IMLebanon

“الجمهورية”: العقوبات تُربِك الداخل.. أزمة الجبل في الإنعاش.. والموازنة الى المناقشة

  

ألقت العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الاميركية على رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، والنائب في الكتلة ذاتها أمين شري، والمسؤول الأمني في «حزب الله» وفيق صفا، عامل إرباك اضافي للمشهد اللبناني، يضاف الى الهشاشة التي يعانيها جرّاء افتقاده عنصر الاستقرار السياسي والاقتصادي وحتى الأمني. وما زاد من حدة الارتباك الداخلي هو الاحاديث السياسية والديبلوماسية التي توالت في الساعات الماضية، وتحدثت عن سيناريوهات لعقوبات أميركية جديدة في المدى المنظور.

 

لبنان الرسمي كان في موقع الاعتراض على الخطوة الاميركية، فرئيس الجمهورية أعرب عن أسفه حيالها، ورئيس المجلس النيابي اعتبرها اعتداء على المؤسسة التشريعية اللبنانية، فيما اكد رئيس الحكومة سعد الحريري صدور موقف في شأنها، الّا انّ اللافت للانتباه كان التزام «حزب الله» الصمت حيال هذه العقوبات، وعلمت «الجمهورية» انّ الرد الاساس قد يصدر اليوم عبر بيان لكتلة الوفاء للمقاومة بعد اجتماعها ظهراً، يُرفَد غداً بردّ مباشر من قبل الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله خلال إطلالته المسائية عبر قناة المنار.

 

وفي هذا السياق، علمت «الجمهورية» انّ مستويات رسمية لبنانية، تواصلت في الساعات الماضية مع جهات أميركية تردد انها في وزارة الخزانة الاميركية، للاستفسار عن الاجراءات التي اتخذتها تجاه «حزب الله»، وخصوصاً انها جاءت غير مسبوقة لشمولها نائبين في المجلس النيابي اللبناني.

 

وبحسب المعلومات فإنّ الموقف الاميركي الذي لمسته تلك المستويات كان ذا نبرة عالية، انطوى في مضمونه على دعوة اميركية مباشرة للحكومة اللبنانية لعزل «حزب الله» ومقاطعته. ومن دون ان يوضح الاميركيون موجبات هذه العقوبات في هذا التوقيت بالذات، ولماذا تطوّرت لتطال نائبين في مجلس النواب اللبناني، لَمّح الى انّ هذه الجرعة من العقوبات تندرج في سياق مسلسل من الاجراءات القاسية التي أعدتها الادارة الاميركية ضد الحزب للحد من نفوذه، والتي ستظهر تباعاً، بحسب التوقيت الاميركي.

 

وقد شكّل هذا الموقف تتمة لما أعلنه وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، من انّ «هذه العقوبات هي جزء من جهود واشنطن لمواجهة النفوذ الفاسد لـ»حزب الله» في لبنان».

 

وقال بومبيو: انّ واشنطن فرضت الثلثاء عقوبات على 3 مسؤولين سياسيين وأمنيين كبار في «حزب الله»، يستغلون مناصبهم لتسهيل الجهود الخبيثة التي تُمارس من قبل «حزب الله» والإيرانيين لتقويض سيادة لبنان.

 

واشار إلى أنّ «هذه العقوبات تبرهن أن أيّ تمييز بين الجناح العسكري والسياسي في «حزب الله» هو مصطنع تماماً، إنها حقيقة يعترف بها «حزب الله» بحدّ ذاته». وخَلص الى دعوة «جميع حلفائنا وشركائنا» إلى «إدراج «حزب الله» ككل كمنظمة إرهابية».

 

البحرين ترحّب

ولفت الانتباه تلقّف البحرين ايجاباً للعقوبات الاميركية ضد «حزب الله»، حيث رحّب وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة بخطوة الحكومة الأميركية إدراج قادة من «حزب الله» اللبناني على قوائم الارهاب، ومنهم نائبان في مجلس النواب اللبناني. واعتبر في تغريدة على حسابه في «تويتر» أمس، أنه «آن الأوان لتسمية الأمور بمسمياتها؛ فالعصابة تنتخب زعماءها كجناحها السياسي، وبقية أفرادها تحمل السلاح وتحفر الأنفاق وتهدد سلامة الدولة».

