IMLebanon

ايرولت عون رئيساً للجمهورية والحريري للحكومة

ينتظر لبنان زيارة وزير الخارجية الفرنسيّة جان لوي إيرولت، والأنظار مشدودة نحو الاستحقاق الرئاسيّ، وهو أحد العناوين الرئيسيّة المثارة من قبله من المسؤولين اللبنانيين. والزيارة تنطلق من زوايا عديدة، أهمّها أن فرنسا لا تزال تشعر بحنين تاريخيّ نحو لبنان، وبخاصّة نحو مسيحيي وموارنة لبنان. والمسألة في الظروف الحالية ليست التقاط هذا العنوان أو سواه والبحث به من هذه الزاوية، بل التمسّك بحلّ شامل متكامل العناصر موفور الشروط وأهمّها الشروط الميثاقيّة المؤمّنة لكلّ توازن في علاقة المكونات ببعضها البعض، وتيسير كلّ استحقاق لمصلحة لبنان الشراكة، ومتى توطّدت الشراكة كان للحلّ أن يسلك سبيله وينبلج.

حاول الفرنسيون غير مرّة التركيز في عناصر الحلول بدءا من التواصل مع السعوديين والإيرانيين. مع السعوديين كان واضحا أنّهم كانوا في مرحلة سابقة متشددين ورافضين للعماد ميشال عون، وهذا الأمر قالوا به وأظهروه وأعلنوه جهارا غير مرّة وبخاصّة مع وزير خارجيتهم السابق سعود الفيصل. أمّا الإيرانيون فكان جوابهم إذهبوا إلى لبنان وتكلموا مع المسيحيين، وما يريده المسيحيون نسير به، وإسقاطًا لذلك تمسّك أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بعون مرشّحا لرئاسة الجمهوريّة. الفرنسيون بهذا المعنى وبشخص وزير الخارجية الفرنسيّة يجيئون نحو تلك الرؤية المخزونة والمكنونة عند فريق سياسيّ وعند فريق آخر فيما هي غير واردة عند فريق لبنانيّ آخر. ولكنّ الوزير إيرولت أصرّ على المجيء إلى لبنان بعدما تبيّن له وبعد لقاءين جمعاه بوزير الخارجية الإيرانيّة محمّد جواد ظريف، أبدى فيه وبحسب بعض المصادر ليونة ومرونة في التعاطي مع الملف الرئاسيّ من دون التفريط بالثوابت الرئيسيّة وبخاصّة بما يريده المسيحيون وحزب الله، وظهر ذلك من خلال لقاء آخر جمعه مع وليّ وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان وما عارض هذا الأخير حلاًّ تسوويًّا في لبنان ينهي مرحلة الفراغ ويقود نحو الانتخاب الرئاسيّ.

استنادًا إلى تلك المعطيات الباريسيّة المتجمعة في عقل الوزير إيرولت، سيعكف على التباحث فيها مع معظم من سيلتقيهم خلال اليومين المقبلين، وسينكبّ على تدبيج العناصر التسوويّة بقالب واحد أو سلّة واحدة يطرحها على المسؤولين اللبنانيين في ظلّ اتجاه المنطقة نحو حركة تصاعديّة بالعناصر التأزيميّة المستعرة والمستهلكة لحدودنا البقاعيّة-الشماليّة كحالة ضاغطة متداخلة في الحركة السياسيّة اللبنانيّة، وهي تميل نحو الحسم في حلب ومحيطها، والمعركة في حلب استراتيجيّة بامتياز ومصير المنطقة مرتبط بها. وفي ظلّ هذا المشهد الضاغط، يحاول الوزير الفرنسيّ فصل المسألة اللبنانيّة بعناوينها المتشعبّة منها والمترابطة عن واقع الصراع في سوريا استكمالاً لمفهوم الاستقرار الراسخ في البلد من الأميركيين والروس، والاستقرار بحدّ ذاته ليس استطرادا مخالفا لمسار الواقع بل هو مدماك وبحسب بعض الأوساط لإرساء حلّ داخليّ يكون بمثابة المقدّمة ربّما لحلّ أوسع في المنطقة كلّها. ويعتقد مصدر دبلوماسيّ بأنّ الفرنسيين يعتمدون على الاستقرار كمفهوم أثبت جدواه على الأرض وإن كان بحدوده الدنيا، لتزخيم الحلّ السياسيّ فيه بدءا من تأمين مناخ رحب ورطب وهادئ في سياق النقاش مع المسؤولين اللبنانيين واستكشاف السبل الآيلة والمحتملة والناضجة في آن لتتمّ فيه معظم الاستحقاقات المطلوبة لإنهاء الفراغ الدستوريّ والرئاسيّ وانتظام الحياة السياسيّة والمؤسساتية في لبنان قدر المستطاع إلى أن يثبت التكوين الجديد للمنطقة ولربما يستفيد هذا التكوين عينًا من معاني لبننة الحلّ الداخليّ، فيرتكز عليه لتأمين توسّعه ما بين سوريا والعراق ولكن حتمًا بعد الحسم الميدانيّ على الأرض.

