IMLebanon

صندوق إستثماري مُسرِّع لدعم الشركات الصغيرة والمُتوسطة

تُعاني الشركات اللبنانية من صعوبات عدة على رأسها النقص في الإستثمارات وتراجع الطلب وصعوبة التصدير مما سبّب نقصا في سيولتها دفعها إلى صرف العديد من موظفيها. وفي ظل الشلل السياسي الناتج عن شغور منصب الرئاسة الأولى، يُطرح السؤال عن كيفية دعم هذه الشركات؟

الاقتصاد اللبناني هو إقتصاد شبه ريعي أي أن العائدات الريعية هي التي تُموّل بالدرجة الأولى الإستهلاك. ومن بين هذه العائدات يُمكن ذكر تحويلات المُغتربين التي تُشكل ما يُقارب الـ 17% من الناتج المحلّي الإجمالي إضافة إلى عائدات الودائع والإيجارات والتي تُشكّل في حدود الـ 15% من الناتج المحلّي الإجمالي. ويأتي قطاع السياحة ليُساهم بنسبة 8% (3.61 مليار دولار) من الناتج المحلّي الإجمالي والقطاع الزراعي بنسبة 5% والقطاع الصناعي بـ 20%.

أما في ما يخصّ الإستثمارات في هذه القطاعات فقد تراجعت بشكل ملحوظ حيث إنخفضت من أعلى مستوى لها في العام 2009، 5 مليار دولار أميركي إلى 3.18 مليار دولار أميركي في العام 2014. هذا الأمر ضرب كل القطاعات التي ومع إقفال معبر نصيب، عمدت إلى تقليص عدد موظفيها كما ولجم إستثماراتها القائمة بشكل ملحوظ بين العامين 2013 و2014.

كل هذا للقول أن الشركات (بإستثناء المصارف) ومع تراجع مدخولها إعتمدت إستراتيجية «البقاء على الحياة» وبدأت تستنزف سيولتها. وما نمو الأعوام الماضية القريب من الـ 1% إلا نتيجة للإستهلاك المُترفع للمجتمع اللبناني المدعوم بالمداخيل الريعية. كما أن مبدأ الإينرثيا المعروف في الاقتصاد سمح بإستمرار الماكينة الاقتصادية على ما هي عليه، لكن إلى متى؟

من ناحية المصارف اللبنانية، تعمد الإدارة إلى رفض أي قرض بدون ضمانات مهما كان نوع القرض أو حجمه. وهذا الأمر على الرغم من القروض المدعومة من قبل مصرف لبنان الذي لا يملك إلا وسيلة واحدة لإقناع المصارف بإقراض الشركات بهدف الإستثمار إلا عبر الترغيب بسيولة أكثر وبتخفيض الإحتياطي الإلزامي.

من هنا نرى أن مفعول قروض مصرف لبنان تبقى محدودة مع إمتناع المصارف عن تقبّل المخاطر الناتجة عن الأوضاع الاقتصادية، السياسية والأمنية. وبالتالي فإن وضع الشركات الإجمالي سيستمرّ بالتدهور. فكيف يُمكن دعم الشركات؟

الجواب قد يكون عبر الحاضنات والمسرّعات (Incubator and Accelerator).

الفكرة تأتي من الولايات المُتحدة الأميركية حيث تفنّن الأميركيون في الإبداع عبر خلق ما يُسمّى بالمسرّعات التي هي عبارة عن صناديق إستثمارية تمتلك شهية للمخاطر.

وقامت بعض المُسرّعات مثلاً في بريطانيا بإعتماد أساليب جديدة عبر إستثمار مبلغ 75 ألف يورو في كل شركة يختارها الصندوق مقابل 7% من رأس المال. وبالتالي ومع 322 مليون يورو مُستثمرة في أكثر من 200 شركة، تميز الصندوق المُسرّع «سيدكامب» بدعمه قطاع الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم في بريطانيا.

استنساخ التجربة

لماذا إذاً لا يتمّ العمل على هكذا أنواع من الصناديق المُسرّعة في لبنان؟

المخاطر في الإستثمارات تنقسم إلى قسمين: الأول هو عبارة عن المخاطر التي تطال كل القطاع الاقتصادي موضوع الإستثمار والذي قد يأتي من مخاطر البلد (تصنيفه الإئتماني، الأوضاع السياسية والأمنية…)، أو مخاطر قطاع إقتصادي بأكمله… وقد يكون هذا القسم من المخاطر هو الذي يمنع الإستثمارات الخارجية في لبنان خوفاً من تردّي التصنيف الإئتماني للمُستثمرّ أو الصندوق الإستثماري.