 

«الحزب» لم يتفاجأ

وكشفت مصادر في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لـ»الجمهورية» انها تلقّت قبل ايام قليلة معلومات من جهات ديبلوماسية غربية في واشنطن، تفيد بأنّ الادارة الاميركية بصَدد اتخاذ خطوات تصعيدية قريباً تجاه لبنان. وذلك في سياق برنامج العقوبات القاسية التي قررتها ادارة ترامب ضد ايران وامتداداتها في المنطقة، وعلى وجه التحديد «حزب الله» في لبنان، باعتباره يشكّل في نظر الادارة الاميركية عامل تهديد للاستقرار للبنان ولكل المنطقة.

 

الى ذلك، وفي موازاة صمت «حزب الله» حيال هذه العقوبات، علمت «الجمهورية» انّ خطوة العقوبات الاميركية الجديدة لم تفاجىء الحزب، بل تعاطى معها بخفة على اعتبار انها خطوة بمفاعيل فارغة تشبه الاتهامات المتتالية للحزب بالإتجار بالمخدرات، كما تشبه ما سبقها من خطوات اعتبرها الحزب على لسان أمينه العام بأنها غير ذات قيمة.

 

وعلمت «الجمهورية» من مصادر الوفد اللبناني الذي زار واشنطن قبل أشهر لبحث موضوع العقوبات الاميركية التي تردد آنذاك انّ الادارة الاميركية بصدد تحضيرها ضد اطراف في لبنان، انّ استهداف نواب «حزب الله» بالعقوبات المباشرة هو أمر محضّر من قبل الادارة الاميركية منذ وقت طويل، خصوصاً انّ القانون الذي جرى إعداده في هذا الصدد من قبل النواب الاميركيين، أشار بكل وضوح الى هذه المسألة حيث تمّ النَص فيه على أسماء قادة من «حزب الله»، واعضاء المجلس السياسي للحزب، اضافة الى أسماء نوابه.

 

وبحسب المصادر فإنّ ما يلفت الانتباه في الخطوة الاميركية ليس فقط تناول النائبين رعد وشري، بل ايضاً توقيتها في هذا الوقت بالذات، حيث أدّت الى مزيد من الارباك في الوضع الداخلي، الذي يشهد توتراً سياسياً أمنياً لم تنته فصوله بعد، يضاف الى الوضع الاقتصادي البالغ الصعوبة والتعقيد.

 

لبنان الرسمي

الى ذلك، أعرب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عن أسف لبنان «لهذه الإجراءات ولاستهداف نائبين منتخبين»، قائلاً إنه «سيلاحق الموضوع مع السلطات الأميركية المختصة ليبنى على الشيء مقتضاه». فيما رأى رئيس الحكومة سعد الحريري أنّ العقوبات الأميركية على «حزب الله» أخذت منحى جديداً، معتبراً انّ «القرار الأميركي لن يؤثر لا على المجلس النيابي ولا على العمل الذي نقوم به في مجلسي النواب والوزراء». امّا اللافت للانتباه فهو موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري العالي النبرة، حيث اعتبر الاجراءات الاميركية بحق النائبين رعد وشري بمثابة اعتداء على كل لبنان، وتساءل: «هل أصبحت الديمقراطية الأميركية تفترض وتفرض الاعتداءات على ديمقراطيات العالم؟». وطالب الاتحاد البرلماني الدولي بـ»اتخاذ الموقف اللازم من هذ التصرف اللامعقول».

 

لا تداعيات على المصارف

وفي السياق نفسه، كان الترقب سيّد الموقف داخلياً، مقروناً بتساؤلات قلقة عمّا بعد العقوبات، وهل ستليها جرعات مماثلة؟

 

واذا كانت موجة العقوبات الأميركية الجديدة قد أثارت البلبلة والتساؤلات في الاوساط السياسية، فإنّ الجانب الآخر من المخاطر يرتبط بتأثيرات هذه العقوبات المحتملة على القطاع المصرفي، وبالتالي على الانتظام المالي.

