» وسيطاً (مفوضاً) في حل الخلافات والإشكالات، وإحلال السلام والوئام وتحقيق المصالحات.

 

وأكثر ما كان نائب بشري مرات ونائب بعلبك الهرمل مرّة يمارس دوره «الوسيط» في البقاع. في المنطقة التي لا تزال القيم والتقاليد العشائرية بمثابة قانونها الأساس، متقدماً على القانون العام في البلد.

 

وأذكر، ذات يوم، وكنت في بداياتي المهنية وتربط بيتنا صداقة  عريقة بآل عيسى  الخوري، أن اصطحبني قبلان بك الى إحدى بلدات بعلبك حيث كانت جماهير حاشدة تنتظره وقد بلغ مسعاه خاتمته السعيدة. في الطريق توقف الموكب وانضم إلينا شاب ثلاثيني.

 

وقبل أن نصل الى المكان المقصود بدقائق معدودة توقف الموكب،  وتناول رسول السلام محرمة بيضاء طوق بها عنق الشاب وكان يرافقنا في سيارات عديدة والده وذووه الكثيرون من عشيرته.

 

وانطلقنا سيراً على الأقدام نحو منزل استقبلنا ربّهُ  الذي كان أحد أبنائه قد سقط قتيلاً برصاص الشاب الذي يرافقنا. تقدم قبلان بك وبرفقته الشاب القاتل وأنا ووالد القاتل وراءه، فإذا بوالد القتيل يقف أمام المدخل الخارجي ومن حوله الكثيرون من أبناء عشيرته. وكانت تفصل بين الطرفين  خطوتان  لا أكثر عندما توقف نائب بشّري ووضع يده على رأس القاتل وقال للوالد المفجوع، قاصدين الله وقاصدينكم. هيدا ابنكم. فيك تعمل فيه اللي بدّك ياه. فيك تقتلو وفيك تعفي عنو وتعتبرو بمثابة ابنك.

 

وأضاف: ابنكم لا يعوض وخسارتكم برحيله كبيرة جداً. ونحن نضع هذا الشاب في شهامتكم.

 

 

ثوانٍ بدت دهراً قبل أن يتقدم الوالد فيقبل قبلان عيسى الخوري، ثم يضم قاتل ابنه ويقول له: عليك الأمان، وينزع المحرمة البيضاء من حول عنقه (دلالة تحريره والعفو عنه)  وسط الزغاريد والهتافات…

 

طبعاً كانت هناك «ديّة» (أموال تقدم الى والد الضحية) كان البك قد جمعها من بضعة أثرياء   أبرزهم المرحومان الزعيم هنري بك فرعون والاقتصادي الكبير الشيخ بطرس الخوري (…).

 

واليوم يطرح  السؤال ذاته: أين العقّال؟ أين أمثال قبلان عيسى الخوري الذي لم يكن دوره يقتصر على البقاع وحده، بل كان  ومجموعة من الشخصيات الوسطية يشكلون «القوة الثالثة»، التي تتدخل في النزاعات الكبرى بين أطياف وزعامات وقيادات فتجد لها الحلول؟!

 

طبعا، الزمن الحالي زمن فلتان من الضوابط كلها وبكل ما للكلمة من معنى.

 

وعلى صعيد شخصي بالرغم ممّا  كنت أكنه من ود للمرحوم قبلان عيسى الخوري وما أقدره من مزايا في «قانون» العشائر فإنني أنتمي الى فكر الرئيس المرحوم كميل شمعون بضرورة تطبيق القانون العام وليس «القانون» العشائري، الذي كان أول قائد للجيش. الرئيس (لاحقاً) المرحوم فؤاد شهاب، ينحاز إليه ويعارض شمعون في رأيه.