IMLebanon

مانشيت: إستعجال جامع للتأليف ومخاوف من عقَد تمثيل واستيزار 

قطعت التسوية الرئاسية المتجددة منتصف الطريق وكلَّف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس سعد الحريري تأليفَ حكومة وحدة وطنية موسّعة، بعد «حكومة استعادة الثقة» التي تُصرّف الأعمال راهناً، ولم يبقَ سوى إعلان التشكيلة الوزارية في ضوء الاستشارات النيابية والسياسية التي سيُجريها الرئيس المكلّف بدءاً من الاثنين المقبل، وذلك في حال عدمِ حصول خلافات وبروزِ عقدِ تمثيلٍ واستيزار هنا وهناك من شأنها أن تعوقَ الولادةَ الحكومية التي يَستعجلها جميع الأفرقاء، على حدّ ما أعلنوا قبل استشارات التكليف وخلالها وبعدها.
بأكثرية 111 صوتا نيابياً، وبزيادة 3 أصوات عن الأصوات التي نالها لدى تكليفه السابق في تشرين الثاني عام 2016، سُمِّي الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة، وكلّفه رئيس الجمهورية تأليفَها في ختام يومِ الاستشارات النيابية الذي شهد القصرُ الجمهوري كلَّ وقائعه.

وسيبدأ الحريري استشاراته النيابية والسياسية لتأليف الحكومة الاثنين المقبل في مجلس النواب، وقد أعلن إثر تكليفِه من قصر بعبدا أمس أنه سينكبّ «مِن هذه اللحظة على تشكيل حكومة وفاقٍ وطني»، مؤكّداً أنّ هناك «جدّيةً ونية لدى الجميع لتسهيل تشكيلها».

وفي إشارةٍ إلى ما يتردّد عن «فيتو» على مشاركة «حزب الله» في الحكومة، قال الحريري إنه لم يسمع عن وجود مثلِ هذا «الفيتو» على دخول أيّ مكوّن سياسي الى الحكومة إلّا في الإعلام. وأكّد انفتاحه على الجميع.

 

برّي

مِن جهته، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري من قصر بعبدا إثر لقائه مع عون وإطلاعِه على نتيجة الاستشارات في حضور الحريري، وبعدما تقبّلَ التهانئ بانتخابه وأبرزُها تهنئة القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوّض وليد البخاري، أنّ «الحكومة ستكون حكومة وحدةٍ وطنية موسّعة»، مشدّداً على ضرورة الإسراع في تأليفها «لأنّ الوضع الاقتصادي ملِحّ ويتطلّب ذلك».

وعلى رغم المفاجآت التي طبَعت يوم الاستشارات الطويل فإنّ المشهد لم يأتِ خارج التوقّعات. إجماع كبير على تسميةِ الحريري حتى مِن أشدّ معارضيه في الأمس، على رغم التبريرات التي أعطيَت للتصويت له. لكنّ الواضح أنّ خلف التصويت من يريد أن يحفظ له مقعداً في قطار التسوية. ما يَطرح السؤال: هل ما زالت هناك معارضة في لبنان، خصوصاً وأنّ الخلافات الانتخابية التي ظهرت في الأمس تُبيّن أنّها لم تكن سوى زوبعةٍ تلاشت على شاطئ التسويات؟.

وإذا كان ترتيب «البيت السنّي» والتمنّي السعودي على أهله التماسكَ قد تُرجِم بتصويت الزعامات السنّية لمصلحة الحريري باستثناء النائب أسامة سعد الذي خرَق «التوافق الطوائفي» كما قال، والنائب جهاد الصمد انسجاماً مع خطّهِ الذي يميل بشدّة إلى فريق 8 آذار، فإنّ السؤال الذي طرَح نفسَه بقوّة هو: ما مصلحة الحزب السوري القومي الاجتماعي و»جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية «(الأحباش) في عدولهما عن موقفهم المعارض للحريري؟ وبماذا وُعِدا حتى عَدلا عنه؟