 

وقد طمأن رئيس منظمة «جوستيسيا الحقوقية» المحامي بول مرقص ان لا تداعيات على القطاع المصرفي لأنّ المصارف سبق وتحوّطت للأمر من خلال الامتناع عن فتح حسابات لاشخاص مصنفين في خانة «عالي المخاطر»، مؤكداً «التزام القطاع المصرفي بالعقوبات الدولية على نحو شامل وكامل، فالمصارف المحلية والمؤسسات المالية المحلية تحاذر التعامل مع المتنفّذين سياسياً وأمنياً، ومن الصعب أن تجد لهؤلاء حسابات أو أرصدة مصرفيّة».

 

وكشف لـ»الجمهورية» ان لا حسابات للمشمولين بالعقوبات الجديدة في اي مصرف لبناني. لكنه اشار الى انّ التداعيات قد تكون معنوية.

 

الجهود مستمرة

على الصعيد الحكومي، تواصلت الجهود في الساعات الماضية لحلّ على خطّين متوازيين، الاول إنهاء ذيول حادثة قبرشمون، والثاني إزالة العقبات السياسية من امام انعقاد جلسة مجلس الوزراء. ولفت امس الاجتماع بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورؤساء الحكومات السابقين، وأكدت مصادر المجتمعين التفافهم حول موقف رئيس الحكومة وسعيه الى إعادة إطلاق حكومته وإزالة اي عقبات تُعيق انعقادها.

 

وفي وقت توقعت مصادر وزارية قريبة من السراي الحكومي انعقاد مجلس الوزراء يوم السبت المقبل، إذا بلغت الامور الحلول المرجوّة، قالت مصادر وزارية مطّلعة على أجواء بعبدا لـ»الجمهورية»: انّ المنحى ما زال ايجابياً، وانّ ما هو مطروح للبحث بَدأ يتطور بغية الوصول الى مرحلة تأمين تسليم المتهمين بالمشاركة في عمليات إطلاق النار من الطرفين الى القضاء ليستكمل تحقيقاته، وتكوين صورة كاملة عمّا جرى للتثبّت من بعض الروايات المتداولة.

 

فإذا ثبت انّ هناك ما كان يهدّد السلم الأهلي او يثير الفتنة او محاولة اغتيال، يُصار الى إحالة الجريمة ومعها الموقوفين من كل الأطراف الى المجلس العدلي. اذ انّ مطلقي النار هم من الحزبَين، ولم يجر إطلاق النار من طرف واحد.

 

ولفتت المصادر الى انّ الوصول الى هذه المرحلة يشكّل نجاحاً للمفاوضات الجارية على اساس المبادرة التي أطلقها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وهي تعني الفصل نهائياً بين المسار القضائي والمسار الحكومي، فتعود جلسات مجلس الوزراء الى الانعقاد في اي وقت فور الانتهاء من هذه المراحل كما رسمت وكما يسوّق لها اللواء ابراهيم، الذي واصَل أمس جولاته فزار قصر بعبدا عصراً بعد زيارة صباحية الى مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان والنائب طلال ارسلان.

 

