IMLebanon

إنْ عَبر “زلزال” غزة فهل تكون “ارتداداته” أخطر؟

 

بعد أقل من أسبوع على زلزال «طوفان الاقصى» تحوّل قطاع غزة وغلافه الى ما يشبه «نقطة» ارتكاز تدور حوله «الهزات الارتدادية» التي ضربت منطقة بكاملها. عدا عن انها اختصرت المواجهة المفتوحة بين محورين استخدما ساحات ما بين مضيقي باب المندب وهرمز امتداداً الى عمق الشرق الاوسط. وعليه، طرح السؤال حول ما يمكن أن تقود اليه الاحداث الاخيرة في مروحة تمتد بين حَدّي إحياء عملية السلام او الحرب؟

 

توحي التحركات الدولية والاقليمية التي تَلت «طوفان الاقصى» انها تجاوزت منطقة العمليات العسكرية ونطاقها المباشر، وما أدّت اليه بحور الدم الغزيرة التي سالت ومظاهر التدمير الشامل التي تجري في قطاع غزة وغلافه، لتتوسّع في وقت قياسي وتتحول مواجهة كبيرة امتدت رحاها على مستوى المنطقة وصولاً الى الخليجين العربي والفارسي بما قد يؤدي إلى عدم حصر أي انفجار ينجم مما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة وصولاً الى النظر في مجموعة من مشاريع الحلول المطروحة التي وضعت المنطقة برمّتها تحت مجهر الازمة بعدما تم الربط بين ما جرى في غزة وما ادت اليه سياسات المحور وإيران خصوصا في المنطقة.

ولتفسير هذه المعادلة، لا تخفي المراجع الديبلوماسية والاستخبارية عند قراءتها لمجرىات التطورات المتسارعة في غزة واسرائيل بوجوهها الداخلية منها كما الاقليمية والدولية، قلقها من حجم المواجهة المحتملة بعدما أضاءت المواقف الغربية على الأدوار التي يقوم بها محور الممانعة وحلفائه الذي ترجمته حركة «حماس» في عمليتها الاخيرة، مُحمّلة إيّاه المسؤولية عما حصل لتبرير ما تقوم به إسرائيل من استخدام مُفرط للقوة الهائلة وردات فعل الحلف المناهض الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية ليس من باب الدعم المطلق لإسرائيل بمقدار ما هو في مواجهة هذا الحلف على مستوى المنطقة.

وعليه، تضيف هذه المراجع ان الاستراتيجية الاميركية والاوروبية التي اعتمدت على عجل لا تستهدف ما يجري في إحياء قطاع غزة وغلافه فحسب، وما يمكن ان تشهده الحدود اللبنانية والسورية والاردنية والمصرية مع اسرائيل في حال اندلاع حرب شاملة تأسيساً على منطق «وحدة الساحات» الذي أحياه قادة محور الممانعة منذ فترة رافقت المواجهة الاسرائيلية مع حركة «الجهاد الاسلامي» قبل فترة وفي مقاربتهم لهجمات «حماس» المذهلة وردات الفعل الاسرائيلية عليها.

 

فلا يعتقدنّ احد انّ ما اتخذ من إجراءات عسكرية اميركية اوروبية تحت شعار حماية اسرائيل وتعزيز قدراتها العسكرية فحسب، او بهدف وضع حد للهجمات الصاروخية التي تواصلها المنظمات الفلسطينية من قطاع غزة بمقدار ما هي لمواجهة اي تدخل مُحتمل إن نفّذت التهديدات التي قالت بإمكان استخدام الصواريخ البالستية الذكية المنتشرة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان كما في الاراضي الايرانية في اتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة وما يمكن ان تُحدثه من تطور عسكري محتمل يقود المنطقة الى حرب واسعة تُحيي الذاكرة بما قام به الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عندما أطلقَ صواريخه الـ 39 من نوع «سكود» في اتجاه المدن الاسرائيلية في الفترة الممتدة من 17 كانون الثاني إلى 23 شباط 1991 تزامناً مع حرب الخليج الثانية التي عُرفت بـ»درع الصحراء» التي استهدفت بلاده بعد احتلاله الكويت.

ولتأكيد هذه النظرية وما تقود إليه من مخاوف من احتمال وقوع مواجهة كبرى، طرحت الاسئلة المنطقية، ومنها: كيف يمكن تفسير وصول حاملة الطائرات الاميركية «يو آس آس آر جيرالد فورد» الى شرق المتوسط بما تحمله من أسلحة متطورة، والتحضير لوصول حاملة أخرى كما الكشف عن وصول سرب من طائرات A-10 الى قاعدة الظفرة الاميركية في دولة الإمارات العربية المتحدة؟ ولا تتجاهل قراءة هذه التحضيرات حجم الاستعدادات البريطانية التي قالت بصدور التعليمات لنقل سفينتين حربيتين إلى شرق المتوسط على أن تواكبها طلعات جوية لطائراتها المتمركزة في احدى القواعد البريطانية الكبرى في جزيرة قبرص بحجة دعم إسرائيل.

