IMLebanon

“الجمهورية”: ترامب يتصل بعون… والفاجعة تعمّق الإنــقسام..

48 ساعة، يُفترض انّها فاصلة عن لحظة الحقيقة المنتظرة التي تميط اللثام عن السبب الذي ادّى الى الكارثة التي دمّرت مرفأ بيروت، ونكبت كل المناطق المحيطة به، وذهب ضحيّتها ما يزيد عن 5 آلاف بين شهيد وجريح ومفقود.

 

ومساء، برز تطوّر لافت، حيث تلقّى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب قدّم خلاله تعازيه والشعب الأميركي بضحايا الإنفجار الذي وقع في مرفأ بيروت، مؤكداً وقوفه الى جانب لبنان في هذه الظروف. وإن مساعدات عاجلة سترسل الى لبنان للتضامن مع شعبه.

 

وأكد ترامب لعون أنه سيشارك في مؤتمر باريس الذي دعا اليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعم لبنان وتقديم مساعدات عاجلة له.

الحقيقة!

 

بالتأكيد، انّ انبلاج الحقيقة التي يُفترض ان تقدّمها لجنة التحقيق واضحة لا تشوبها شائبة، لن تعوّض الخسائر الكارثية التي خلّفها هذا الزلزال، ولا الارواح البشرية التي ازهقها، ولا اجساد الجرحى ولا البيوت والمؤسسات وجنى عمر الناس، التي اضحت دماراً ورماداً، الّا انّها مطلوبة لتحديد «المجرمين» في اي موقع كانوا، ومعاقبتهم على «جريمة العصر» التي ارتكبوها بحق بيروت ولبنان وكل اللبنانيين، بالتكافل والتضامن والشراكة الكاملة، مع منظومة السلطة وما يتفرّع عنها من محميات فساد ومغاور لصوص ومرابع واوكار، لفاقدي الانسانية والاخلاق.

 

بالأمس، اعطى التحقيق اشارة بأنّه توصّل الى شيء ما، حينما امر بتجميد حسابات موظفين حاليين وسابقين، لهم ارتباط وظيفي بمرفأ بيروت، وبتوقيف آخرين. والسؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال؛ هل سيُكتفى بذلك، ام انّ حبل التوقيفات سيشدّ على رقاب مستويات رفيعة على صلة بهؤلاء، كانوا في موقع المسؤولية او لا يزالون فيها؟

 

الحقيقة التي تطلبها بيروت، بشهدائها وجرحاها وركام بيوتها ومؤسساتها المدمّرة، ينبغي ان تكون صارخة، لا بل ناصعة في صدقيتها، تبدّد الغموض الذي ما زال يكتنف الانفجار وسببه او اسبابه او مسببيه، وتقدّم اثباتات لا تقبل ادنى شك فيها، حول السبب الحقيقي، سواء اكان ناجماً عن احتكاك كهربائي كما قيل، او عن حريق عرضي، او عن حريق بفعل فاعل، او عمل عدواني بعبوة ناسفة، او بهجوم خفي، بطائرة او بصاروخ او بجسم متفجّر؟ وذلك يتطلب بالدرجة الاولى امتلاك لجنة التحقيق الحقيقة العلمية لما كان يحتوي عليه العنبر 12، والتي تحدّد ماهية الانفجار، أكان من داخل العنبر او خارجه، وهذا ما يفترض أن يؤكّده خبراء عسكريّون مختصون، وخبراء في علم الكيميائيات وتفاعلاتها، فهل هؤلاء الخبراء موجودون؟ وهل ستطلب اللجنة منحها مزيداً من الوقت؟ وهل ستطلب الاستعانة بخبراء ومختصين من الدول الصديقة والشقيقة؟

 

التحقيق

 

وفيما استمرت التحقيقات في انفجار المرفأ، سألت «الجمهورية» مرجعاً امنياً حول مسار التحقيق، فرفض الدخول في اي تفصيل، واكتفى بالقول: «التحقيق يجري على كل المستويات، مع موظفين مدنيين وغير مدنيين، ووفق ما هو مرسوم، وهناك امور كثيرة اصبحت في ايدي المحققين، والنتائج ستظهر قريبا جداً».

 

ورداً على سؤال عمّا اذا كان التوقيف سيطال رؤوساً كبيرة حتى سياسيين، ان ثبت تورطهم، اكّد المرجع : «لا توجد خيمة فوق أحد».

 

وأفيد مساء امس، عن توقيف المدير العام للجمارك بدري ضاهر في ملف تفجير مرفأ بيروت بعد التحقيق معه من قِبل القاضي غسان الخوري وبإشراف من المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات.