الثاني هو عبارة عن المخاطر التي تطال الشركة المنوي الإستثمار فيها نتيجة وضعها الخاص (إدارة، نموذج العمل، التقنيات المًستخدمة…). وهذا القسم سبب رئيسي في إمتناع المصارف اللبنانية عن دعم الإستثمارات في القطاع الخاص اللبناني إذ أنها – أي المصارف – تُطالب بضمانات لا يستطيع أصحاب الشركات أو المشاريع تأمينها.

من هذا المُنطلق أخذت الشركات اللبنانية بإتباع إستراتيجية مبنية على وقف الإستثمارات في لبنان (حتى ولو كانت تمتلك رأس المال الضروري للإستثمار) وتقليل الكلفة في مكاتبها ومعاملها (صرف موظفين، تغيير موقع الشركة إلى أماكن قليلة الكلفة…).

ويبقى أن مدير أي شركة تواجه مشاكل في مبيعاتها، يستند إلى النسبة بين قيمة المبيعات بالدولار الأميركي إلى ساعات العمل بالدولار الأميركي على نفس الفترة. ويقوم بإجراء المُقتضى لتعظيم هذه النسبة بما يؤدّي حتماً إلى صرف الموظفين بالدرجة الأولى.

طريقة العمل هذه والتي هي طريقة تقليدية، تأتي من منطلق أن لا إستثمارات في الشركة تسمح بإعادة إستخدام اليد العاملة المصروفة في إنتاج مُنتج أخر يدعم المبيعات وبالتالي يرفع من نسبة قيمة المبيعات إلى ساعات العمل.

هنا تأتي أهمية المُسرّعات التي وبدون شكّ تُموّل الشركة بالسيولة ليس بهدف دفع رواتب الموظفين أو تغطية الإنفاق الجاري بل بهدف التأسيس لمُنتج جديد يسمح برفع المبيعات ويدعم سيولة الشركة وبالتالي نموّها.

إن برامج القروض المدعومة التي يُقدّمها مصرف لبنان تذهب في هذا الإتجاه. لكن المُشكلة تكمن في أن القروض هي قروض من المصارف التجارية التي لا تُريد أن تتحمّل مخاطر القطاع الخاص، وبالتالي فقدت قروض مصرف لبنان بعض فعّاليتها!

لذا يتوجب على الحكومة اللبنانية أن تحملّ قسما من هذه المخاطر عبر تأمين الضمانات الكافية للقروض على أساس شمولي أي دعم الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم التي تمتلك مشاريع جديدة وواعدة وعلى أساس دعمها على الطريقة البريطانية من خلال شركة مُسرّعة في البدء تكون حكومية 100% ولاحقاً تتحول إلى شركة مدرجة في البورصة أو على المنصة الإلكترونية التي ينوي مصرف لبنان إنشائها.

هذه الشركة تقوم بإمتلاك قسم من رأس مال الشركة الصغيرة والمُتوسطة الحجم المنوي الإستثمار فيها (مثلاً 7%) مقابل إستثمار بقيمة 100 ألف دولار أميركي بما يعني إستثمار بقيمة مليار دولار أميركي لـ 10 الاف شركة لبنانية. الجدير بالذكر أن عدد الشركات في لبنان هو في حدود الـ 80 ألف شركة منها أكثر من 95% شركة صغيرة ومتوسطة الحجم.

إن تحمّل الدولة اللبنانية لمخاطر بقيمة مليار دولار هو أمر مقبول نظراً للمنافع التي ستنتج عن هذه المخاطر الإستثمارية ونظراً لأن الدولة اللبنانية تدفع سنوياً ما يزيد عن 4 مليارات دولار سنوياً لخدمة دين عام!

في المقابل المطلوب من الشركات تغيير منهجيتها في مقاربة السوق على صعيد الإنتاج والتسويق والتوظيف. فالمطلوب منها أيضاً الإستثمار في رأس المال البشري الذي يبقى بدون أدنى شك العامل الأول في نجاح الشركة ومنتجاتها.

من هذا المُنطلق نرى أن من الحكمة أن تعمد الشركات إلى توظيف لبنانيين لأن في ذلك تحقيقا لأهدافها التجارية لكن أيضاً ضمانة زيادة الإستهلاك، والذي ستستفيد منه الشركات كافة.