IMLebanon

الجمهورية: محاولة فاشلة لتدخل فرنسي.. وانعدام الخــيارات يحرّك مشاورات لإحياء الوساطات

 

الحكم النهائي على التجربة الاغلاقية الجديدة مؤجّل الى ما بعد ظهور نتائجها بعد الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ليتقرّر في ضوئها أي منحى ستسلكه، إمّا في اتجاه التخفيف من إجراءاتها فيما لو كانت النتائج إيجابية، وإمّا في اتجاه تمديدها مع مزيد من التشدد فيما لو ظهرت هذه النتائج سلبية.

 

وإذا كانت سلطة التجارب الفاشلة التي سبق لها أن عاقبت اللبنانيين بارتكابها جريمة التأخّر في اتخاذ التدابير الجدية وتأمين كل عناصر تحصين المجتمع اللبناني، تعوّل على نجاح تجربة الاغلاق الحالية بما يؤدّي الى الحد من انتشار فيروس «كورونا» وخفض عدد الإصابات اليومية الذي عاد وسجل أمس رقماً صادماً بلغ 6154 و44 حالة وفاة، فإنّ هذا المستوى الفظيع الذي بلغه تفشّي الوباء وسرعة انتشار العدوى، يُرخي مسبقاً توقعات تشاؤمية على نتائج هذه التجربة، مع التزايد الرهيب في أعداد الاصابات، وانعدام القدرة على احتواء فلتان الوباء، وكذلك مع المؤشرات الطبية التي تنذر بدخول البلد خلال الاسبوعين المقبلين في وضع أشد خطورة مما هو عليه في هذه الايام.

 

ومع لَحظ انّ نسبة التقيّد بإجراءات التجربة الجديدة معقولة قياساً مع التفلت الذي رافق التجارب السابقة، فإنّ المراجع الطبية ترى في تجربة الاغلاق الشامل خطوة على الطريق الصحيح لاحتواء كورونا، كان على السلطة أن تتخذها منذ بدء تفشي الوباء قبل عدة أشهر. الا أنها مع تفاقم الوضع الى الحد الذي بلغه بالارتفاع المريع في أعداد الاصابات، اضافة الى بدء ظهور عبء جديد يتمثل بظهور انواع جديدة من هذا الفيروس، فإنّ الفترة الزمنية المحددة لهذه التجربة، والتي تنتهي بعد نحو اسبوع، لن تكون كافية لأن تحقق النتائج الايجابية المرجوة خلالها بل تستلزم فترة أطول، ما يعني انّ التجربة المفروضة حالياً مرشحة لأن تخضع الى تمديد لأسبوعين إضافيين وربما اكثر، إذ لا خيار امام السلطة سوى هذا التمديد مع الشدة في تطبيق الاجراءات.

 

كل هذه المؤشرات التشاؤمية تبرّر الخوف مما هو آت على البلد، وكل المراجع الصحية تنطلق من هذا الخوف لتدق ناقوس الخطر من وضع قد تعجز أمامه كل العلاجات والاجراءات ومحاولات الاحتواء. ولعل ذلك سبب موجب للسلطة اولاً في محاولة تدارك الامر مسبقاً ورفع وتيرة تجربتها الحالية، وما قد تليها، الى أعلى درجات التشدد، ليس فقط للحد من انتشار الوباء وفرض التقيّد بإجراءاتها الوقائية، بل لإنهاء «جالة التمرّد» التي تُمعن فيها شريحة واسعة من المستهترين في كل المناطق الذين لم يقتنعوا بعد بخطر «كورونا»، بل يصرّون على المكابرة واقتراف جريمة تفشي الوباء وجعل كل اللبنانيين ضحايا وأهدافاً سهلة امام الفيروس، حتى صارت هذه الشريحة باستهتارها وعقولها المهترئة تشكل خطراً على اللبنانين أكبر من خطر الوباء نفسه.

 

مجلس النواب

وكان مجلس النواب قد أقرّ في الجلسة التشريعية التي عقدها أمس في قصر الاونيسكو برئاسة رئيس المجلس نبيه بري، اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تنظيم استخدام المنتجات الطبية لمكافحة كورونا، معدّلاً، والذي سيسمح باستيراد لقاح كورونا.

