IMLebanon

عن الشبهات حول فتح جبهة لبنان

 

 

تغلب القاعدة التي تقول إنّ توقّع ما سينجم عن «طوفان الأقصى» يخضع لمنطق كل يوم بيومه، نظراً إلى تدافع الأحداث وتدحرجها غير المسبوق. نظراً إلى ضخامة ما جرفه الطوفان من وقائع، وما نتج وسينتج عنه من أحداث، يصعب ثبات التوقعات، رغم ثبات المبادئ الأساسية. فالطوفان كان تغييراً كبيراً في اللعبة (game changer).

 

أولاً: سواء صحّت الأنباء عن الاجتماعات التي عقدت في بيروت مع «حزب الله» وغيره من التنظيمات الممانعة في المنطقة، وبمشاركة إيرانية، عن تنسيق التحرك العسكري في فلسطين، أم لم تصح، فإنّ الخشية من إقحام الجبهة اللبنانية في حرب واسعة تبقى قائمة، سواء من الجانب الإسرائيلي أو من الجانب الإيراني. ورغم تأكيد الناطق باسم «حماس» علي بركة، وكذلك المدير العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم خلال ندوة صحافية عقدها أثناء زيارته باريس حصول اجتماعات كهذه في شكل روتيني، واستبعادها أن يكون «الحزب» تبلغ من «حماس» بنيتها تنفيذ «طوفان القدس»، فإنّ هذه المعطيات تلتقي مع تلك التي تفيد بأنّ «حماس» باشرت بالعملية على الأرض ثم أبلغت بها سائر التنظيمات الفلسطينية التي تنسق وإياها في غزة بما فيها «الجهاد الإسلامي». وهذا ما يفسر اشتراك مقاتلي «فتح» في اقتحام غلاف غزة وغيرها من الفصائل المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

 

في كل الأحوال فإنّ الأيام الفاصلة مع التاريخ المدوي لـ7 تشرين الأول شهدت نوعاً من الوحدة في الموقف الفلسطيني، في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين وعرض الفظائع التي يتعرضون لها من قبل الاحتلال منذ سبعين سنة، مقابل التعريف السياسي للعملية بأنّها إيرانية الهوية، في سياق منحى الصراع والتفاوض بين طهران والولايات المتحدة الأميركية.

 

يقتضي الاستنتاج بأنّ ما يستتبع الطوفان، ومفاعيله ما زالت في بدايتها، يحتاج إلى انتظار النتائج يوماً بيوم، والقول أيضاً إنّ الحقائق التي حضرت وأطلقت العملية، لن تنكشف قريباً ويتطلب اتضاحها المزيد من الوقت قبل روايتها.

 

ثانياً: إزاء المخاوف من فتح الجبهة اللبنانية من قبل «حزب الله»، يسود الانطباع بأنّ الأخير قام باستعراض ما يمكن أن يقوم به في المواجهة مع إسرائيل بقصف الموقع الإسرائيلي في مزارع شبعا المحتلة. والأخيرة نفّذت الاستعراض الخاص بها أيضاً في قصف موقع أدى إلى مقتل ثلاثة من مقاتليه. والجانب الفلسطيني استعرض إمكانياته باقتحام الحدود اللبنانية وقتل ضابط إسرائيلي كبير.

 

والحقيقة المتصلة بتحريك الجبهة من لبنان تفيد بأنّ الفصائل الفلسطينية والأحزاب اللبنانية التي تباحثت في إمكانية التحرك سواء العسكري أو الشعبي (تظاهرات) تضامناً مع غزة في وجه القصف الإسرائيلي الوحشي للمدنيين فيها، انتهت إلى ضرورة التشاور مع «حزب الله»، قبل أي تحرك. فالقرار في هذا المجال هو للحزب وفقاً للحسابات الإيرانية.

 

وعليه فإنّ محاذير فتح الجبهة اللبنانية سيكون قراراً إيرانياً، وليس فلسطينياً. وفي هذا المجال يخشى المؤيدون لـ»طوفان الأقصى» من أن يسلب أي قرار إيراني بفتح جبهة لبنان، المقعد الذي حجزته هذه العملية للطرف الفلسطيني في أي مفاوضات يمكن أن تفضي إليها، من صاحب القضية الأول والأخير. يعتبر هؤلاء أنّ فتح جبهة لبنان يحجب الأنظار عن الهدف الذي توخاه الجانب الفلسطيني من إطلاقها، وهو إعادة المظلومية الفلسطينية والصلف الصهيوني الإجرامي، والخبث الغربي المتجاهل لتلك المظلومية، إلى واجهة المسرح السياسي الدولي والإقليمي، بدلاً من التركيز على التطبيع مع حكومة بنيامين نتنياهو وحلفائه الحمقى والأصوليين المتطرفين.

 

فتح الجبهة من لبنان يحمل معه مخاطر إعطاء مقعد التفاوض المحتمل والذي يتعدّى موضوع تبادل الأسرى الكثر الذين في حوزة «حماس»، لإيران بدلاً من فلسطين. ولذلك تسهُلُ إثارة الشبهات حول هذا الخيار، لأنه يعطي الأولوية لمعالجة مشاكل طهران مع الغرب، بدلاً من معالجة المظلومية التاريخية غير المسبوقة على الصعيد الدولي، التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. أي أنّ فتح الجبهة من لبنان سيكون في نهاية المطاف على حساب المصلحة الوطنية للفلسطينيين ويسلب منهم ما حققه «الطوفان».

 

حتى إشعار آخر لا يمكن إلا اختبار صحة ما يتسرب وما يقوله البعض عن أنّ فتح جبهة لبنان، قد يأتي في إطار فتح سائر الجبهات التي يشملها شعار وحدة الساحات، إذا قررت إسرائيل المغامرة بتنفيذ خيار احتلال لقطاع غزة. لننتظر ونرَ.