 

وسألت «الجمهورية» وزير المالية غازي وزني حول التوقيفات فقال: «ما حصل كبير جدًا، ولا غطاء على أحد مهما كان حجمه او موقعه، وكل متورط يجب ان يحاسب». واشار الى انّه سيتم التدقيق المالي في حسابات كل الموقوفين.

 

اكثر من 20 موقوفاً

 

الى ذلك، افيد بأنّ عدد الموقوفين في تزايد مستمر وفاق امس الـ20 موقوفاً. وفي المعلومات، انّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي استمع الى المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي وآخرين حول كيفية وصول الباخرة «روسوس» الى لبنان وإنزال البضائع منها وتخزينها، وكذلك حول المسؤول عن التخزين والمراسلات، التي جرت بين الجمارك وبين جهات قضائية وغير قضائية.

 

وفي خلاصة اولية لهذه التحقيقات، يتبيّن انّ جميع المعنيين بأمر باخرة «روسوس» كانوا على علم بخطورة مواد «نيترات الامونيوم» التي كانت تحملها. خصوصاً بعدما فحص الجيش نسبة الآزوت فيها، وتبيّن انّها تبلغ 34,7 في المئة، وهي نسبة خطيرة جداً، في حين يجب ان تكون فقط 11 في المئة.

 

وعُقد امس اجتماع بين فريق خبراء التحقيق الفرنسيين والمدّعي العام التمييزي، للاطلاع على سير التحقيقات وخطة العمل. ويأتي ذلك في وقت افيد فيه بأنّ مفرقعات نارية كانت موجودة ايضاً في العنبر 12 حيث كانت «نيترات الامونيوم» مخزّنة.

 

الإنتربول

 

الى ذلك، أعلن الانتربول عن إرسال فريق خبراء دوليين مختصين في تحديد هوية الضحايا إلى موقع انفجار بيروت بطلب من السلطات اللبنانية.

 

الاستقالة واردة

 

علمت «الجمهورية» أن المكتب السياسي لحزب الكتائب سيجتمع اليوم وسيكون موضوع استقالة نواب الحزب من البرلمان على طاولة البحث.

 

وفي هذا الإطار، قالت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد: «انّ استقالتها من الحكومة واردة في اي لحظة في حال عدم التمكن من تحصيل حقوق المواطنين، وإذا لم يصل التحقيق المحلي إلى نتيجة في 5 ايام، فسنطرح قضية التحقيق الدولي على مجلس الوزراء».

 

حذار اللفلفة

 

لقد ضُربت بيروت في 4 آب 2020، بشبه قنبلة نووية نكبت العاصمة ودمّرت المرفأ ومحت معالم مناطق بأكملها، وستُضرب بما يعادلها، وربما اكثر، إن جاءت الحقيقة المنتظرة مبتورة او منقوصة، او غامضة قابلة للتأويل، او مستبطنة لمنحى اللفلفة والاكتفاء بالتضحية ببعض الرؤوس الصغيرة وحصر المسؤولية فيها، دون ملامسة الرؤوس الكبيرة التي كانت او لا تزال في موقع المسؤولية.

 

ولعلّ اللافت في هذا السياق، ما اعلنه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، من انّ «التحقيق يرتكز على 3 مستويات، اولاً على كيفية دخول هذه المواد المتفجرة وتخزينها في العنبر رقم 12، والثاني، ما اذا كان الانفجار نتج بسبب الاهمال او حادث قضاء وقدر، والثالث، هو احتمال ان يكون هناك تدخّل خارجي ادّى الى وقوع هذا الحادث».

 

وقال عون: «لن يكون هناك اي غطاء لكل من تورط في انفجار مرفأ بيروت، وانّ ابواب المحاكم ستكون مفتوحة امام الكبار والصغار، ولا احد يستطيع ان يمنعني من كشف الحقائق»، رافعاً في الوقت نفسه شعار «بيروت ستعود اجمل مما كانت»، ومعلناً انّ هناك مساعدات دولية ذات قيمة ستصل الى لبنان، وانّ مخطط اعادة الاعمار في طريقه الى التنفيذ».

 

المعارضة

 

وبرغم كل ذلك، فإنّ السلطة في نظر المعارضة متهمة من رأسها الى اسفلها وبكل اجهزتها السياسية والامنية والقضائية، ومن هنا تتعالى المطالبات من «القوات اللبنانية» و»تيار المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» بلجنة تحقيق دولية في الانفجار.