وقالت مصادر متابعة للاستشارات لـ«الجمهورية»: «إنّ ما يحصل هو نتاج مناخٍ توافقي رسّخه لقاء بري ـ عون وبدأ يَحكم المرحلة المقبلة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أن لا عقبات أمام التأليف، وأنّ هذا التأليف سيكون في منتهى السهولة. فالأمران منفصلان والإيجابية الوحيدة هي أنّ سقف التعاطي بين الأفرقاء هو ضرورة التوافق والمحافظة على الاستقرار والوحدة. وقد أبدت كلّ القوى السياسية نيّاتٍ حسنة بانتهاج هذا السلوك». وأكدت المصادر نفسُها «أنّ هذا التوافق ليس بكلمة سر من الخارج، بل عملية لبنانية ـ لبنانية محض بعدما أدرَك الجميع مخاطر المرحلة المقبلة سواء عبر التطوّرات الإقليمية والدولية أو عبر الخطر الاقتصادي الداهم في لبنان».

 

لماذا التسريع؟

وأوحى التعجيل بإجراء استشارات التكليف «سلقاً» في يوم واحد غداة انتخابِ رئيس مجلس النواب ونائبه وهيئة مكتبه أمس الأوّل، وتحديد يوم الاثنين المقبل موعداً لاستشارات التأليف، أنّ القوى الحاكمة، وهي نفسُها التي كانت قبل الانتخابات وتعزّز حضورها أكثر في المجلس النيابي الجديد، تُحضّر استباقاً للأحداث مشروع تشكيلةٍ وزارية على صورتها.

وعزَت مصادر مطّلعة القرار الرسمي بتسريع ولادة الحكومة الى موقفٍ لـ»حزب الله» يشدّد على الإسراع في تأليف الحكومة قبل اقتراب العاصفة الأميركية ـ الخليجية. وقالت هذه المصادر لـ»الجمهورية» إنّ الحزب، يَدعمه حلفاؤه، يريد حكومةً يكون عنوانها ثلاثية جديدة تضاف إلى ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة»، هي ثلاثية: مواجهة العقوبات الأميركية، التصدّي للاستراتيجية الأميركية الجديدة، ورفض الانسحاب من سوريا».

وتوقّعت المصادر «أن تبصرَ الحكومة النور قريباً جدًا في حال عدمِ تصدّي المتمسكون بقوى 14 آذار لهذا المنحى، محاوِلةً منعَ انزلاقِ لبنان أكثر فأكثر في المحور السوري ـ الإيراني، خصوصاً أنّ وزير الخارجية الأميركي كشَف أمس عن اتّجاه إدارته الى إعادة النظر في برنامج المساعدات الخاص بلبنان، بما فيها تزويد الجيش العتاد. أمّا إذا لم يتنازل المتمسكون بقوى 14 آذار تجاه الفريق الآخر فإنّ ولادة حكومة «الأمر الواقع» التي يُعمل عليها تصبح صعبة، ويبدأ مشوار طويل تتداخل فيه المطالب الداخلية مع المحاور الخارجية».

وحسب مصدرٍ ديبلوماسي يراقب الأوضاع اللبنانية، «فإنه يَصعب على ثلاثي: عون الحريري و»حزب الله» القفزُ فوق التحدّيات والتصرّفُ وكأنّ لبنان جزيرة لا تصِلها أمواج التحوّلات الشرق أوسطية والدولية، وأبرزُها: العقوبات الاميركية على إيران والشروط الـ 12، التطوّرات المتعلقة بالوضع الفلسطيني (القدس وغزة)، إنعكاس إلغاء القمّة الأميركية ـ الكورية على المواجهة مع إيران بعد إلغاء الاتفاق النووي».

إضافةً إلى ذلك، تبقى مطالب التوزير والاستيزار من جهةِ الحقائب والحصص والأسماء. وفي هذا المجال بدأت تتجلّى الخلافات داخل الصفّ المسيحي، وبين 14 و 8 آذار. ولعلّ زيارة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى بعبدا أمس، خارقاً بروتوكول الاستشارات، دليلٌ الى حِرصه على رسمِ حدودِ العلاقات مع «التيار الوطني الحر»، ومع تركيبة التسوية الرئاسية برُمّتها. وواضحٌ أنّ جعجع بتوجّهِه المباشر إلى عون أكّد مرّةً أخرى أنّه هو (أي عون) محاورُه في ورقة «إعلان النيّات» وليس الوزير جبران باسيل».

 

مفاجآت

وكان يوم الاستشارات الطويل قد شَهد مجموعة مفاجآت، كانت أولاها زيارة جعجع للقصر الجمهوري واختلاءَه مع عون ربع ساعة، قبل أن يخرج معلناً أنّ تكتل «الجمهورية القوية» سمّى الحريري لرئاسة الحكومة.

