IMLebanon

هل يصدِّقُ “الحزب” أنّ بيئته بخير؟

 

 

أضاف «حزب الله» وحركة أمل مشهداً جديداً من مسرحية «قبل السحسوح وبعده» في بلدة عين قانا التي تجمّع أهلها من نساء مريضات ورجال أنهكهم تعب الحرمان وضيق العيش وشبان تحاصرهم البطالة ويزيد بؤسَهم بؤساً الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي… فأعلن أحدهم أنّ البلدة «تنتفض وتتبرأ من واحد اسمه محمد رعد وآخر اسمه هاني قبيسي وهما النائبان المسؤولان عنا»، لكنّ النهار لم ينقضِ حتى ظهر الرجل المسكين مقدِّماً الاعتذار من رعد وقبيسي.

 

اللافت في اعتذار ابن عين قانا، هذا الرجل المحترم في انتقاده والمحترم المظلوم في تراجعه أنّه ضمّنَ هذا التراجع الأسبابَ الموجِبة للغضب فقال إنّ موقفه صدر عندما شاهد أهله المرضى المحتاجين إلى الأوكسيجين ورأى النساء تبكي والرجال تعاني فلم يتمالك أعصابه وتناول القيادة المتمثلة بـ»الحاج محمد رعد والحاج أبو هاني قبيسي وهما تاج على رأسي وأقرب اعتذاري والله قبل العذر».

 

في هذه الواقعة تمكّن «الحزب» و»الحركة «من دفع رجل كريم على التراجع في الإعلام عن موقفه حتى لا ينكسر كبرياء من وصفه يوماً وليد جنبلاط بـ»الحيط» وحتى لا تتلوّث صورة قبيسي بانتقاد مبنيّ على الشكوى من غياب أساسيات العيش وليس على أساس شخصي أو سياسي، لكن حتى هذا المستوى من النقد والمطالب ممنوع أن يظهر في البيئة الشيعية لأنّ «القيادة مقدّسة» ولأنّه سيفتح الباب على ما هو أكبر وأعظم.

 

يبرز هنا السؤال عن مدى قدرة «حزب الله» وحركة «أمل» على تحقيق شعاراتهما بالاستجابة لحاجات الناس في ظلّ الانهيار. فلماذا تعاني عين إبل، كما غيرها، من انقطاع التيار الكهربائي؟ وكيف يمكن ترك المرضى يموتون لأنّ آلات التنفس ستتوقف بسبب العجز عن تأمين التيار لهم… بعد عقود من التحالف مع تيار هدر أموال الكهرباء بمليارات الدولارات وترك بيئة الثنائي الشيعي كما سائر اللبنانيين للظلام والموت؟

 

هل يصدِّقُ «حزب الله» نفسه أنّه إذا أخرس المعترضين وأجبرهم على التراجع عن مواقفهم أمام الكاميرات، أنّه غيّر الواقع وأسكت الغضب وحلّ المشاكل المتراكمة على الناس؟

 

هل يعتقد القياديون في حركة أمل أنّ باستطاعتهم الاتكال دائماً على أسلوب «السحسوح» لمسح الصور السلبية عنهم وأنّ ذلك يكفي لتأمين الاستقرار الاجتماعي أقلّه لبيئتهم وأهلهم وأنّ الدنيا بخير؟

 

أسوأ ما في واقعنا الراهن أنّ الثنائي الشيعي يضع اللبنانيين أمام خيارات كلّها مرارة وأكثرها خطورة السكوت عنه والتطبع معه ومجاراته في سلوكه التدميري الذي يطيح ببيئتهم ولو فرضوا الصمت عليها وببقية اللبنانيين. لذلك، فإنّ أيّ شكل من أشكال مقاومة هذا الاتجاه الظلامي أصبح ضرورياً أكثر من أيّ وقتٍ مضى، وهذا ما ينبغي أن تدركه القوى المعارِضة والمستقلون والمجتمع الأهلي الذي يفضّل تحييد نفسه، لكنّ على الجميع أن يعلموا أنّ التحييد لم يعد نافعاً فهم في لائحة المتضرِّرين من هذا المسار شاؤوا أم أبَوا لأنّ التدمير سيشمل الجميع.

 

إذا كان الثنائي لا يقبل هذا الحدّ المتواضع من الاعتراض في بيئته، فهل يظنّ بقية اللبنانيين أنّه سيسكت عن قناة تلفزيونية نقلت حقيقة ممارسات عناصره على كوع الكحالة أو جويا أو خلدة أو عين الرمانة؟ وهل سيتقبل النقاش حول سلاحه أو سياساته وقراراته؟ سيحمل مسار الأزمة والانهيار المزيد والمزيد من الكوارث، وما يمكن إسكاته اليوم بالضغط سيكون مستحيلاً إسكاته مع توالي الكوارث. فاللبنانيون يفقدون مقوِّمات الحياة بشكل متسارع. وصدق الإمام علي وهو القائل: «عجبتُ لمن بات جائعاً ولم يخرج على الناس شاهِراً سيفه». وعندما يصل الناس إلى فقدان أساسيات حياتهم سيخرجون ليخوضوا صراع البقاء وهم لن يتوقفوا عند مقام أحد، فالجوع كافر ولا يرحم.