وتؤكّد أوساط سياسيّة انطلاقًا من هدف زيارة إيرولت، بأنّ مصلحة لبنان ليست بتأجيل الاستحقاق الرئاسيّ أو أية استحقاقات أخرى، كلّ تأجيل للحلّ أو لأية سلّة يحكى عنها يعرّض لبنان لمزيد من المخاطر الشديدة، ولبنان وطن بلا سقف. ويعتقد الفرنسيون كما عدد من المسؤولين السياسيين في لبنان واستنادًا إلى الأوساط عينها بأنّ الأزمة ليست أزمة نظام أو حكم، فالتوصيف تخفيف لخطورة المنعطفات التي بلغها لبنان، الأزمة باتت أزمة وطن فارغ من وجود فعّال وهويّة راسخة، وقد بات الجميع على قناعة بأنّ حلّ تلك الأزمة ينبغي أن يتصاعد عموديًّا وليس أفقيّا او يهبط تاليا من علِ. وما يشي بعمق تلك الأزمة وعقم الحلول فيها، الحالة التراكميّة المتفشيّة بملفات عديدة أخطرها ملفّ النازحين السوريين، ويشعر الفرنسيون ايضًا بخطورته على مستواهم ومستوى أوروبا، كما أخطرها في الوقت عينه ملفّ المخيمات الفلسطينيّة والذاكرة تجاهها متورمة كما حصل في نهر البارد، وملفّ النازحين السوريين بات له تأثير كبير على ملفّ الانتخابات الرئاسيّة بالحيّز المذهبيّ والطائفيّ.

سيدرك إيرولت وزير خارجية فرنسا استمرار الجرح الرئاسيّ نازفًا ومفتوحًا وجزءًا ثقيلاً من الأزمة الوجوديّة اللبنانيّة، كما هو تفصيل صغير في أزمة المنطقة. وسيرى بأمّ عينه وبعد جلجلة مواقف المسؤولين اللذين سيلتقيهم بأنّ القضيّة لم تعد استحقاقًا دستوريًّا يجب على لبنان أن يجدّد دمه به كما كل الدول الراقية. لقد بات الاستحقاق الرئاسيّ بين اللبننة المطروحة من قبل عدد من المسؤولين السياسيين وعلى رأسهم الرئيس نبيه برّي، والدولنة بالحدّ الأقصى أو الأقلمة والعربنة بالحدّ الوسطيّ، بمعنى أنّه إمّا يتحقّق بناءً على توافق لبنانيّ-لبنانيّ، أو توافق غير مباشر بين السعوديّة وإيران يسهّل أطره ويوطّد سبله، وهذا ممكن بحسب قراءة بعض الأوساط للحراك الفرنسيّ الأخير مع السعوديين من جهة ومع الإيرانيين من جهة اخرى.

هل لبنان أمام حلحلة لهذا الملفّ؟ الفرنسيون، تملّكوا بعض المعطيات، من دون أن يتمكنّوا من حلّ جذريّ وحاسم يعرض على اللبنانيين. لكن ما يبدو واضحًا عند وزير الخارجيّة أيرولت بأنّ الزوايا قد دورت بعض الشيء. وتقول اوساط متابعة بدقّة لمسرى ما يحدث، بأنّ السعوديين مع ولي وليّ العهد بالتحديد، اقتنعوا بضرورة إبداء المرونة في هذا الملفّ بسبب تعاظم سوء الفهم بينهم وبين شريحة واسحة من المسيحيين، ولسبب آخر يعود لأفول دورهم في الشرق الأوسط بفعل اتجاه الحسم في سوريا لغير صالحهم أو مصلحتهم. فوجود العماد ميشال عون خلال عشاء السفير السعوديّ دالّ على تلك المرونة. ويقول مصدر سياسيّ، بأنّ كلمة السرّ المألوفة عند اللبنانيين قد تسلك الطريق للهبوط على العقول، وسيضطر الرئيس سعد الحريري إلى امتصاصها وتجسيدها إذا ما رامت التسوية بعودته إلى رئاسة الحكومة. ويعتقد هذا المصدر بانّ سعد الحريري لن يعود إلى رئاسة الحكومة إلا مع العماد ميشال عون، ومن دون عون يفقد الحريري هذا المعطى.

وفي النهاية تشي التقديرات بأنّ الوزير الفرنسيّ ميال لتسويق تسوية كهذه وهي قابلة للحياة، والسعوديون برأيه باتوا مقتنعين بها والإيرانيون لا يمانعون إنما يتركون الخيار وكما قال ظريف لإيرولت بحسب ما ترسّب لحزب الله وللمسيحيين.

هل ينجح إيرولت في مهمته؟ سيأتي حتمًا ليقول كلمته، لكنّ اللبنانيين هم من سيفهمون بأنّ المرحلة إمّا تنضج نحو حلّ نوعيّ ينطلق من تسوية قديمة ومتجددّة تأتي بعون رئيسًا والحريري رئيسًا للحكومة، أو أنّنا وبعد عقم طويل وعسير متجهون نحو قراءة تكوينيّة للنظام السياسيّ اللبنانيّ، هذا هو المحكّ الجوهريّ، في ظلّ وجود خيارات اخرى تقود نحو مبادرات خلاّقة جديدة.