IMLebanon

ما بعد الاستقالة والتريث: كيف تفرملت الضربة العسكرية؟

ما بعد الاستقالة والتريث: كيف تفرملت الضربة العسكرية؟

مبادرة فرنسية لاقتها مصر لتفادي الحلول الجراحية قبلتها طهران ولم ترفضها السعودية

 

إطلالة نصر الله الثالثة: الانسحاب  من اليمن دخل أدبيات الحزب كشرط مطلوب  في إطار بنود الحل والوساطة

عودة رئيس الحكومة سعد الحريري إلى بيروت مرفقة بقبوله طلب رئيس الجمهورية بالتريّث في تقديم استقالته لمزيد من التشاور في أسبابها وخلفياتها السياسية، أنهت «الزوبعة السياسية والإعلامية» حول طريقة تقديمها من الرياض وملابساتها، ونقلت النقاش إلى صلب الأزمة التي جسّدها مضمونها، ما جعل المراقبين السياسيين، على اختلاف انتماءاتهم السياسية، يعتبرون أن ما بعد الرابع من تشرين الثاني ليس كما قبله. وهو في حقيقة الأمر توصيف صائب، ذلك أن ما تكشّف حول طبيعة الاتصالات والوساطات والمبادرات التي حصلت قبل عودة الحريري، رغم التكتم عليها، يؤكد أن الاستقالة كانت إيذاناً بدخول لبنان في قلب المواجهة المباشرة لتحجيم نفوذ إيران في المنطقة، من بوابة وقف تمدّد «حزب الله» خارج حدود لبنان بوصفه الذراع العسكرية الأقوى بين الميليشات الشيعية التابعة للحرس الثوري، فهل أن التريث بالاستقالة يعني أن «تسويات ما» حصلت في هذا الشأن، ولا سيما أن الحريري أعاد من أمام قصر بعبدا، بلغة دبلوماسية، التأكيد على مضمون بيان الاستقالة، بوجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب والصراعات الخارجية والنزاعات الإقليمية، مضمّناً كلمته «خارطة طريق» قوامها حوار جدّي مسؤول يُجدّد التمسك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني، ويعالج المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الأشقاء العرب»؟

في المعطيات المتوافرة، أن «حزب الله» أدرك، منذ لحظة استقالة الحريري، أن المملكة العربية السعودية قلبت الطاولة في لبنان برفعها الغطاء السياسي عن التسوية التي جرت قبل عام، وأن هذه الخطوة تأتي في إطار الاستراتيجية الأميركية – السعودية لمواجهة نفوذ إيران، وضرب أذرعها العسكرية التي تمثلها التنظيمات الشيعية، والتي بنيت الاستراتيجية الأميركية على أن الانتهاء من القضاء على التنظيمات السنية المتطرفة هو نقطة البداية لضرب التنظيمات الشيعية المتطرّفة في المنطقة، وأن هذه الاستراتيجية تترجم عملياً قراراً كبيراً تم اتخاذه في هذا الشأن، لكن الحزب كان يعتبر أن لبنان سيبقى بمنأى عن الخطر العسكري لاعتبارات عدّة، في مقدمها، حرص المجتمع الدولي، ولا سيما الدول الأوروبية، على الاستقرار الأمني في لبنان، نظراً لاحتضانه ما يزيد على مليون نازح سوري على أرضه قد يتحوّلون عبئاً إضافياً على تلك المجتمعات. وكان الاقتناع بأن المواجهة مع الحزب ستأخذ شكل العقوبات المالية ومحاولات تأليب الرأي العام اللبناني عليه نتيجة الضغوطات الاقتصادية التي سيتعرّض لها لبنان، ما يعني استخدام «القوة الناعمة» ضده.

لكن ثمة تطورات جدّية طرأت، وتمثلت بمعطيات قوية عن قرار تمّ اتخاذه بتوجيه ضربة عسكرية ضد الحزب، وهو كان تلقى إشارات أوّلية حول التحضير لهكذا عمل، وقد تطرّق إليها الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في خطابه الأول بعد الاستقالة، حين قال إننا نسمع كلاماً عن ضربة سعودية عسكرية، متسائلاً عن كيفية تنفيذها، مستبعداً استخدام البحر، ومعتبراً أنها لا يمكن أن تتـمّ إلا بالتنسيق مع إسرائيل، ولا شيء يشي في إسرائيل أنها ذاهبة في هذا الاتجاه، واضعاً هذا الكلام في إطار التهويل. وكذلك تحدّث المستشار السياسي لرئيس الجمهورية جان عزيز، في خضم الأزمة، عن معلومات بأن ضربة عسكرية كبرى كانت ستوجّه إلى لبنان.

