IMLebanon

الجمهورية: أزمة الإقتصاد تبلغ الذروة .. ودياب متمسّــك بـ«التكنوقراط»

يوماً بعد يوم، يتفاعل ابتلاء اللبنانيين بطبقة فاشلة من السياسيّين، ضُبطت بالجرم المشهود في إصرارها على ارتكاب جريمة إسقاط لبنان ومحوه من خريطة الوجود كوطن، وإفقاده مناعته وحصانته وصفة الدولة الراعية لمواطنيها، وإبعاده مسافات زمنية حتى عن مصاف الدول الأكثر فقراً وتخلّفاً في العالم.

وأمام هذا الواقع، يلوّح الحراك الشعبي بالتصعيد، وتنظيم تحرّكات احتجاجية واسعة هذا الأسبوع في بيروت والمناطق، تحت عنوان «أسبوع الغضب» في مواجهة هذه الطبقة السياسية، وتجاهلها صراخ اللبنانيين وأوجاعهم المتزايد على مدار الساعة. فيما مسار تأليف الحكومة الجديدة معقّد بالكامل. وانحدر الخلاف ، على ما كشفت مصادر سياسية موثوقة لـ»الجمهورية» إلى حدّ مبادرة بعض المطابخ في بعض المقرّات الرسمية إلى محاولة البحث عن مخارج واجتهادات دستورية لإنهاء تكليف حسّان دياب، لاستخدامها فيما لو اقتضت الضرورة الذهاب الى هذا الحدّ.
الى هذا الحدّ وأكثر، انحدر حال البلد؛ كلّ اللبنانيّين دُفعوا قهراً وقسراً الى حافة هاوية، وباتوا ينتظرون هبّة ريح خفيفة ليسقطوا في مجهول كارثي، وهذا الشعور بالخوف يُعبَّر عنه في كلّ بيت، وفي الفوضى العارمة التي تضرب البلد؛ فوضى أشبه بسلاح دمار شامل، يفتك بالاقتصاد والمعيشة، وبالليرة أمام دولار محلّق صعوداً بلا ضوابط، ويحيي شبح الجوع ويفقد الأمان ويشرّع الباب واسعاً امام فلتان اللصوص والسرقات والتشليح وعمليات القتل.

 

وفي المقابل، مسرحيّة سياسية سوداء، يتصارع في المحتكمون والمتسلطون، ليس على جنس الملائكة، بل على جنس الشياطين من طينة السياسيين الذين قدّموا نماذج فاضحة في الأداء المستهتر بالبلد وما آل اليه حاله، وفي النسف المتعمّد لأسس الدولة، وفي تقديم أبشع الصور المخجلة عن لبنان أمام العالم كلّه، دون أن يرفّ لهم جفن او يتحرّك لديهم حسّ بالمسؤولية امام الكارثة التي تتهدد لبنان من أقصاه الى أدناه. وحكومة تصريف الأعمال غائبة عن الوعي، لا تقوم سوى بتمرير منافع وصفقات، وقبض الرواتب والمخصصات لكلّ أعضائها!

 

المشهد

حجم الصورة المأساوية للواقع اللبناني، بات أكبر من أن يُحتوى، المشهد الحياتي أقلّ ما يقال فيه أنّه لم يعد يطاق؛ صار المواطن يشعر بثقل الايام المقبلة، وترتسم في مخيّلته، منذ الآن، المشاهد القاتمة التي تنتظره. خصوصاً وانّ معالم الكارثة قد بدأت ترتسم من خلال المؤشرات والحقائق التالية:

– أولاً، المواد الاستهلاكية تتضاءل، ولن يطول الامر اكثر من شهر أو شهرين على الأكثر حتى تختفي من المتاجر لائحة طويلة من المواد الحيوية، من ضمنها موادّ غذائية أساسية.

– ثانياً، سعر صرف الدولار يرتفع بشكل يومي، وهو يبدو بلا سقف. وكذلك اسعار السلع، وتآكل القدرة الشرائية للمواطن.