 

ولفت في هذا السياق، التشكيك المسبق بنتائج التحقيق، وتجلّى ذلك في ما كتبه عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل ابو فاعور امس: «عملية اخفاء الجريمة بدأت، قاضٍ يُحسب على رئيس الجمهورية تجب حمايته، وموظف محسوب على رئيس الحكومة تجب حمايته، بعض القضاة متورط من رأسه حتى اخمص قدميه وبدأت عملية اخفاء الملفات وحماية المتورطين».

 

نصرالله

 

الى ذلك، وصف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله انفجار المرفأ بالفاجعة والمأساة، معرباً عن تضامنه مع المتضررين وعائلات الشهداء والجرحى والمفقودين. منتقداً بعض وسائل الاعلام المحلية والعربية التي حرّضت على الحزب واستبقت التحقيق، بمحاولاتها ربطه بالانفجار.

 

واكّد نصرالله أنّ «في هذا الأمر ظلماً وتجنياً وقلباً للحقائق». وقال: «انني أنفي نفياً قاطعاً مطلقاً أن لا شيء يعود لنا في المرفأ والتحقيق سيثبت ذلك، وانّ القول بأنّ «حزب الله» يتحمّل المسؤولية لأنّه يتحكّم بالمرفأ هو كذب، نحن لا ندير ولا نسيطر ولا نتحكّم بالمرفأ ولا نعرف ماذا يوجد فيه».

 

ولفت الى انّ «التحقيقات جارية والحقائق يفترض ان تظهر سريعاً، والتحقيق الجنائي والأمني يمكن أن يحدّد الموجودات في المخزن وطبيعة المواد وكيف حصلت عملية التفجير. وهذا الأمر لا يحتاج الى وقت طويل، وعندما تظهر الحقائق أتمنى من الرأي العام في مختلف المناطق أن يحاكم وجدانياً هذه المحطات وأن يحكم عليها ويقاطعها لأنّها محطات كاذبة».

 

الى ذلك، قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لقناة «العربية»: لا أعتقد أنّ «حزب الله» لم يكن عنده علم بالشحنة الخطيرة في المرفأ ونصرّ على أن يكون هناك تحقيق لبناني – دولي».

 

هول الفاجعة

 

مع كل يوم يتكشّف هول الفاجعة أكثر فأكثر، عدد الشهداء أصبح على مشارف الـ160، ولا أثر لعشرات المفقودين، كما انّ المواطنين المنكوبين يلملمون ما تبقّى من جنى عمرهم المدمّر، وفي العين دمعة وفي القلب حسرة، وفي اليد خواء لا يعوّض رزقاً صار مفقوداً. فيما جسور المساعدات الخارجية تنقل الى لبنان دعم الاشقاء والاصدقاء، الذي على أهميته، لا يكفي لسد زاوية من الدمار الشامل الذي لحق ببيروت وأهلها.

 

يُشار في هذا السياق الى أنّ مجموعة الدول المانحة ستجتمع غداً عبر الفيديو لبحث الوضع في لبنان. وأعلن رئيس المجلس الاوروبي شارل ميشال عن زيارة له اليوم الى بيروت التي يصلها اليوم ايضاً الامين العام لجامعة الدول العربية، وكذلك وفد تركي رسمي رفيع تواكب مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من انّ تركيا ستقف الى جانب لبنان وشعبه بكل ما تملك، فيما توالت المساعدات بالوصول من الدول العربية وتحديداً من السعودية، إضافة الى مساعدات اميركية اعلنت السفارة الاميركية في بيروت انها بلغت ما يزيد عن 17 مليون دولار، وطلبت منظمة الصحة 15 مليون دولار للاحتياجات الطارئة بعد انفجار بيروت، فيما أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمجلس الأمن الروسي عن «نية موسكو تقديم المزيد من الدعم إلى لبنان». وقال: «إنفجار بيروت حادثة مأساوية»، منوّهاً بأنّ «مجموعة تم تشكيلها من عناصر وزارتي الطوارئ والصحة الروسيتين، بتوجيهات منه، قد وصلت إلى المدينة». وأوضح: «شرعَ زملاؤنا بالعمل في العاصمة اللبنانية بعد انفجار المرفأ، وسنفكر في فعل المزيد لمساعدة الناس في هذا البلد».

 

والوضع في لبنان كان محور اتصال هاتفي بين ماكرون والرئيس الاميركي دونالد ترامب، وأعلن البيت الابيض أنهما بحثا تداعيات انفجار بيروت واتفقا على تقديم مساعدة فورية.

