IMLebanon

الجمهورية: الرئاسة خطوة الى الأمام… خطوة الى الوراء… والحاكمية على المحك

 

لم يطرأ أي جديد أمس على جبهة الاستحقاق الرئاسي، وبَدا انّ بعض الافرقاء المعنيين بهذا الاستحقاق يعيشون حالة انتظارية مترقبين حراكا عربيا ودوليا ما تأسيساً على اجواء القمة العربية الاخيرة ونتائجها، ومتجاهلين حَض القمة في بيانها الختامي السلطات اللبنانية على «مواصلة الجهود لانتخاب رئيس للبلاد، وتشكيل حكومة بأسرع وقت ممكن، وإجراء إصلاحات اقتصادية للخروج من الأزمة الخانقة». ولم يظهر أمس أي مؤشر على اي حراك من هذا النوع، في وقت التقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السفيرة الاميركية دوروثي شيا وعرض معها «الاوضاع العامة»، فيما زار السفير المصري ياسر علوي رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع «وقد جرى البحث في آخر التطورات السياسيّة خصوصاً لناحية الإستحقاق الرئاسي».

يَتسابق ملفا رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان على اولوية الاحداث إذ لا يقل احدهما اهمية عن الآخر، فانتخاب رئيس يعني بداية حل الازمة وانتهاء ولاية الحاكم تخفي مصيرا مجهولا لِحقبة تحتاج الى عرّافين لفك طلاسمها. وقال مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية» ان العد العكسي للملفّين المرتبطين بشكل وثيق بعضهما مع بعض قد بدأ، فمرحلة الشهرين دقيقة وخطيرة ولا شيء محسوماً على الاطلاق.

ويكشف المصدر انّ القوى السياسية الأساسية تبحث في سيناريوهات محتملة من دون ان تتّضح امامها الصورة، وهذا يعود اساساً الى الانقسام الحاصل وغياب الحوار وانكفاء الناظم الخارجي عن المشهد.
ويخشى المصدر من انه «في حال انتهاء ولاية الحاكم ولم يستطع مجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية فإنّ المرحلة ستصعب، خصوصاً ان سلامة يمسك بمفاتيح الخزانة ولم ولن يسلّم نسخة عنها لأحد حتى تحوّل الى ساحر المركزي بشبكته وشبكاته». واضاف المصدر: «في الحالة التي نحن فيها، اذا استمرت على ما هي عليه، سيكون حالنا «واللي شَبَكنا يخَلّصنا».
اما على صعيد الملف الرئاسي فيؤكد المصدر انّ استعدادات الثنائي الشيعي وحلفائه لجلسة انتخاب رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية قائمة، لكن الصورة لم تتضح بالنسبة الى الفريق الاخر الذي لم يتفق بعد على مرشح آخر، والتوقعات تتراوح بين تشكيل جبهة لطرح مرشح منافس، وهذا غير موجود حتى الان، او تأمين نصاب الـ٨٦ من جانب «القوات اللبنانية» او «التيار الوطني الحر» او الحزب التقدمي الاشتراكي في الدورتين الاولى والثانية لجلسة الانتخاب، وعندها يفوز فرنجية حتمًا. واشار المصدر الى «انّ الاكيد المُسَلّم به بين كل الاطراف السياسية هو ان لا جلسة تحدّ لأحد ولا رئيس تحد ضد اي فريق، وان الرئيس نبيه بري يدعو الى جلسة الانتخاب اذا كانت الظروف ملائمة والنصاب مؤمن للانتخاب».
وحتى أمس لم يظهر في الافق حتى الآن اي امكانية لحصول اتفاق بين «التيار الوطني الحر» والمعارضة على اسم مرشح يُنافس رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية الذي ترتفع حظوظ انتخابه يومياً، فما يصدر من مواقف عن الطرفين رغم بعض الايجابيات التي يعلنها هذا النائب او ذاك من المُشتغلين على الخط بين ميرنا الشالوحي ومعراب، لا يَشي بحصول اتفاق بين الطرفين حتى الآن، خصوصاً بعد تأكيد النائب ألان عون ان «التيار» يأخذ في الاعتبار عدم السير بأيّ مرشح لا يرتاح اليه الثنائي الشيعي مع حلفائه.

