IMLebanon

أي لبنان بعد الانتخابات؟

 

 

الإنطباع العام السائد حالياً في لبنان لدى كل الاوساط السياسية والشعبية هو انّ لبنان بعد “الأحد الكبير” غداً سيكون غير ما قبله بكل المقاييس والمعايير، وربما بالتوازنات، وإن كان البعض يعتقد انّ النتائج المتوقعة من الانتخابات النيابية لن تغيّر كثيراً من واقع التوازنات القائمة حالياً إلّا بدرجة طفيفة، سببها خروج تيار “المستقبل” من العملية الانتخابية، الذي قد يُحدث اختلالاً سياسياً وتمثيلياً في جانب معيّن ولا يشمل بقية الجوانب.

وفي ضوء هذا الانطباع، يرى معنيون بالاستحقاق النيابي، انّه لا يمكن التفاؤل في المطلق بما ستكون عليه اوضاع لبنان في المرحلة المقبلة، وفي الوقت نفسه لا يمكن التشاؤم في المطلق حيال هذه الاوضاع، على الرغم من حملات التحريض والكراهية والطائفية والعنصرية التي شنّها بعض القوى السياسية المنخرطة في الانتخابات النيابية، والتي بدت وكأنّها عملية “تشريج” لفريق من اللبنانيين ضدّ فريق آخر، يُخشى ان تدفع اللبنانيين الى التصادم في ما بينهم في المرحلة المقبلة، الامر الذي من شأنه ان يعوق إخراج البلاد من الانهيار وبقائها في جهنم، التي يكتوي بنارها اللبنانيون منذ بداية الانهيار إن لم يكن منذ ما قبله.

لكنّ المتتبعين لمسار الاوضاع واستحقاقاتها ينقسمون في توقعاتهم للمرحلة المقبلة الى ثلاثة افرقاء:
ـ فريق متفائل يقول انّ ما احتوته الحملات الانتخابية لبعض القوى السياسية من هجمات وتحريض ومناكفات ومشاحنات وعنصرية وطائفية ومذهبية، هي “امر طبيعي” يحصل في كل موسم انتخابي، لأنّها من عدّة شغل القوى المتنافسة على المقاعد النيابية في مختلف الدوائر، وتنتهي عشية انتهاء العمليات الانتخابية وصدور النتائج، ولن يكون لها أي تأثيرات كبيرة على مستقبل الاوضاع، وكذلك على مستقبل العلاقات بين القوى السياسية التي يفترض ان تصطفّ في السلطة الجديدة التي ستنتجها الانتخابات، ليتعاون الجميع على انتشال لبنان من الهاوية التي وقع فيها، خصوصاً أنّهم مقتنعون بأنّ البلاد لا يمكنها الاستمرار على ما هي فيه، وإلّا سيكون مصيرها الاندثار والوقوع تحت وصايات خارجية متعددة الأشكال والألوان.

ويستند هذا الفريق في جانب من تفاؤله على المفاوضات الاقليمية والدولية الجارية، سواء على مستوى مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الايراني، او على مستوى المفاوضات السعودية ـ الايرانية في بغداد وغيرها من العواصم العربية. حيث يعتقد هذا الفريق، انّ هذه المفاوضات لا بدّ ان تنتهي هذه المرة بتوافقات ستُطفئ كل البؤر المتفجّرة في المنطقة، بما ينعكس ايجاباً على لبنان الذي يشكّل إحدى البؤر بين القوى الاقليمية والدولية.

– فريق متشائم يبني تشاؤمه على أنّ الخصومة الشديدة السائدة حالياً بين بعض القوى السياسية اللبنانية ستنسحب على الاوضاع الداخلية بعد الانتخابات، بما يعوق تأليف حكومة جديدة سريعاً وبقاء حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في فترة طويلة من تصريف الاعمال، ربما تمتد الى موعد استحقاق الانتخابات الرئاسية في تشرين الاول المقبل إن لم يكن الى ما بعده، خصوصاً انّ البعض يتخوف من انّ عدم التوافق على تأليف حكومة جديدة سيعوق تلقائياً التوافق على انتخاب رئيس جمهورية جديد يخلف الرئيس ميشال عون في سدّة رئاسة الجمهورية. وهنا يسأل هذا الفريق، كيف يمكن لحكومة مستقيلة دستورياً وتصرف الاعمال أن تمارس صلاحيات رئاسة الجمهورية عند انتهاء ولاية الرئيس في 31 تشرين الاول المقبل في حال تعذّر انتخاب رئيس جديد؟.