 

لنفتح خزائنهم

 

الى ذلك، قال مرجع كبير لـ«الجمهورية»: أؤيّد قول رئيس الجمهورية انّ الانفجار فك الحصار الدولي عن لبنان، لقد أصابتنا مأساة كبرى، والعالم كله حالياً «فاتِح» عيونه تجاه لبنان، فدعونا في لبنان نستفيد من هذه الفرصة ونسعى الى حمله على فتح خزائنه لمساعدتنا على تجاوز أزماتنا، فاللهفة الدولية مشكورة، الّا انها تبقى غير كافية اذا لم تقترن بمساعدات ضرورية وعاجلة للبنان. وهذا بالتأكيد لا يعفي الحكومة من ان تبادر الى خطوات إصلاحية سريعة.

 

مجموعة دول!

 

ولعل الأكثر من مفجع، في موازاة ما حصل، هو انّ الطاقم السياسي، الحاكم وغير الحاكم، وبدل ان يتوحّد في مواجهة هذه الفاجعة الكبرى التي ضربت البلد، وبدل ان يكون مستنداً الى مقاربة وطنية واحدة لكيفية ازالة آثار هذه الفاجعة، أدخلها في بازار الانقسام السياسي واتخذها منصة للانتقامات المتبادلة والاستثمار السياسي والمزايدات والشعبويات ومحاولة تسجيل نقاط على بعضهم البعض، وهي الفضيحة الكبرى التي تجلّت أمام أعين العالم اجمع، وظهرت بأبشع صورها في لقاء ممثلي القوى السياسية المتخاصمة مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي لم يشعر أنّه أمام لبنانيين، بل شعر أنّ امامه مجموعة أطراف، وكل طرف ينتمي الى دولة ثانية غير لبنان، وكلّ منهم غَنّى على ليلاه، وكل طرف ينظر الى لبنان من منظاره، ويريد ان يحكمه وفق رؤيته الخاصة.

 

أمّا الرئيس الفرنسي فكان أحرص منهم على وحدتهم من أنفسهم حينما قال لهم: «أمامكم فرصة لإعادة بناء الثقة، يجب ان تتفاهموا مع بعضكم البعض، والمسائل البعيدة الأمد اتركوها وعالجوا المشكلة الآنيّة، وأنصحكم بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وكلكلم معنيون في ان تكونوا معاً في الحلول، وتتشاركوا في معالجة الامور وحل مشكلات المواطن اللبناني. وإن قمتم بذلك، فأنا أضمن لكم الدعم الاوروبي والاميركي والسعودي والايراني، ولكن قبل ذلك تفاهموا مع بعضكم البعض».

 

وأكثر من ذلك، فإنّ ماكرون ألقى الكرة في أيدي اللبنانيين، حيث كان حاسماً في طلبه ان تبادر الحكومة اللبنانية الى إجراءات وخطوات إصلاحية سريعة، مشيراً الى انها امام فرصة من الآن وحتى موعد عودته في أول ايلول، ملوّحاً بأنه سيكون لباريس موقف آخر إذا حَضر ولم يجد هذه الاجراءات قد اتخذت. ونقلت احدى الشخصيات المشاركة في اللقاء عنه قوله ما مفاده «إن لم تقوموا بالاصلاحات من الآن وحتى اول ايلول، فإنّ فرنسا ستكون مضطرة لأن تخرج لبنان من سلّم أولوياتها».

 

على انّ اللافت للانتباه تجلّى في الأسئلة التي تطرحها تلك الشخصية ولم تصل الى أجوبة عنها بعد، ومفادها: «ما الذي هَمس به الرئيس الفرنسي في نهاية لقاء قصر الصنوبر لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد؟ وما هي الرسالة التي حمّله إيّاها؟ ولماذا يتكتم «حزب الله» عليها؟

 

هل انتهى الطائف؟

 

واذا كان رئيس الجمهورية قد اشار بالأمس الى اننا امام تغييرات، وهنا يبدأ الكلام عن نظام جديد لذلك، وهو كلام أعقب طرح الرئيس الفرنسي بعقد سياسي جديد في لبنان، خصوصاً انّ النظام القائم قد انهار على حد قوله، فإنّ هذا الطرح أحيط بتساؤلات كبرى، تمحورت كلها حول اتفاق الطائف وما إذا كان المقصود بالطرح الفرنسي الذهاب الى طائف جديد؟

 

وفي هذا السياق، قالت مصادر سياسية سنيّة (من «14 آذار») لـ«الجمهورية» انّ طرح ماكرون مفاجىء، يُدغدغ من جهة مشاعر فئة من اللبنانيين، لكنه في الوقت نفسه يستفزّ فئة أخرى، ما يعني انّ الرئيس الفرنسي من خلال هذا الطرح، وبدل ان يكون حلاً للمشكلة اللبنانية، يصبّ الزيت على نار الأزمة ويعمّق الانقسام الداخلي أكثر، ويعقّد هذه المشكلة أكثر فأكثر».