مرشح تصالحي
وفيما بقيت لغة رفض ترشيح فرنجية سائدة لدى فريقي التيار والمعارضة، قال رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد في خلال لقاء سياسي جنوباً لمناسبة عيد المقاومة والتحرير الذي يصادف غداً: «إننا ولشدّة وضوحنا في شأن الإستحقاق الرئاسي دَعَمنا مرشحا تصالحيا، (…) سمّينا شخصية مسيحية مارونية لا يطعن أحد في انتمائها المسيحي والماروني، وهو حفيد رئيس جمهورية سابق ومُتصالح، ليس فقط مع نفسه، بل حتى مع قتلة أهله، ويقول إنه منفتح ومتصالح مع الكل لبناء هذا البلد». وأضاف: «لقد رشّحنا من يشكل نافذة حوار مع خصومنا السياسيين لأننا حرصاء على الشراكة مع كل مكونات هذا البلد».
ودعا رعد «الآخرين إلى تسمية مرشحهم إذا لم يعجبهم هذا الإسم»، مُستدركاً القول: «لكن لا يوجد لديهم إسم، فهم باتوا يفتشون عن الإسم الذي يمكنهم الإتفاق عليه، فقط من أجل أن لا يسمّوا سليمان فرنجية، وليس لأنهم يريدون ذاك المرشح، بل يطرحونه من أجل عدم تسمية فرنجية، وهم حتى الآن لم يتفقوا على الأقل على إسم هذا المرشح». وقال: «انّ الوقت يضيق أمام الجميع، واننا نريد رئيساً وحرصاء على أن يكون هناك استحقاق رئاسي وأن ننتخب رئيس جمهورية يكون للجميع، وليس رئيساً يقول: لنا دولتنا ولكم دولتكم»، مشددا على أن «مِثل هذا الرئيس لن نسير به، لأننا نريد رئيساً لكل لبنان ولكل اللبنانيين».

عنق الحاكم
في غضون ذلك، ضاق حبل القضاء الدولي أكثر فأكثر حول عنق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع صدور مذكرة توقيف ألمانية في حقه، أضيفت الى تلك الفرنسية، فيما يمثل سلامة اليوم امام القضاء اللبناني الذي يبدو أن إيقاعه مختلف عن ذاك الأوروبي وليس في وارد توقيف «الحاكم» حتى إشعار آخر. وبينما شدّدت وزارة الخارجية الأميركية على أنه «من المهم أن تحترم الحكومة اللبنانية العملية القائمة لتعيين محافظ (حاكم) جديد لمصرف لبنان المركزي»، اعتبرت اوساط مواكِبة لملف سلامة ان الموقف الأميركي إنما «فسّر الماء بعد الجُهد بالماء»، مُستنتجة ان واشنطن مَدّدت الحماية لـ«الحاكم»، أقله حتى انتهاء ولايته، وربما الى ما بعدها.
وضِمن سياق متصل، أكدت مصادر قريبة من عين التينة ان رئيس مجلس النواب نبيه بري لا يزال عند موقفه الرافض تَسلّم النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري موقع الحاكمية في حال شغوره وتعذّر تعيين بديل عنه.
وسئل بري، وفق المصادر، عمّا اذا كان قراره يأتي في إطار الحَض على انتخاب رئيس الجمهورية ليكون شريكاً في اختيار الحاكم الجديد، فأجاب: «فسّروه كما تريدون».

الى قصر العدل
وعلى صعيد الاجراءات القضائية التي تقرّر مباشرتها في لبنان تجاوباً مع مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة عن قاضية التحقيق الفرنسية أود بيروزي في حَق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبعدما وصلت هذه المذكرة الى المدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات مُحالة اليه من وزير الداخلية القاضي بسام مولوي، أحالها على الفور إلى المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان طالباً الاستماع الى سلامة اليوم، تأسيساً على ما في هذا الملف من المعطيات والأسباب الموجبة التي أدت الى إصدارها.

خياران أمام عويدات
وفي الوقت الذي تبلّغ سلامة باستدعائه إلى قصر العدل بواسطة قسم المباحث الجنائية المركزية اليوم، رَد انه جاهز للحضور في التوقيت المحدد. وقالت مصادر قضائية مطلعة لـ«الجمهورية» ان امام عويدات خيارين لا ثالث لهما فور تَسلّمه مضمون التحقيق مع سلامة: إمّا ان يصدر قرارا بتوقيفه وهو امر مستبعد طالما انه ما زال في موقعه يمارس صلاحياته كحاكم للمصرف المركزي وحفاظاً على ما يشهده القطاع النقدي، او انه يقرّر منع سلامة من السفر وحجز جواز سفره في خطوةٍ متلازمة مع طلب محتويات الملف الفرنسي لاستكمال التحقيقات بالاستناد اليها.

