IMLebanon

من عبد الله إلى سلمان  المملكة تنتصر على الحملات والتحدّيات

مع غياب الملك عبد الله بن عبد العزيز تفتقد المملكة العربية السعودية، ومعها العالمان العربي والإسلامي، قائداً كبيراً، امتلك رؤيا استراتيجية متكاملة، وأطلق من الخطط والمبادرات، ما جعل السعودية واحدة من مجموعة دول العشرين الأكثر تقدماً في العالم.

كان الراحل الكبير شغوفاً بالتحديث والتطوير، فقاد مسيرة التطوير والتجديد بكثير من الحكمة والشجاعة، وفي إطار الحرص على التقدم خطوة خطوة تجنباً للوقوع في شرك القفزات المتسارعة التي قد تطيح بمبادئ وضوابط الحياة الوطنية والاجتماعية في البلاد.

أطلق ورش تعزيز المواطن السعودي، من المدرسة والجامعة، إلى تأمين الدعم والمساعدة في العمل والحياة العامة بغية تأمين العيش الكريم.

أدخل المرأة السعودية إلى مجلس الشورى، وجعل لها كوتا محددة، من دون الخروج على الأعراف والتقاليد، ومبادئ الدين الحنيف.

ضاعف عدد الجامعات في مختلف أنحاء المملكة في فترة زمنية قياسية وأرسل عشرات الآلاف من الشباب السعودي، ذكوراً وإناثاً، إلى أرقى الجامعات في العالم، ليتابعوا دراساتهم العليا، ليعودوا رواداً في بناء المستقبل.

وتبقى إنجازات الملك عبد الله والمكاسب التي حققها للشعب السعودي الشقيق أكثر من أن تعد وتحصى، في مثل هذا الظرف العصيب.

 * * *

ولكن أولويات الداخل، لم تشغل الملك عبد الله، رحمه الله، عن تعزيز دور المملكة ومكانتها في النظام العالمي الجديد، ونسج مجموعة من العلاقات الفاعلة مع عواصم القرار الكبرى، قائمة على الاحترام المتبادل، والتعاون البنّاء لما فيه المصالح المشتركة، إلى جانب تمسكه دائماً بقواعد الحق والعدالة في التعاطي مع الأزمات الخارجية المعقدة.

مبادرته لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي تحوّلت إلى مشروع سلام عربي بعدما تبنتها القمة العربية في بيروت عام 2002.

ودعوته للاعتدال والانفتاح والحوار بين الأديان، أثمرت عقد مؤتمرين للحوار بين الأديان والحضارات برئاسته في إسبانيا والأمم المتحدة، فضلاً عن إنشاء مركز دائم للحوار بين الأديان في العاصمة النمساوية فيينا.

ومساعيه لرأب الصدع بين الأشقاء في بلاد العرب والمسلمين، ساهمت في إنهاء الكثير من الخلافات والصراعات بين الأخوة، وكان آخرها رعايته للمصالحة التي تمت بين مصر وقطر قبل أيام من دخوله المستشفى إثر الوعكة الصحية الأخيرة.

أما لبنان فكانت له مكانة خاصة في قلب ووجدان الفقيد الكبير، كان يجسّدها ويُعبّر عنها في مبادراته ومكرماته العديدة نحو الشقيق الأصغر، بدءاً من الدعم غير المحدود إبان حرب تموز 2006 الذي أنقذ العملة اللبنانية من الانهيار، إلى إعادة بناء 222 قرية من أصل 236 دمرها العدوان الإسرائيلي، إلى آخر مكرماته المليارية، والتي قدّم فيها أربعة مليارات دولار لتسليح وتجهيز الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى.

 * * *

ورغم هول الصدمة التي عاشها الشعب السعودي الشقيق، فقد تمكنت المملكة من التغلب على مشاعر الحزن والأسى، ومضت قدماً على النهج الذي أرساه الراحل الكبير، حيث تمت مبايعة ولي العهد الأمير سلمان ملكاً، وتعيين الامير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد، والأمير محمّد بن نايف بن عبد العزيز ولياً لولي العهد، مما أكد، مرّة أخرى، قدرة المؤسسة الحاكمة على الحفاظ على تماسكها في الملمات، وحماية الأمن والإستقرار من الصدمات.

لقد جاء هذا الانتقال السلس والسريع للسلطة، ليكشف زيف حملات التشكيك والتضليل التي تعرّضت لها المملكة في السنوات الأخيرة، تحت عنوان الصراع على السلطة بين الأمراء الشباب، وذلك بهدف زعزعة الثقة الداخلية بالقيادة من جهة، والإيحاء للخارج بعدم قدرة المملكة على مواكبة التطورات الداهمة بعد غياب الملك عبد الله.

إذا كان تعيين الأمير مقرن بن عبد العزيز ولياً للعهد أمراً محسوماً، فان اختيار وزير الداخلية الأمير محمّد بن نايف بن عبد العزيز ولياً لولي العهد، يوجّه رسالة حاسمة للجميع بأن المملكة تسير على طريق تسليم السلطة للجيل الثالث من العائلة المالكة، في إطار من التفاهم والانسجام بين مرجعيات المؤسسة الحاكمة، وتأكيداً على متابعة النهج الذي أرساه السلف الصالح، منذ قيام المملكة بقيادة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيّب الله ثراه، وفي اعتماد مبادئ الشريعة السمحة لتحقيق الاستقرار والازدهار للشعب السعودي الشقيق.