ساعات حاسمة

وعلمت «الجمهورية» انّ الساعات المقبلة حاسمة لجهة بلورة صيغة الاتفاق حول مخرج للمجلس العدلي، وانّ اجتماع أمس بين اللواء ابراهيم والنائب ارسلان، والذي وضع ابراهيم رئيس الجمهورية في أجوائه، حقّق تقدماً اضافياً لجهة تكريس التهدئة بغَضّ النظر عن التغريدات التي لم تخرج عن هذا السقف، والعمل يجري حالياً حول صيغة تنطلق من مبادرة الرئيس بري بحيث يترك قرار الإحالة الى المجلس العدلي الى ما بعد انتهاء التحقيقات، لكنّ النائب ارسلان رفض هذا الاقتراح خوفاً من تدخّل السياسة في نتائج التحقيق، فجرى التداول بصيغة مطمئنة لإرسلان بحيث يتولّى التحقيق فريق مستقلّ من أكثر من جهاز امني، واذا ما تم الاتفاق حوله، يقوم النائب وليد جنبلاط بزيارة الى بعبدا تليها زيارة للنائب ارسلان، ويتوّج الحل باجتماع بين الطرفين برعاية الرئيس عون. وهذا السيناريو الذي تضمنته مبادرة الرئيس بري يبقى رهن الاتفاق النهائي على صيغة الحل، على ان لا تطول مدة التفاوض لئلّا يتعرض لانتكاسة.

 

عون

في هذا الوقت، زار وزير شؤون المهجرين صالح الغريب بكركي والتقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، كما التقى رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.

 

وقال عضو تكتل لبنان القوي النائب الان عون لـ»الجمهورية»: إنّ للوزير للغريب الحقّ في أن يشرح لكلّ الأطراف وجهة نظره، ولا نرى مشكلة في زيارته لأي فريق من الأفرقاء السياسيين».

 

وعمّا اذا كانت هذه المسألة تستدعي إقفال أبواب «السراي الحكومي»، خصوصاً في ظل الوضع الإقتصادي المتردي؟ قال عون: «الكرة في ملعب الرئيس الحريري، لكنّ السؤال الحقيقي هو: هل نحن قادرون على الجلوس على طاولة مجلس الوزراء في هذا الجو المتفجّر بين مكونات الحكومة؟

 

وعن موقف التيار الوطني الحر تحديداً، من المشاركة أو عدمها، قال عون: نحن لم نقل إننا لن نُشارك في جلسات مجلس الوزراء، فليقدّر الحريري الوقت المناسب، ونحن جاهزون».

 

الموازنة الى المناقشة

على صعيد آخر، ومع إنهاء لجنة المال والموازنة أمس دَرس مشروع موازنة 2019، دعا بري الى جلسة نيابية لمناقشتها واقرارها في جلسة تعقد ايام الثلاثاء والأربعاء والخميس من الاسبوع المقبل.

 

كنعان

وفي هذا الاطار، قال رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ»الجمهورية»: هذا العمل الذي قامت به لجنة المال والموازنة يؤسّس لاستعادة الثقة جدياً في لبنان، فالرقابة البرلمانية، التي استمرت على مدى 25 يوماً نهاراً ومساء، أفضت الى تخفيضات في النفقات والاعتمادات التي تخصّ صناديق وهيئات ومؤسسات عامّة ناهزت الـ500 مليار ليرة، بالاضافة الى إقرار مواد قانونية تؤدي الى زيادة الايرادات وتعديلات بنيوية تتعلق بإجازة الاستدانة بحيث تمّ حصرها فقط بالعجز المرتقب، بالاضافة الى مواد اصلاحية أخرى جعلت من عملية ضبط العجز عملاً جدياً.

 

أضاف: الّا انّ ذلك ما يزال يحتاج الى أمرين، الاول التزام الحكومة بالتعديلات التي أجريناها في جلسة الهيئة العامة وعدم الالتفاف عليها من جديد كما حصل في السابق، والثاني احترام السقوف المالية والآليات القانونية الرقابية التي ادخلت الى حيّز التنفيذ من خلال الموازنة. فالعبرة دائماً هي في التنفيذ، ولا مصلحة على الاطلاق لعدم التقيّد هذه المرة بهذا الاصلاح، خاصة انّ اللجنة لم تحترم نسبة العجز التي توصّلت اليها الحكومة فحسب، إنما ذهبت أبعد بحيث خفّضتها بشكل ملحوظ.

 

وقال: أود ان أنوّه بالتعاون الذي تمّ مع وزارة المالية، وأثني على مواظبة النواب الكثيفة وغير المسبوقة في جلسات اللجنة، على ان يتم ترجمة هذا الجهد في الهيئة العامة.