ومع إقرار هذا القانون تبرز التساؤلات هل سيصل هذا اللقاح الى لبنان؟ ومتى سيصل؟ وكيف؟ ومن أين؟ وهل سيتم ادخاله في بازارات السياسة والمحسوبيات على ما يحصل في كل الامور؟

ولفت رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي إلى أن القانون الذي صدر يحفظ حق الشركات المصدّرة للقاح كورونا لمدة سنتين، حيث أنه إذا جرت أي مضاعفات من اللقاح وأراد أحدهم تقديم شكوى، تكون الشركة محميّة، لأنّ الشركة أخذت إذناً طارئاً ومن الممكن أن تأخذ الإذن النهائي خلال سنتين. وفي مداخلة له خلال الجلسة، نوّه الرئيس بري بعمل رئيس واعضاء لجنة الصحة النيابية والجهد الجبار الذي بذل لإنجاز قانون تنظيم الاستخدام المُستجد للمنتجات الطبية لمكافحة جائحة كورونا، مشدداً على اقرار القانون اليوم، ووجوب أن يتيح هذا القانون المجال امام كافة الشركات الطبية والقطاع الخاص لاستيراد اللقاحات لمكافحة كورونا.

وفي مداخلة ثانية، علّق بري على موضوع تشريع الضرورة، بالقول: «كل تشريع هو تشريع ضرورة، وهذا المجلس اسمه مجلس تشريعي وعمل المجلس هو التشريع».

كذلك أقر اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بتمديد التصاريح المنصوص عنها في القانون 189 حتى آخر آذار، وأقر اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى اجازة جباية الاموال وإنفاق الدولة على القاعدة الاثني عشرية اعتباراً من شباط المقبل.

 

منظمة الصحة

يأتي ذلك، في وقت حذّرت فيه منظمة الصحة العالمية في لبنان الشباب والأشخاص الذين لا يعانون مشاكل صحية من خطر فيروس كورونا، مشددة على أنه قد يسبب الموت.

وفي تغريدة عبر حسابها على تويتر، نشرت منظمة الصحة العالمية فيديو توعوياً حثّت من خلاله الناس على الالتزام بالتدابير الوقائية، مثل وضع الكمامة والتباعد الجسدي وغسل اليدين، لافتة الى أن فيروس كورونا قد يؤدي الى الموت حتى بين الشباب والأشخاص الذين لا يعانون الأمراض.

وأرفقت منظمة الصحة العالمية في لبنان الفيديو بتعليق كتبت فيه: «الإعتقاد السائد بأنّ الفيروس ما بيصيب الشباب أو الأشخاص يَلّي ما بيعانوا من أي مشاكل صحية وأمراض مزمنة، خطأ، في كثير حالات، عنّا بلبنان، شباب وأشخاص ما عندهم أمراض مزمنة وصلوا لحالة حَرجة، وفي منهم ماتوا».

 

السفارة الاميركية

وكانت لافتة في هذا السياق، دعوة السفارة الاميركية في لبنان المواطنين إلى التضامن للحد من انتشار فيروس كورونا والبقاء في منازلهم. ونشرت السفارة صورة على حسابها الرسمي عبر تويتر، وأرفقتها بالتعليق التالي: «لنساعد جميعاً في الحدّ من الانتشار المتصاعد لفايروس كورونا في لبنان، لحماية أحبائنا ودعم الأطباء والممرضات والممرضين والعاملين الشجعان في مهمتهم الضخمة».

 

خواء سياسي

سياسياً، لا شيء قبل الأسبوع المقبل، وحالة الخواء السياسي التي تطبق على المشهد الحكومي حالياً، ستستمر، أقله حتى مطلع الاسبوع المقبل، في انتظار عودة الرئيس المكلّف سعد الحريري من زيارته الى دولة الامارات العربية المتحدة المتوقعه الاثنين المقبل.

