IMLebanon

طوفان الأقصى واستهداف الأميركيِّين.. ترتيبات ما بعد الحرب بين العصا والجزرة والمطاردات الدولية؟!

 

 

يتفق المراقبون لمجريات الصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، بعد عملية «طوفان الأقصى» إلى أن الولايات المتحدة الأميركية هي اللاعب الأكبر، بل يمكن القول اللاعب الوحيد على ساحة مفاوضات ما بعد انتهاء الحرب، والتي يبدو أنها لا تتعلق فقط بحسابات ومصالح الطرفين المتناحرين.

مع التأكيد على عدوانية اسرائيل ومظلومية الشعب الفلسطيني، ومشروعية حركة المقاومة لطرد الغزاة المحتلين الصهاينة من (غزة والضفة والقدس وكل أرض فلسطينية أو عربية محتلة)، بل هي على صلة (أي نهاية الحرب) بالتريبات الأميركية والغربية لما بعد صمت المدافع وهدير الطائرات الحربية، وصفارات الإنذار، والمسيَّرات الإنقضاضية القاتلة..

ما هي الترتيبات ذات الصلة بالمفاوضات؟

1 – فلسطينياً: كبح جماح المقاومة الفلسطينية المسلحة، وإعادة الروح إلى اتفاقيات أوسلو، وشركاء هذه الاتفاقيات فلسطينياً واسرائيلياً وعربياً ودولياً. وهذا ما تؤكده الزيارات المتكررة للدبلوماسية الأميركية إلى رام الله، والاجتماعات مع رئيس السلطة محمود عباس.

2 – إسرائيلياً: إنهاء ظاهرة نمو التطرُّف الاسرائيلي، سواء الديني أو العنصري، والسعي إلى إبعاد تكتل ليكود بزعامة نتنياهو، والمتحالف مع الأحزاب الدينية المتطرفة، والتي تعيق أي تقدُّم في مفاوضات إنهاء الحرب، والتي غالباً ما يتجاهلها الموفدون الأميركيون في لقاءاتهم، ولعلَّ الخلافات الأميركية – الإسرائيلية في ما خصَّ سيناريوهات الحرب على غزة، والأهداف القريبة والبعيدة لهذه الحرب، سواء ما يتعلق بما يعرف بـ «هدنة الرهائن» أو صفقة التبادل أو تهجير الفلسطينيين من القطاع إلى أنحاء مجهولة، سواء في مصر أو استراليا أو حتى الجزر الافريقية..

 

3 – عربياً: الاستمرار بالإمساك القوي بالعلاقات مع ما يطلق عليه الأميركيون مصطلح «الشركاء في المنطقة»، سواء لجهة ضمان استقرار اسعار النفط أو تبادل المصالح التجارية والاقتصادية، أو للحدّ من ظواهر لا يرغب الأميركيون في رؤيتها في المنطقة، ضمن ترتيبات جرت، وأخرى تجري أو ستجري، للإحاطة بوضع شرق أوسط متكامل..

وعلى هذا الصعيد، بدا واضحاً، حجم الاهتمام الأميركي المتزايد بما يسمى «حلّ الدولتين» أو الحماس لقيام دولة فلسطينية، قابلة للاستمرار والحياة، في مناطق الـ1967، من الضفة إلى غزة، والشطر الشرقي من مدينة القدس.

 

4 – مقاتلة خصوم الولايات المتحدة الأميركية، لا سيما على الجبهتين اليمنية والعراقية امتداداً إلى الجبهة السورية، عبر عمليات عسكرية مباشرة، تدار من حاملات الطائرات والقواعد العسكرية في العراق وقبرص، وحتى من اسرائيل، بهدف إفهام إيران، والمجموعات العسكرية المسلحة، والتي تدور في فلكها بأن الضربات ضد الأميركيين، لن تمرّ هكذا بدون ضربات مقابلة على خلفية إنهاك الفصائل المسلحة المدعومة من إيران.