– ثالثاً، المؤسسات تغلق تباعاً. وكما كان معروفاً قبل نهاية العام 2019، انّ قسماً كبيراً من المؤسسات تنتظر حتى مطلع 2020 لتتخذ قرارها. وقد بدأت طلائع قرارات الإقفال في الظهور، وستكون اللائحة طويلة وكارثية على الناس. وسيرتفع منسوب الفقر والعوز والبطالة.

– رابعاً، الكارثة الصحية حلّت تقريباً، وصار الدخول الى المستشفى مغامرة غير محسوبة النتائج، لأنّ المستلزمات الطبية نفدت بقسم كبير منها، وباتت المستشفيات عاجزة عن إجراء انواع كثيرة من العمليات الجراحية.

– خامساً، الخدمات الأساسية وفي مقدمها الكهرباء تضمحلّ. وبدلاً من الـ24 ساعة الموعودة، سيشهد البلد تقنيناً إضافياً قد يزداد في حال ارتفع سعر النفط اكثر.

– سادساً، المدارس تعاني ضائقة مالية مرتبطة بعجز قسم كبير من الأهل عن تسديد أقساط أولادهم. وهناك من يؤكد أنّ عدداً من المدارس الخاصة ستُضطر الى إغلاق ابوابها في العام المقبل.

– سابعاً، الإجراءات الظالمة في البنوك مستمرة، وقلق الناس على مدّخراتها مُبرّر، ولا تطمينات حقيقية تخفّف من المعاناة.

– ثامناً، كلّ يوم يسمع اللبناني مصيبة على وشك الحصول. مرة تظهر مؤشرات أزمة محروقات، وغشّ في العدادات، ومرة أخرى أزمة رغيف، وبعدها أزمة غاز، ومؤخراً أزمة انقطاع الانترنت…

– تاسعاً، الطرقات تطوف، حوادث الطرق بسبب إهمال البنية التحتية ترتفع، جرائم السرقة والاعتداءات تتزايد، وكذلك حوادث الانتحار بسبب الضائقة المالية.

– عاشراً، لا يشعر المواطن بوجود مسؤول مُدرك للمصيبة التي حلّت بالبلد، ولا تزال الطبقة السياسية في معظمها تتصرّف وكأنّ البلد في ألف خير.

في إطار هذه الصورة السوداء، يبدو الوضع مفتوحاً على كارثة اقتصادية ومالية واجتماعية مكتملة العناصر، فيما السلطة غائبة بشكل تام، وكأنّ لا سلطة، والدولة ماضية على طريقة «ماشية والرب راعيها» .

 

البحث عن مخارج

سياسياً، الجمود هو السيّد على مسار التأليف، ويبدو جلياً انّ الطاقم السياسي المعني به، قد أنجز نصب متاريسه على جبهة الاستحقاق الحكومي، وأظهر كلّ طرف مكنوناته.

وقالت مصادر مطلعة على مسار مفاوضات تأليف الحكومة لـ»الجمهورية»: هناك مشاكل جوهرية طرأت على تأليف الحكومة، إلّا أنّ الامور لم تنحدر بعد الى مربع اللاعودة».

واعتبرت «أنّ التعثّر الذي يندرج في اطار تحسين الشروط او محاولة الاستفادة من الظروف المتغيرة هو طبيعي خصوصاً في غياب الثقة بين الأفرقاء والرئيس المكلّف اذ يعتبرونه يتصرف وكأنّهم ضعفاء، ويبني على انّهم يحتاجون اليه، وأنّه خشبة الخلاص وأنّهم فاشلون ومرفوضون فيما الامور ليست أبداً على هذه الصورة.

وكشفت المصادر انّ الرئيس المكلف حسّان دياب كان يلمح اليهم في كلّ مرة انّ المعايير التي يضعها هي لضمان دعم الخارج للبنان وخصوصاً الخليجيين من خلال اجتماعات مع سفرائهم او موفدين بالسرّ بينما يكتشفون في الممارسة انّ شيئاً من الشخصنة تحكم التفاوض».