أمّا المفاجأة الثانية فتمثّلت في موقفٍ لافتٍ أيضاً لرئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي، وإن لم يتلفّظ بعبارة «سمّينا الرئيس الحريري»، بدا مِن خلال السياق العام لتصريحه كأنّه يخطو نِصف خطوة في اتّجاه إعطاءِ فرصةٍ للحريري على خلفية «لقاء على الواقف» بينهما قبل ساعات على هامش إحدى المناسبات الاجتماعية. وعلمت «الجمهورية» أنّ الحريري أكّد للجميل أنه يُراهن عليه لدعمِ عملية الإصلاح التي تجري، وهو ما كرّره رئيس الجمهورية لدى استقباله كتلة «الكتائب» أمس.

وأكّد الجميّل «أنّ اعتراض الحزب كان على الأداء لا على الأشخاص»، وقال: «مواقفُنا وقراراتنا كانت دائماً هي اعتراض على الأداء وليس على الاشخاص، ويَهمّنا أن نعطيَ فرصة جديدة، للبلد وليترجِم المسؤولون النيّات بما يعِدون به، وسنعطي الفرصة وسنحاسب على الأداء، وسنكون إيجايبين، لكنّنا سنكون بالمرصاد لأيّ خطأ أو أيّ اعتداء على مصلحة البلد، كما وعَدنا ومارَسنا في السنوات الماضية».

 

المشنوق

كذلك كان لافتاً اتّساع الهوّة بين الوزير نهاد المشنوق وتيار «المستقبل» وظهورها إلى العلن. فبعد انشقاقه أمس عن كتلته في مجلس النواب بذريعة أنه «لن يصوّتَ لغازي كنعان ولعودةِ الوصاية السورية» بدا واضحاً في قصر بعبدا أنه يأخذ هامشاً من استقلالية، فحضَر إلى الاستشارات وحيداً وغادرَ وحيداً أثناء تصريح النائب بهية الحريري يَحوط بها أعضاءُ كتلة «المستقبل». وربّما لم يكد الرئيس الحريري يصلُ بعد إلى سيارته حتى أعلنت الحريري «أنّ قرار الكتلة بفصلِ النيابة عن الوزارة هو أمرٌ محسوم».

 

قائد الجيش

وفي هذه الأجواء، جدّد قائد الجيش العماد جوزف عون تأكيد «متانة الوضع الأمني الممسوك، بفضل توافقِ الأطراف السياسية والغطاء الكامل المعطى للقوى الأمنية أوّلاً، وقرار الجيش الواضح والحازم بعدم السماح لأيٍّ كان باللعب بأمانِ المواطنين وسلامتِهم ثانياً».

وعلمت «الجمهورية» أنّ العماد عون الذي يواصل زيارته لأوستراليا طمأنَ الى «قدرة الجيش على حسمِ أيّ محاولات لزعزعةِ الاستقرار، سواء في الداخل عبر الشبكات الإرهابية والخلايا النائمة التي يبقى خطرها قائماً، أو على الحدود الجنوبية في مواجهة إسرائيل»، وإنّ «الأحداث الأخيرة التي رافقت بناءَ الجدار عند الخط الأزرق خير دليل، أو الشرقية والشمالية بعد إقفالِها وتطهيرها من الإرهابيين، وهو ما سمح بإنجاز الاستحقاقات الدستورية والوطنية بصورة ديموقراطية وبحرّية رغم بعض الحوادث التي ظلّت تحت السيطرة».

 

وكشَف أنّ إمكانات الجيش تزداد يوماً بعد يوم تسليحاً وتدريباً وتأهيلاً، معتبراً «أنّ الأهم هو ثقة المواطنين بأبطال «فجر الجرود». ودعا كلَّ مغترب إلى «إعادة وصلِ وتعزيز ما انقطع مع البلد الأم الذي يُعدّ من أكثر البلدان أماناً اليوم، فلبنان والجيش في حاجةٍ إلى تضافرِ جهود الجميع في رحلة البناء والتطوير التي أثبتت الأيام مدى أهمّية الروابط القائمة بين الجيش المقيم واللبناني المغترب في صنع الانتصارات».