وفي السياق، نسب إلى وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (الخارج من المستشفى والذي دخل اليه بسبب مرض عضال يعاني منه)، قبل الهجوم الذي أدى إلى مقتل أميركيين في الأردن، قوله، في معرض طمأنة القوات الأميركية بشأن قدرة الجيش الأميركي على التصدي لهجمات المسلحين الموالين لإيران، أنهم لا «يتمتعون بالكفاءة اللازمة لتنفيذ ما يقومون به».

وكان أوستن يتحدث على متن حاملة الطائرات «جيرالد فورد» في 20 ك1 الماضي إلى «المارينز» على متن الحاملة، فأشار: «يطلق وكلاء ايران النار على قواتنا المتمركزة في العراق وسوريا كل يوم لم ينجحوا للسبب المتعلق بالكفاءة، والسبب الثاني أن الجيش الأميركي «فعل الكثير لضمان حصوله على الحماية الكافية».

في حرب الإخضاع هذه، ترمي الولايات المتحدة بكل قوتها التكنولوجية في الميدان، ولا تتواني لحظة عن الردّ على الهجمات، على نحو فائق القوة المعززة بتكنولوجيا الدمار الشامل».

تعرف الإدارة الأميركية على مدى تاريخها الاستعماري الطويل، وبوصفها أعتى قوة إمبريالية في العصر الحالي، أن زعامتها للعالم لا تستقيم فقط بالقوة الاقتصادية، أو النفوذ العلمي أو التوسع في السيطرة على الفضاء الخارجي، بل بالقوة العسكرية، قبل أي اعتبار، من هنا تكتسب الحرب، بالتضامن والتكافل مع بريطانيا العظمي ضد اليمن من أجل تحرير الممرات المائية العائدة للسفن التجارية عبر باب المندب إلى قناة السويس، فعبر أوروبا وسائر القارات الأخرى، أهمية خاصة، لجهة التصدي «للقوة الحوثية» اليمنية الصاعدة، والتي تتمكن بين وقت وآخر من منع السفن أو استهداف السفن الأميركية والبريطانية..

لا يخفي الخبراء الاستراتيجيون الأميركان انزعاجهم من عدم استخلاص الادارة الأميركية الحالية العبر من الهجمات التي تشن ضد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، ويعتبر هؤلاء أنه من الخطأ الاعتقاد بأن خطر «المسلحين المدعومين من إيران غير ذي شأن»، حتى وإن أخفقت هجماتهم في غالب الأحيان، لكن الثابت والأكيد أن هذه «الجماعات» نفذت هجمات متطورة وعابرة للحدود، ولها تاريخ في قتل القوات الأميركية، وسط الإندفاع الأميركي لمواجهة الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بقوة الحديد والنار، لمنع تأثيرها على مجريات السيطرة الأميركية، في الشرق الأوسط، كان لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، تصريحات ملفتة لجهة اقتراب التسوية، وأن الحرب ليست هي الحل للوضع المأزوم في المنطقة ولمشاكلها أيضاً.

بعد «طوفان الأقصى» تغيرت معالم كثيرة في سياسات الشرق الأوسط، وعادت القضية الفلسطينية توحّد العالم الاسلامي، وتعزز قوة التضامن العربي مع الفصائل المواجهة للعدوان الاسرائيلي..

هنا، يبرز النفوذ الأميركي المتصاعد، مستخدماً الجزرة (دولة فلسطينية) والعصا (الضربات العسكرية)، للحفاظ على وضعيته في ضوء جهود إيران لطرد القوات الأميركية من المنطقة.

إن إعادة تشكيل الشرق الأوسط، في اطار لعبة المصالح، بعد طوفان الأقصى يمرّ بالحرب وبيع الأسلحة، وتثبيت التحالفات القديمة، لهزيمة إيران أو التعايش معها بالشروط الأميركية، وهذا لغز آخر من ألغاز أزمات المنطقة!