 

وفيما عبّرت اوساط حكومية عن تحفظّها الشديد حيال المَسّ بالطائف، قالت لـ»الجمهورية» إنها فوجئت بالطرح الفرنسي، ولم تتلق اي إيضاحات حول المقصود بهذا الطرح في هذا الوقت بالذات.

 

وفي رأي هذه الاوساط إنّ طرحَ ماكرون عقداً سياسياً جديداً ليس في مكانه ولا زمانه، في الوقت التي يشهد لبنان اكبر فاجعة انسانية في تاريخه. وإن كان المقصود هو الطائف، فهذا يعني انّ الطرح الفرنسي ساقط سلفاً، فالطائف كلّف ما كلّف اللبنانيين من أثمان للوصول إليه برعاية عربية ودولية، وهو الدستور الذي يحكم البلد، ولا نعتقد انّ هناك انقلاباً في الموقف الدولي على الطائف او التسليم بأنه انهار ولم يعد ملائماً للوضع اللبناني».

 

ورداً على سؤال حول طَرح ماكرون البَدء بعقد سياسي جديد، قال أحد رؤساء الحكومات السابقين لـ»الجمهورية»: نحن نقدّر اللهفة والعاطفة اللتين أبداهما الرئيس الفرنسي تجاه لبنان، ولا نعتقد انه يقصد تغيير الطائف، لأنّه يعرف انّ المَس بالطائف معناه إشعال فتيل أزمة كبرى في لبنان الى جانب ما يعانيه من أزمات اقتصادية ومالية، فضلاً عن الازمة الكبرى التي حلّت به جرّاء انفجار مرفأ بيروت.

 

وخَلص الرئيس المذكور الى السؤال: لنفترض انّ ماكرون يقصد تغيير الطائف، فهل انّ العرب، وتحديداً المملكة العربية السعودية، تؤيّد هذا الطرح، ثم ماذا عن الأميركيّين؟ فهل هم في جَو الطرح الفرنسي؟ وهل يقبلون بنسف الطائف؟ بالتأكيد انّ الجواب عند ماكرون.

 

حكومة الوحدة

 

وفي موازاة ذلك، فإنّ طرح تشكيل حكومة وحدة وطنية الذي عرضه ماكرون، شَغل الاوساط السياسية على اختلافها، واللافت بحسب مصادر فرنسية مرافقة لماكرون انه لقيَ تجاوباً من مختلف القوى السياسية اللبنانية.

 

وفي هذا الاطار، كشفت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية» انّ انفجار مرفأ بيروت، عَطّل توجّهاً جدياً لتعديل نوعي لحكومة حسان دياب، بعدما كانت مشاورات حوله في الغرف المغلقة قد قطعت شوطاً مهماً.

 

وبحسب المصادر انّ الانفجار حرّكَ لدى قوى سياسية فاعلة، وبعضها من الحاضنة السياسية للحكومة، فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية لتواكب ما استجَدّ، وجاء طرح ماكرون ليعزّز هذه الفكرة. وبناء على ذلك، توقعت المصادر أن يوضع موضوع تشكيل حكومة وحدة وطنية جامعة على نار حامية، في الفترة التي تلي صدور نتائج التحقيق في ملابسات انفجار المرفأ.

 

وعندما سُئلت المصادر: اذا تشكيل حكومة وحدة وطنية ينبغي أن يسبقه استقالة الحكومة الحالية، فهل انّ استقالة حسان دياب واردة، علماً انه لطالما اكد انه ليس في وارد الاستقالة؟ أجابت: عندما يتقرّر السَير بحكومة وحدة وطنية لا نعتقد انّ في مقدور احد أن يعطّل ذلك.

 

وعمّن سيكون رئيس هذه الحكومة؟ قالت: قد يكون دياب، وقد يكون غيره، وفي أي حال إنّ اسم رئيس الحكومة ستحسمه الاستشارات النيابية الملزمة.

 

وعندما سُئلت: هل يمكن ان يقبل الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة الجديدة ان قرّ الرأي عليه، علماً انّ له شروطاً، كما انّ لأطراف اخرى شروطها؟ أجابت المصادر: انّ وضع البلد حالياً يتطلب حكومة وحدة، وماكرون قدّم فرصة لأن يلتئم الجرح مهما كان عميقاً ببلسم الوحدة الوطنية. أمّا في ما خَصّ الشروط، فالأزمة تجاوزتها، ولا بد للجميع من أن يتخلّوا عن شروطهم ويقدّموا تنازلات.