ويرى هذا الفريق انّ هذا السيناريو سيحصل بالتأكيد في حال عدم توصل المفاوضات الاقليمية والدولية الى الاتفاقات او التسويات المتوخاة بين العواصم المعنية، ما يبقي المنطقة في وضع متفجّر ينعكس استمراراً للأزمة في لبنان بلا حلول، ومفتوحة على كل الاحتمالات، نتيجة تمحور الأفرقاء السياسيين المعنيين حول القوى الاقليمية والدولية المتنازعة.

ـ فريق ثالث يقف في الوسط بين المتفائلين والمتشائمين، ليتوقع استمراراً في إدارة الأزمة بواسطة حكومة جديدة او حتى عبر تعويم حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لأنّ الجميع باتوا مقتنعين بأنّ عدم استكمال مسار الحلول الذي بدأته الحكومة الحالية سيؤدي الى دخول لبنان في طور خطير جداً من الانهيار، بما يؤدي الى سقوط الهيكل على رؤوس الجميع. ولذا، ليس بين هذه القوى في النهاية من فريق يمكن ان يستمر في توتره وتشنّجه ليوصل نفسه والآخرين الى هذه النهاية. ويعتقد هذا الفريق، انّ الوضع المرتقب بعد الانتخابات كان بدأ التحضير لملاقاته منذ اسابيع من البوابتين الفرنسية والسعودية، وعلى وقع مفاوضات فيينا التي ستُستأنف قريباً ومفاوضات بغداد السعودية ـ الايرانية، التي قيل انّها كانت متقدّمة في جولتها البغدادية الاخيرة. ويرى البعض، انّ الصندوق السعودي ـ الفرنسي الذي انشأته الرياض وباريس لمساعدة لبنان يشكّل نواة لمساعدات اكبر عربية ودولية للبنان، تتواكب مع نشوء السلطة اللبنانية الجديدة. كما انّ المبادرة الفرنسية المحكي عنها والتي ترمي الى عقد مؤتمر حوار لبناني ـ لبناني لحلّ الأزمة برعاية عربية ودولية، من شأنها ان تشكّل تحصيناً لوضع لبنان المستقبلي وتمكيناً للسلطة الجديدة المرتقبة من انتشال لبنان من الهاوية ووضعه على سكة التعافي.

لكن المتتبعين للمبادرة الفرنسية والحوار المنوي عقده في ضوئها يقولون، انّ هذا الحوار لن تكون الغاية منه تعديل الدستور الذي انبثق من “اتفاق الطائف” الذي يتمسك به الجميع، وإن كان البعض يرغب بإجراء تعديلات معينة تتصل بصلاحيات رئيس الجمهورية، وانما ستكون الغاية الاتفاق على الآليات المطلوبة لاستكمال تنفيذ ما تبقّى من بنود هذا “الطائف” ومنه اللامركزية الإدارية الموسّعة وإقامة السلطة القضائية المستقلة وإلغاء الطائفية السياسية المنصوص عنه في المادة 95 من الدستور، وانتخاب المجالس النيابية على أساس وطني لا طائفي، وإنشاء مجلس للشيوخ تنحصر صلاحياته بالقضايا المصيرية، وتصحيح ما تمّ تنفيذه من بنود بطريقة مشوهة او غير أمينة، ولا مانع من أي حوار يركّز على تطوير “اتفاق الطائف” نحو الافضل، بما يجعل النظام اللبناني أكثر عدالة بالنسبة الى الإنسان اللبناني.

في أي حال، في صبيحة بعد غد الاثنين المقبل سيكون المشهد اللبناني مختلفاً عمّا هو عليه اليوم، وفي ضوئه سيكون في الإمكان قراءة طبيعة مستقبل لبنان سلباً او ايجاباً.