ووفق المعلومات، فإن فرنسا دخلت على خط الأزمة الإيرانية – السعودية، ولا سيما بعد إطلاق الصاروخ الباليستي على الرياض، وتوجيه الاتهام إلى إيران و«حزب الله»، ونجاح المملكة في حشد إدانة عربية ودولية بوصفه عملاً عدائياً، وتوفيرها غطاء إضافياً لضربة عسكرية في معرض الدفاع عن أمنها القومي وأمن الخليج. وتذهب المعلومات التي سرّبت في هذا الإطار إلى حدود أن الضربة كانت قد حُددت بالتاريخ والمدة الزمنية التي قد تحتاجها، والأهداف المحددة والجهة التي كانت ستقوم بها، والتي كانت ستتمثل بالتحالف الدولي الذي تنضوي في عداده بعض الدول العربية، وهو ما دفع بفرنسا، معززة بدفع أوروبي وموافقة أميركية، إلى التحرك للعمل على تجنّب حصول الضربة في مقابل الضغط على إيران للقيام بالخطوات المطلوبة منها بما يحقق سياسياً ودبلوماسياً الأهداف التي كان يراد تحقيقها من خلال العمل العسكري. تلك المبادرة الفرنسية لاقتها مصر التي كانت قراءتها متطابقة مع القراءة الفرنسية بتجنيب لبنان تداعيات العمل العسكري، وما يمكن أن يؤول إليه من توترات سياسية وأمنية. ضغطت فرنسا على إيران بعدما بات اللعب على حافة الهاوية مسألة مدمرة لـ«حزب الله وجرى تقديم التعهدات المطلوبة للرياض. وكان للقاهرة دورها في تهيئة المناخات المؤاتية لتفادي الحلول العسكرية عبر تقديمها هي الأخرى ضمانات في ما خص عملية التنفيذ، والتي تضمنت شرط السعودية الأساسي بانسحاب  عناصر وخبراء «حزب الله «من اليمن، والعمل ثانياً على الخروج من الساحات التي تتواجد فيها عسكرياً، ولاسيما سوريا والعراق.

كان نصرالله قد ألمح في خطابه الثاني بعد استقالة الحريري إلى أن وظيفة «حزب الله» في سوريا والعراق قد أنجزت بعد دحر تنظيم «داعش»، ما حمل موقفاً سياسياً ضمنياً من أنه بات يتحضر لعملية الانسحاب التدريجي من هذين المسرحين، لكنه حين وصل إلى اليمن، اعتبر أنه لا يمكنه أن يقايض على مظلومية الشعب اليمني. لكن بعد الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة والذي اعتبر بالإجماع، مع تحفظ لبنان والعراق، بأن «حزب الله» – الشريك في الحكومة اللبنانية – منظمة إرهابية وحمّله مسؤولية الإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية في الدول العربية بالأسلحة المتطورة والصواريخ الباليستية، والتأكيد على ضرورة توقفه عن نشر التطرّف والطائفية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعدم تقديمه أي دعم للإرهاب والإرهابيين في محيطه الإقليمي، جاءت إطلالة ثالثة لنصرالله حاملة تبديلاً في الموقف من اليمن  بإعلانه أنه غير موجود فيه، وهو ما يشكّل موقفاً سياسياً بأنه سينسحب من هذا البلد، وإعلاناً كان مطلوباً منه في إطار بنود الحل والوساطة.

لا يزال الكثير من بنود الوساطة – التسوية طيّ الكتمان، ومنها ما يتعلق بالإجراءات المطلوب من المؤسسات الأمنية اللبنانية اتخاذها في إطار التعهد الفرنسي – المصري، حيث أن هاتين الجهتين الضامنتين للاتفاق هما أيضاً اللتان ستعملان على التأكّد من مجريات التنفيذ.

الصورة التي بدأت بالتبلور تتناول الشق الخارجي من دور «حزب الله» وتورطه في القتال في ساحات الصراع الدائر في المنطقة، وتدخله في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهو إذا ما تحقق سيندرج في إطار الالتزام بسياسة النأي بالنفس التي يُطالب بها.

لكن ما هو غير واضح بعد، مآل سلاح «حزب الله» في الداخل اللبناني ودوره وكيفية التعامل معه، وهل هو فعلاً جزء من التسوية يجري التمهيد لها بطاولة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية؟ وهل أن ما يُحكى عن «تراجع اللحظة الأخيرة» هو فعلاً قرار نهائي لدى الحزب أم خطوة تكتيكية ليس إلا؟