وبحسب الاجواء المحيطة بملف التأليف، هناك توقعات في أن يشهد الاسبوع المقبل تزخيماً لحركة الوساطات بين بعبدا وبيت الوسط في محاولة لردم الهوة التي توسّعت بينهما، واعادة وضع الملف الحكومي على سكة التأليف. وتحدثت معلومات عن انّ محاولات للتقريب بين رئيس الجمهورية العماد عون والرئيس المكلف سعد الحريري ستنطلق بعد عودة الحريري الى بيروت، ويؤدي الثنائي الشيعي دوراً اساسياً فيها بالشراكة مع شخصيات سياسية ونيابية مستقلة.

الّا أن مصادر معنية بهذا الملف، تتحدث عن صعوبة بالغة في اعادة الامور بين الحريري وعون الى ما كانت عليه قبل الفيديو المسرّب عن كلام رئيس الجمهورية بحق الرئيس المكلف. لكنها اشارت الى انّ كلا الرئيسين محشوران لانسداد الافق امام كل منهما، فلا الرئيس عون قادر على أن يلغي تكليف الرئيس الحريري، حتى ولو كان يرغب في ذلك، ولا الرئيس الحريري الذي حسم موقفه بأنّه لن يعتذر، قادر على أن يفرض مسودة حكومية كما يريدها على رئيس الجمهورية. ولقد دَلّ مسار المشاورات بينهما وكذلك المناوشات التي تخللتها، على أن ليس في مقدور أيّ من الرئيسين أن يملي إرادته على الآخر، أو أن يفرض منطقه على الآخر، أو يؤلف حكومة وحده بمعزل عن الآخر. وبالتالي، فإن انعدام الخيارات امام كل منهما، سيفرض عليهما التراجع ولو مكرَهين، والعودة الى طاولة التأليف من جديد والوصول معاً الى قواسم مشتركة، إن عاجلا او آجلا.

 

جوقة بَث السموم

وفي موازاة الاجواء المشدودة الى التوتر والسلبية في القصر الجمهوري وبيت الوسط، مع استمرار المناوشات بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، كشفت مصادر موثوقة

لـ«الجمهورية» عن مشاورات جرت في الساعات الماضية على خطوط سياسيّة متعدّدة؛ نيابيّة وحزبيّة وحركيّة، ربطاً بتفاقم الخلاف بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف، ووضعت بعبدا وبيت الوسط في اجوائها، حيث انتهت الى قراءة سوداوية للمشهد الداخلي تستبطن مخاوف كبيرة من مراوحة ملف التأليف في سلبية التأخير والتعطيل التي تفاقمها مشاعر شخصية من هنا وهناك، في موازاة وضع اقتصادي ومالي واجتماعي وصحي صار منهاراً بالكامل، وتأخير تأليف الحكومة يساهم في هذا الانهيار أكثر.

واذا كانت هذه المصادر لا تجد للرئيسين عون والحريري ما يبرّر وصولهما نقطة اللاعودة بخطابٍ تجاوَز السياسي الى الشخصي، الا انها في المقابل تدين ما تسمّيها «تلك الجوقة» التي تبث السموم في العلاقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وتصب الزيت على نار التباينات بينهما، أكانت شكلية أو جوهرية.

وبحسب معلومات المصادر نفسها، فإن الاتجاه الغالب لدى القوى السياسية المعنية بالملف الحكومي يميل نحو تعجيل تأليف الحكومة، ورفض ادخال البلد في أي ازمة جديدة تدخله في فراغ وازمة حكومية طويلة الامد، او محاولة دفع الرئيس المكلف الى الاعتذار، أو سعي رئيس لفرض ارادته على رئيس، او اي محاولة لفرض اعراف جديدة في تأليف الحكومة. فكل تلك المحاولات لا طائل منها، ولعل اوجب موجبات التعجيل بالحكومة في موازاة ذلك، هو وضع حدّ لتلك الجوقة واخراجها من حلبة التأليف، وعودة الرئيسين عون والحريري الى التقيّد باحكام الدستور وما ينص عليه في هذا المجال.

وعما اذا كانت المصادر متفائلة بسلوك الرئيسين عون والحريري مجددا طريق العودة الى التأليف، قالت: حتى الآن الطريق بين القصر الجمهوري وبيت الوسط غير سالكة وغير آمنة، ومَكمَن العطل الاساس انّ هناك رغبة لدى البعض في استمرارها مقطوعة ودفع الامور الى أزمة كبرى يدفع ثمنها البلد. وفي أي حال ليس مقبولاً ان تبقى السياسة والملف الحكومي على حاله اليوم كمسرحية سخيفة لا نهاية لها، كما ليس مقبولاً أن يبقى المسؤول في غربة عمّا يجري في البلد وما آل اليه حاله وكأنّه يعيش في كوكب آخر.

