بعد مرور 15 عاماً وأيام، لا يحتاج تحليل أسباب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى كثير من الجدل والاجتهاد.
وبمعزل عن تقييم مرحلة ما قبل ذلك الإثنين في 14 شباط 2005، واضح أن الخط البياني للهدف من هذه الجريمة يسير كما أراد له من رسمه أن يسير. وها نحن اليوم دولة متعثرة متشظية ومشرذمة ومفلسة. والأهم اننا أصبحنا دولة منبوذة، سُمْعَتها ملوثة بالفساد والارتهان لمحور الممانعة، بعدما كانت قبل 14 شباط 2005 دولة واعدة منفتحة على العالم، بالرغم من كل ما ارتكبه النظام الأسدي ليحول دون ازدهارها ويمعن فيها ظلماً وقمعاً من خلال نظامه الأمني الاستخباراتي.
فقد كان رفيق الحريري الحلقة الأقوى في دائرة تطوِّق مشروع هلال الممانعة وتمنع وصوله الى الساحل الشرقي للبحر المتوسط، لذا كان يجب أن يزول.
بالتالي، فعل الاغتيال لم يكن حدثاً لبنانياً/أسدياً فحسب، فالجريمة الأم التي سبقتها واستلحقتها اغتيالات مدروسة وموجعة، حوّلت الوطن قبراً مفتوحاً حتى يبقى على قياسهم. واستكملت مخططها، خلال هذه السنوات الخمس عشرة، ولم تستثن تصفية المتهمين بالمشاركة فيها من خلال التخطيط والتنفيذ، وكذلك إخفاء شهود الزور الذين صاروا نسياً منسياً بعد أن أدوا مهماتهم الوسخة…
وها نحن، بعد 15 عاماً وأيام، شعوب غارقة في هموم تتجاوز بكثير الجريمة الأم، التي على الرغم من انتقالها الى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، خرجت من التداول، مع الترويج بأن تمويلها يشكل عبئاً على الخزينة المفلسة.
وتغيرت الأولويات، ليبتعد شعار “العدالة” وينزوي لمصلحة التخويف المستمر بالحرب الأهلية في ظلال اللعب المستمر على الوتر المذهبي، ولمصلحة مصادرة أحلام اللبنانيين وتقزيمها لتقتصر على تأمين الخبز. وبالتزامن، توالت حملات التزوير الممنهجة للتاريخ القريب حتى تتحول الضحية كبش محرقة صالحة لتعليق كل جرائمهم على شماعة حقبتها.
ويبدو أن الجريمة ومستلحقاتها أدت غايتها. فها نحن اليوم، دولة من دون سيادة، ومن دون رجال دولة، في معادلة نسجها حائكو السجاد العجمي، قوامها تسويات تقتضي الصمت عن سلطة السلاح المرهون لمحور الهلال الممانع، مقابل تسهيل هذه السلطة النهب الممنهج الذي تمارسه الطبقة السياسية، بحيث يرتفع منسوب الانهيار، ويصل حدوداً غير مسبوقة، يصعب بعدها حتى البحث في مسألة السيادة.
ولا يزال المخطط مستمراً مع الوسائل المستخدمة لتقويض انتفاضة اللبنانيين، الذين وعلى الرغم من مراعاتهم عدم استفزاز السبب الرئيس لما نحن فيه، يجري العمل لإعادتهم الى المربع المرسوم لهم، لضمان بقائهم مجموعات مرتبطة بتوازنات تستبيح أمانهم الأمني والإقتصادي والمعيشي، وتشد حول أعناقهم الحلقة الجهنمية، التي يكافحون لإرساء رؤية تمهد للإفلات منها.
وهكذا بعد 15 عاماً وأيام، وللوصول الى وطن، ربما بات ضرورياً مواجهة الجريمة الأم التي شكلت الخطوة الأولى في مسيرة هدامة لا تزال مستمرة، ويبدو أنها لن تنتهي الا بتحويل العالم العربي، ولبنان من ضمنه، الى خراب تتسلق فوقه القوى الممانعة لتفرد نفوذها وتستدعي أصحاب القرار العالمي اليها لتنظيم الخراب وإدارته.