IMLebanon

بعد النازحين السوريين: بدءُ مسار نزوح فلسطيني

يوجد داخل الأزمة المتفاقمة عالميّاً الخاصّة بتسونامي تسلّل النازحين السوريين الى أوروبا بشكل غير شرعي عبر سِكك بحرية تملكها مافيات تهريب، أزمة مماثلة غير معلنة ومفادها وجود شبكات لإدارة تهريب غير شرعي للّاجئين الفلسطينيين من لبنان وسوريا الى أوروبا بحراً، وذلك في مقابل أجر مدفوع سلفاً.

على رغم ظهور وقائع تُدلّل على استفحال هذه الظاهرة داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحسب معلومات خاصة بـ»الجمهورية»، إلّا أنّ وقائعها لا تزال تجري بعيداً من الاضواء، وعلى نحو يذكّر متابعيها ببدايات قصّة مسار تهريب النازحين السوريين الى اوروبا عبر البحر قبل تضخّمها وتحوّلها أزمة عالمية.

ويكشف مصدر قيادي فلسطيني لـ«الجمهورية» عن وقائع تُثبّت وجود مافيات تسفير غير شرعي للّاجئين الفلسطينيين من لبنان الى أوروبا عبر البحر، تُشبه من حيث أساليب عملها وطرائق التهريب التي تتّبعها، ما تقوم به المافيات الناشطة على جبهة تسفير النازحين السوريين بحراً الى أوروبا، ما يشي بأنّ هذين الملفين يقعان في إطار عمل واحد على رغم وجود فارق الإعداد بينهما والأبعاد السياسية لكليهما.

لكنّ المصدر عينه يُحذّر من أنّه في حال استمرّ منطق عدم التنبه مبكراً لهذه الظاهرة، فإنّ العالم سيستفيق بعد فترة غير بعيدة على مشكلة جديدة تُشبه المشكلة الراهنة الناتجة عن اتساع نطاق تسرّب النازحين السوريين بطرق غير شرعية الى اوروبا؛ لكن هذه المرة تحت عنوان هجرة الّلاجئين الفلسطينيين من سوريا ولبنان الى اوروبا.

ماذا في الوقائع المتوافرة عن هذا الملف كما كشفها المصدر الفلسطيني لـ«الجمهورية»؟

أولاً – يؤكّد المصدر أنّ هذه الظاهرة تستوطن بشكل بارز حالياً في مخيم شاتيلا في بيروت. ويقول إنّ عدد الذين تمّ تسفيرهم بحراً وبشكل غير شرعي من هذا المخيم وحده، خلال الفترة الأخيرة، بلغ اكثر من مئتي عائلة، وقد سفّرهم وسطاء وسماسرة من المخيم يعملون لمصلحة مافيات تسفير غير شرعي موجودة في طرابلس وشمال لبنان.

وكشَف المصدر عينه أبرز السماسرة المتداولة أسماؤهم لدى مصادر أمنيّة فلسطينية بوصفهم أبرز الناشطين في شاتيلا ومخيمات أخرى، وبوصفهم المسؤولين عن القيام بدور الوسيط بين اللاجئين الراغبين بالسفر بحراً وبشكل غير شرعي الى اوروبا وبين شبكات مافيات التسفير، وهم: شخص أردني من أصل فلسطيني يعرف في المخيم باسم ربيع، وهو سمسار لقبطان باخرة. وأيضاً سيدة فلسطينية تدعى «ر. ه» وتعمل كوسيطة في المخيم لمهرّب يقيم في طرابلس يكنّى بـ»ابو سعيد» وهو الاغلى سعراً.

ثانياً – يكشف المصدر أنّ السلطات اللبنانية قبضت أخيراً على المدعو (م. ص. م)، في منطقة جبل البداوي وأوقفت معه 21 شخصاً من الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين كان يتمّ تحضيرهم للسفر بحراً.

ثالثاً – يلفت المصدر الى أنّ عدوى ظاهرة التسفير غير الشرعي للاجئين الفلسطينيين على نحو مشابه لتسفير النازحين السوريين، انتقلت الى مخيم برج البراجنة قرب بيروت، حيث بات يمكن أخيراً الاستدلال على تفشّيها فيه من خلال شيوع حالة عامة داخله، قوامها عرض العديد من لاجيئه ممتلكاتهم في المخيم للبيع بغرض تأمين كلفة تهريب عائلاتهم عبر مافيات التسفير غير الشرعي الى اوروبا. وتراوح تسعيرة تهريب الشخص الواحد حسبما تطلبها مافيات التهريب ما بين الألفين والثلاثة آلاف دولار اميركي.

ويلاحظ المصدر عينه أنّ المتابعات أظهرت وجود العديد من مافيات التسفير غير الشرعي التي تقوم بالعمل وسط النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين على السواء، وذلك لتسهيل تسفيرهم بشكل غير شرعي عبر موانئ بحرية غالباً.

ويكشف المصدر أنه في حالات متكرّرة شوهدت الشهر الماضي حافلات جاءت الى مخيم شاتيلا وأقلّت عائلات من لاجئيه الى مرفأ طرابلس، ومنها تمّ تسفيرهم بحراً وبشكل غير شرعي الى تركيا حيث تتسلّمهم هناك مافيات تؤمّن انتقالهم بحراً الى أوروبا.

ويضيف المصدر أنّ بعض اللاجئين الفلسطينيّين تعلم أساليب عمل مافيات التهريب، حيث أمكَن أخيراً تسجيل حالات استأجر خلالها لاجئون فلسطينيون قوارب في طرابلس مباشرة ومن دون المرور بوسطاء ومهرّبين، واستخدموها للوصول الى تركيا أملاً بالذهاب من هناك الى اوروبا ودائماً عبر البحر.

ويُشدّد المصدر على أنّ «تفشّي ظاهرة الرغبة في الانتقال الى أوروبا عبر البحر وبشكل غير شرعي لدى اللّاجئين الفلسطينيين في بعض مخيمات لبنان، (خصوصاً في شاتيلا وبدرجة ثانية في برج البراجنة)، تؤسّس لاتساع هذه الظاهرة لاحقاً داخل مجتمع اللجوء الفلسطيني في كلّ لبنان، مع ما يترتَّب على ذلك من احتمال حدوث مآسي غرق وتعاظم أزمة الاستيعاب غير الشرعي في اوروبا؛ اضافة الى أنّ استمرار هذا الوضع قد يُغري جهات تريد تفريغ المخيمات الفلسطينية لضرب حقّ العودة، على ركوب موجة تشجيعه.

ويعزو المصدر الفلسطيني سبب اقتحام ما يُسمّيه «ثقافة الهجرة غير الشرعية الى اوروبا»، مخيّمات الفلسطينيين في لبنان، لعوامل عدة، أبرزها تأثّر لاجئي لبنان الفلسطينيّين بنزوح السوريّين بهذه الطريقة الى اوروبا، وذلك انطلاقاً من أنّ بيئات المخيمات في لبنان أصبحت مختلطة مع بيئات النازحين الفلسطينيين اليها من مخيمات سوريا، إضافة الى تعاظم الازمة المعيشية في مخيمات لبنان، خصوصاً بعد تقليص الأونروا خدماتها المختلفة فيها.

وأخيراً وليس آخراً، تردّي الوضع الامني في مخيم عين الحلوة الأم، واتساع نطاق الشائعات في المخيمات كافة عن أنّ مستقبلها الامني هو محل استحقاق دامٍ قريب.