ولم تنفِ المصادر مبادرة بعض رجال القانون المقربين من مستويات رفيعة في الدولة الى البحث عن مخارج دستورية لإنهاء تكليف دياب، إلّا انّها اصطدمت بانعدامها في ظلّ نصّ دستوري يحصن التكليف بمهلة زمنية مفتوحة، وقالت: استمرار الحال على ما هو عليه من انسداد، قد يؤدي الى الذهاب نحو مخرج وحيد، أي عبر قبول تشكيلة حكومية يقدّمها دياب، ومن ثمّ الذهاب بها الى المجلس النيابي الذي يمنحها الثقة أو يحجبها عنها.

 

دياب

في المقابل، وعلى ما تفيد الأجواء المحيطة بالرئيس المكلّف «يدرك حجم الهجمة المتعدّدة الاتجاهات عليه، ومع ذلك، ما زال يعتبر حكومة التكنوقراط هي الوصفة الملائمة للوضع الحالي انسجاماً مع قناعته التي عبّر عنها في اللحظة التي كلّف فيها، وسيستكمل اتصالاته وصولاً الى تشكيل حكومة تكنوقراط، أكد عليها في بيانه الأخير، بأن تكون حكومة مصغّرة تؤمّن حماية اللبنانيين ولديها مهمة محدّدة عنوانها إنقاذ لبنان».

وبحسب المحيطين فإنّ الكرة ليست في مرماه، بل في مرمى سائر الأطراف التي تسعى الى أن تحرّف تشكيل الحكومة في اتجاه آخر.

 

عون

يتزامن كلام دياب، مع حال من الفتور في العلاقة مع الفريق الذي كلّفه تشكيل الحكومة، وخصوصاً مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وايضاً مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي. والتيّار الوطنيّ الحرّ الذي قد يعلن اليوم موقفاً، وُصف بالنوعيّ حول الملف الحكومي – ربما إعلان عدم المشاركة – على لسان رئيسه الوزير جبران باسيل.

وعلى ما ينقل مطّلعون على موقف رئيس الجمهورية فإنّ عون « أصبح يميل الى عدم التمسّك بدياب، وانّ استمرار دعمه له مشروط بالتفاهم على نهج مختلف من التأليف الى المضمون»، وبحسب هؤلاء فإنّ لدى عون حلولاً بديلة عن دياب، إلّا انّها لا تلحظ تسمية الرئيس سعد الحريري ( الذي أفيد بأنّه سيعود اليوم الى بيروت من عمان التي وصل اليها من باريس أمس لتقديم واجب العزاء بالسلطان قابوس بن سعيد وتقديم التهاني للسلطان الجديد).

وإذ شدّدت أوساط عون على «انّ الحكومة المقبلة لن تكون في كلّ الأحوال حكومة مواجهة أو لون واحد». قالت ردّاً على سؤال حول تأكيد دياب بأنّه ليس في وارد الاعتذار: لا يمكن للرئيس المكلّف ان يتمسك بالتكليف اذا تبين له انّ القوى الاساسية التي سمّته تخلت مجتمعة عنه».

 

«التيّار»

يتقاطع الكلام الرئاسي مع كلام بالمعنى نفسه في أوساط التيّار الوطنيّ الحرّ، ويفيد باعتراض واضح على حكومة تكنوقراط، وبالتمسّك بحكومة سياسية مطعمة باختصاصيين تكون قادرة على مواجهة التحديات في ظلّ الوضع الإقليمي المتوتر.

ويؤخذ في أوساط التيّار على الرئيس المكلّف ما يسمّونه «تودّده» نحو الحراك الشعبي، ولكن من دون أن يلقى استجابة يريدها، كما يؤخذ عليه إصراره على توزير شخصيات وصفها إعلام التيّار بأنّها «أسماء ووجوه عفا عليها الزمن وطواها النسيان ومحتها الأيام من لوح ذاكرة اللبنانيين، لأنّها اصلاً لم تنجز ما يحفظها في الذاكرة والدنيا والآخرة».

وردّاً على سؤال حول ما يُحكى عن عدم مشاركة التيّار في الحكومة، قالت أوساط التيّار لـ»الجمهورية»: فلننتظر الموقف الذي سيصدر اليوم عن تكتل لبنان القوي.