 

الباب الفرنسي

كشفت مصادر واسعة الاطلاع لـ»الجمهورية» أنّ جهات سياسية بارزة سعت بعد «أزمة الفيديو» الى طَرق الباب الفرنسي، في محاولةٍ لحمل باريس على التدخل واطفاء هذه الازمة. وفيما لم تحدد المصادر الجهة التي تم التواصل معها في باريس، اشارت الى انّ الجواب الذي تلقّته تلك الجهات لم يكن مريحاً، بحيث لم يعكس الرغبة في التدخل، وحَملَ استياء بالغاً من أداء السياسيين وخروجهم على المبادرة الفرنسية، وإيصالهم الوضع في لبنان الى هذا الحد من التأزم الذي سيرتد حتماً بالسلب على لبنان.

 

«التيار الحر»

وسط هذه الأجواء، لم تنزل العلاقة بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» عن خط التوتر العالي، وتوالت الاشارات الانتقادية من قبل التيار البرتقالي في اتجاه الرئيس المكلّف، فاتهمته مصادر التيار بـ»إهمال واجباته والتخلي عن مسؤولياته، وترك تأليف الحكومة معلقاً من دون اي اكتراث لِما يتأتّى عن ذلك من اضرار».

وقالت المصادر لـ»الجمهورية» ان هذا الامر يؤكد أن اولوية الحريري في مكان آخر، وبدل ان يتابع مسار التأليف مع رئيس الجمهورية، نجده يركب طائرته ويسافر تارة الى تركيا وطوراً الى الامارات.

وإذ اكدت المصادر انّ رئيس الجمهورية قدّم كل التسهيلات امام الحريري، ومع ذلك ظل رافضاً للمعايير الطبيعية المطلوبة لتشكيل الحكومة. فهذا يعني بالتالي أنّ الحريري هو المسؤول عن تعطيل التأليف بإصراره على تجاوز هذه المعايير، وتشكيل حكومة يديرها وفق توجهاته، وهذا ما لن يقبل رئيس الجمهورية بحصوله.

 

«المستقبل»

في المقابل، يعتبر تيار «المستقبل» أن كرة التأليف بيد رئيس الجمهورية، وانه لو شاء ذلك، على ما يقول نائب رئيس التيار مصطفى علوش، لَبَادر الى الاتصال بالرئيس المكلف وقال له: «تعال لنتفاهم»، ولكنّا رأينا الرئيس المكلف في القصر الجمهوري.

وفي الجانب نفسه، وردّاً على حديث جهات سياسية عدة عن ترك الرئيس المكلف ملف التأليف مُجمّداً وسفره في وقتٍ ينهار البلد، قال عضو كتلة «المستقبل» النائب محمد الحجار لـ»الجمهورية» إنّ «الرئيس الحريري بدلاً من أن يجلس في منزله منتظراً اتصالاً من رئيس الجمهورية، لا أعتقد أنه سيحصل في هذا الظرف، يعمل على توظيف إمكاناته وعلاقاته لإبقاء لبنان على خارطة الاهتمام عربياً وعالمياً، وهو يقوم باتصالاته بحثاً عن دعم خطة إنقاذية وضعها لإخراج البلد من أزمته الإقتصادية والإجتماعية والمالية».

وأكد أنّ «الحريري قال ما لديه ولن يتراجع عن المعايير الحكومية التي صاغها بحسب دفتر شروط المبادرة الفرنسية ووفقاً لاقتناعات أعلنها بُعَيد استقالته في 29 تشرين الأول 2019، لأنه يدرك أنّ أي حكومة غير حكومة اختصاصيين وغير حزبيين ستؤدي الى انهيار البلد بنحوٍ كامل، وبالتالي لن يكون هناك حكومة تضمّ ثلثاً معطّلاً لعون وفريقه أو لأي فريق آخر».