 

ولا تقتصر هذه الاستعدادات العسكرية التي استبقَت أي حراك ديبلوماسي بالحجم المنتظر في اتجاه اسرائيل والمنطقة على ما تَم نقله من طائرات وصواريخ بعيدة المدى، فقد اعلنت السلطات الاسرائيلية عن بدء العمل بالجسرين الجويين الاميركي والبريطاني الى مطارات اسرائيل وقواعدها العسكرية لنقل حاجتها من الاسلحة الثقيلة والذكية بما فيها الصواريخ المخصصة لخرق الانفاق وتدميرها. كذلك جاء إعلان وزارة الدفاع الالمانية كافياً لتأكيد وجود قرار غربي كبير بتعزيز حجم الترسانة العسكرية في المنطقة استعداداً لأيّ مواجهة مقبلة إن فشلت المساعي الديبلوماسية لتطويقها واستيعابها، بعدما اعلنت ان الحكومة الالمانية وافقت على تزويد اسرائيل ما طلبته من الاسلحة الخاصة بسلاح البحرية التي تؤهلها لتوسيع نطاق عملها وتجاوز اهدافها المحدودة في ساحل قطاع غزة لِتطاول أهدافاً بعيدة المدى تتجاوز حدود اسرائيل الى بقية دول المنطقة، مع الأخذ في الاعتبار القول انّ بعض الاسلحة تُنهي حروباً قبل موعد الطلقة الاولى.

وبناء على ما تقدم ترى المراجع الديبلوماسية والاستراتيجية ان كل ما جرى حتى الآن يضع المنطقة الممتدة من شرق المتوسط إلى الخليجين العربي والفارسي على شفير حرب اقليمية كبرى تتعدى في شكلها ومجرياتها، إذا وقعت، ما شهدته «حرب غزة وغلافها». فكل المؤشرات تدفع في هذا الاتجاه ما لم تصل الحركة الديبلوماسية الى مبتغاها المُعلن عنه بحصر الحرب بما جرى حتى اليوم، ومنع امتداداتها الكبرى الى دول الجوار مخافة أن تتجاوز «حرب اوكرانيا» بأشواط بعيدة وهو ما يؤدي الى سلسلة من السيناريوهات الكبرى التي وضعت ما يجري في غزة وغلافها وكأنه نقطة ارتكاز لـ»زلزال صغير» ضربَ القطاع ومحيطه لتأتي «هزاته الارتدادية» الواسعة بأخطر ما نتج منه وما ادى اليه.

 

على هذه الخلفيات، تتعدد القراءات لما يجري على المستويات كافة، وان كان جنرالات الحرب قد تقدموا المشهد حتى الأمس القريب على حساب القادة الديبلوماسيين والسياسيين، فإنّ مثل هذا السباق مشروع ومنطقي قياساً على عدد من التجارب في أكثر من منطقة في العالم. ولذلك باتَ من الحكمة أن تبنى الرهانات الكبرى على الدعوات التي اطلقت لحصر الحرب ووضع حد لها على وقع سلسلة من المبادرات المعلن عنها وتلك التي يجري التداول بها في الخفاء على اعلى المستويات لفرض آلية تؤدي الى وقف دورة العنف وتضع المنخرطين فيها تحت سقوف محددة.

ولذلك، فإنّ هذه المراجع ربطت بين حديث وزير خارجية إيران حسين امير عبداللهيان عن مسعاه لوقف تدهور الوضع في المنطقة من دون ان ينفي الاستعدادات لدعم غزة، جاءت رداً على مواقف وزير الخارجية الاميركية أنتوني بلينكن الذي دعا الى حصر دائرة العنف في غزة وصولاً الى مرحلة يدعو فيها إسرائيل إلى وقف مجازرها ولتُنهي انتقامها من حجم ما خسرته في غلاف غزة تمهيداً للبحث في ما يمكن القيام به من خطوات نحو مسيرة الحل السلمي على اساس قيام الدولتين، إن كانَ الرئيس الاميركي ما زال يريد هذا الخيار.

 

 

وختاماً، إذا صحّت هذه السيناريوهات المتفائلة فإن الحديث عن إمكان العودة إلى «حل الدولتين» والتوجه الى الحل السلمي يُوازي، ولو بنسبة أقل، التوجّه الى حرب اقليمية ودولية. ولعل إصرار إسرائيل على اجتياح غزة يُنهي النقاش حول هذين الاحتمالين نهائياً لينتصر الدعاة الى الحرب.