 

السلك الديبلوماسي

على صعيد آخر، يتحدث الرئيس عون اليوم امام السلك الدبلوماسي في لبنان، ويتناول ثلاثة عناوين، حيث سيتناول في العنوان الاول الجهود المبذولة لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتلك النقدية مستذكراً الجهود التي أدّت الى وضع الورقة الاقتصادية التي أُقرّت في سلسلة اجتماعات بعبدا قبل استقالة رئيس الحكومة في 29 تشرين الأول الماضي والتي جُمّدت بسببها.

وفي العنوان الثاني سيتناول عون الملف الحكومي والتطورات التي بلغتها عملية التأليف على وقع الانتفاضة الشعبية مشدّداً على أهمية التجاوب مع ما يؤدي الى استعادة الثقة بالدولة ومؤسساتها مجدِّداً الدعوة الى حكومة قادرة على مواجهة الاستحقاقات التي يواجهها لبنان وتلك المرتقبة.

وفي العنوان الثالث سيتناول رئيس الجمهورية التطورات الإقليمية انطلاقاً من موقفه الثابت من الأزمة السورية ومستجدّاتها وصولاً الى جديد الوضع في العراق وعملية اغتيال قاسم سليماني وتردّداتها المحتملة على لبنان والمنطقة والعالم.

 

بّري

بدوره، كرّر الرئيس برّي التأكيد على تشكيل حكومة تكنوسياسية. تحارب الفساد وتنقذ البلد، لافتاً الى أنّ فرصة الإنقاذ ما زالت مُتاحة، وقال: أعطونا حكومة وسترون كيف يُنقذ البلد إذ أنّ «50% من أسباب الازمة الاقتصادية سياسية صرف، وقد مررنا بأزمات أكبر وتجاوزناها والأزمة الاقتصادية لم يعشها لبنان منذ العام 1914».

ولفت برّي امام وفد نقابة الصحافة الى انّ «الرئيس المكلّف وضع شروطاً لنفسه لم تكن مطلوبة منه مما صعّب عليه عملية التشكيل». وقال أنّه»مع السير بحكومة بأسرع وقت ممكن وكتلتنا ستصوّت لها، ولكن ليس من الضروري أن أشارك فيها».

وردّاً على سؤال قال برّي: أنا سأؤيد دياب، لكنني في الوقت نفسه لا أريد له أن يقيّدني ويقيّد نفسه، فإذا كان لا يريد أن يمشي معي فأنا سأمشي معه».

 

«المستقبل»

في هذا الوقت، عُلم أنّ كتلة تيار المستقبل ستعقد اجتماعاً موسّعاً اليوم برئاسة الرئيس سعد الحريري وحضور أعضائها الحاليين والسابقين، وبحسب مصادر المستقبل، انّ الاجتماع الذي سيعقبه غداء في بيت الوسط، مخصص لإجراء تقييم شامل للمرحلة، والخروج بموقف من كلّ التطورات التي حصلت في الآونة الأخيرة داخلياً على المستويات الحكومية والاقتصادية والمالية، أو على المستوى الإقليمي في ظل التوتر الأميركي الإيراني.

وردّاً على سؤال حول دعوة الأعضاء السابقين الى الاجتماع، قال بعضهم لـ»الجمهورية»: هذه الدعوة بمثابة استدعاء الاحتياط.

 

قائد الجيش

من جهة ثانية، أكّد قائد الجيش العماد جوزف عون، خلال تفقّده أمس، قيادة فوج التدخل السادس في منطقة رياق أنّ «ما يقوم به الجيش في هذه المرحلة هو عمل دقيق خصوصاً في ظلّ الأزمة التي تمرّ بها البلاد، والتي تترافق مع توترات في عدد من المناطق، لافتاً الى أنّ تعامل الجيش مع المدنيين ينطلق من قناعة المؤسسة العسكرية بحقّ التظاهر وحرية التعبير عن الرأي. لكن هذا الأمر لا يعني على الإطلاق التساهل مع أيّ مخلّ بالأمن أو أيّ تصرّفات منافية للأخلاق أو أيّ عمليات قطع طرق، وسيأتي يوم أَقَلّ ما يقال فيه إنّ الجيش قد أنقذ لبنان».