مذكرة ألمانية
وتزامناً مع انطلاقة الإجراءات اللبنانية تجاوباً مع مذكرة التوقيف الصادرة في حق سلامة بناء لطلب القضاء الفرنسي، كشفت وكالة «رويترز» نقلاً عن مصدر قضائي الماني، انّ سلطات بلاده أبلغت الى لبنان شفهياً بصدور مذكرة توقيف ثانية في حق سلامة تتضمن مجموعة من التهم، ومنها «ارتكابات ترقى الى مرتبة الفساد والتزوير… وتبييض الأموال والاختلاس»، ولم يتسنّ على الفور للوكالة الوصول إلى أي شخص في النيابة الفيدرالية الألمانية للتعليق، وفق الوكالة التي ذكرت «ان سلامة كان قد نفى ارتكاب أي مخالفة».

وفي موازاة تأكيد مصدر قضائي ان لبنان لم يتبلّغ بعد بأي إجراء الماني، قالت مصادر قضائية لـ»الجمهورية» ان مثل هذه المذكرة منطقية وواقعية متى وصلت، فـ»لالمانيا الحَق في الادعاء لأنّ السلطات الالمانية تحقق في تهم مماثلة موجهة الى سلامة نتيجة دخول أموال اليها بطريقة وصفتها بأنها «ملتبسة» وتستحق البحث عن مصادرها، وان القضاء الالماني يواصل تحقيقاته في موازاة التحقيق الفرنسي».
ولفتَ المصدر إلى انّ فريقا قضائيا ألمانيا كان يشارك في جانب من التحقيقات التي أُجريت في بيروت الشهر الماضي الى جانب القاضية بوريزي في بيروت، وقد تكون الخطوة الالمانية واحدة من تلك التي كانت متوقعة من دول اوروبية متعاونة في التحقيقات بهدف توحيد «ملف التحقيق الأوروبي المفتوح» في نحو خمس دول أوروبية في حق سلامة.

مساعدو سلامة
وفي خطوة طاوَلت معاوني سلامة تجاوباً مع الطلب الفرنسي بالاستماع الى كل من رجا سلامة وماريان الحويك، عادت أوراق تبليغهما إلى الجلسة الفرنسيّة للتّحقيق معهما في 31 ايار الجاري بالنسبة إلى رجا و١٣ حزيران بالنسبة إلى الحويك إلى قاضي التّحقيق الأوّل في بيروت بالإنابة شربل أبي سمرا مع إتمام التبليغين. ورجّحت مصادر قضائية لبنانية أن سلامة والحويك سيمثلان أمام قاضية التحقيق الفرنسية في الموعد المحدد لكل منهما.

حجز أملاك

الى ذلك نقلت وكالة «فرانس برس» امس، عن مصادر مطلعة على ملف سلامة، ان محكمة الاستئناف في باريس ستصدر في 4 تموز المقبل قرارها بشأن قانونية عملية الحجز على أصول عقارية وأموال لسلامة في أوروبا.
وذكرت الوكالة ان غرفة التحقيق في محكمة الاستئناف بباريس تدرس طلبات إبطال تقدّم بها فريق الدفاع عن سلامة حيال أكثر من 10 عمليات حجز قامت بها فرنسا على أصول وممتلكات تقدّر قيمتها بعشرات الملايين من اليورو، وتشمل شققاً في مناطق راقية من العاصمة كالدائرة السادسة عشرة وجادة الشانزيليزيه، وأخرى في بريطانيا وبلجيكا، وحسابات مصرفية.
وبحسب مصادر مطلعة على الملف، طلبت النيابة العامة امس تأكيد عمليات الحجز هذه. ووفق معطيات اطلعت عليها وكالة «فرانس برس»، تخشى النيابة العامة أن تحرم فرنسا من «كل مجال للمصادرة» في حال دانَ القضاء سلامة يوماً ما.
وأوضح أحد المعنيين بالملف انّ المصادرة هي «عصب» المواجهة مع سلامة، بينما رأى مصدر آخر أن «استهداف رصيد» سلامة من الممتلكات والأصول يعدّ «الخطوة الأساسية الملموسة الممكنة في هذا الملف» في ظل رَفض لبنان تسليم مواطنيه المطلوبين للعدالة من دول أجنبية ويطلب محاكمتهم على أراضيه.

المرصد الأوروبي
وأشار «المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان» الى انّ «اصدار الادعاء الألماني مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو رسالة، وعلى القضاة والسياسيين ان يتلقّفوها وان يُصار الى اقالته من منصبه، وإلا فعلى لبنان أن يتحمّل النتائج». ولفت الى أن «قضية توقف المصارف المراسلة عن التعامل مع لبنان في حال بقاء سلامة جدّية وتَبِعاتها خطيرة على لبنان، أهمها عدم إمكانية فتح اعتمادات وعدم امكانية الاستيراد وغيرها»، وتساءلَ عن «المنحى الذي يأخذه سياسيّو لبنان، أهم خائفون على أنفسهم أم على البلد؟».