IMLebanon

الجمهورية: تصعيد فوق المرفأ والعدلية.. الرئاسة محاصرة .. جلسة للحكومة رغم الاعتراضات

باتت كلّ التوصيفات والتصنيفات صالحة لأن تُسقَط على الواقع اللبناني؛ هو الجنون الضارب في كلّ أرجائه، والعادم للعقل والإدراك.. هو العقوق الوقح بحق وطن من مكوّنات تنتقم منه وتتلذذ بمفاقمة معاناة الناس.. هو الخبث الذي يزرع بذور الحقد ويبني متاريس الفتنة في أرجاء بلد أرضه تهتز وتميد، وكرامته تُنتهك، وكل مفاصله تُستباح، ومهدّد بالغرق الكامل في رمال الأجندات والسياسات والتناقضات والانقسامات والرهانات المتحرّكة.. هو الطيش السياسي المطعّم بغباء فاضح لا نظير له على امتداد الكرة الأرضيّة، حوّل الأساسيات ملعباً للولدنات والصبيانيات، وبازاراً مفتوحاً للعبث ومسرحيات الصخب والمزايدات والعراضات والاستعراضات والتسييس والاستثمار الرخيص على آلام اللبنانيين ودماء الشهداء والضحايا، كما هو الحال مع شهداء وضحايا انفجار مرفأ بيروت.

لم يبق شيء في البلد، السياسة في خبر كان، ورئاسة الجمهورية ضربتها الأهواء، وخرجت من الأولويات ولم تعد، والاقتصاد والمال في الدرك الأسفل تحت رحمة الغرف السوداء والسوق السوداء، والقضاء مهدّد بوجوده وبكسر ميزان العدالة، وتجرّعه السياسات والمداخلات والانقسامات سموم التصدّع والتفكّك، ويوميات اللبنانيين باتت مضبوطة على ساعات التوتير والصدام وسلوك درب الآلام. كل ذلك يبرّر خوف اللبنانيين، لا بل هلعهم ممّا هو آتٍ عليهم.

 

فلتان إجرامي

على الجبهة المعيشية، جنون لا يُفهم معه لماذا أُشعل الدولار، كما لا تُفهم الغاية مما بدت انّها لعبة شرع فيها لصوص السوق السوداء لتشليح ولتفليس وتجفيف الدولار من جيوب المواطنين، عبر إدخال الدولار في لعبة صعود ترفعه إلى ما فوق الـ63 الف ليرة، ثم ما تلبث ان تخفّضه إلى ما دون هذا السقف بـ 5 او 6 او 7 آلاف ليرة. وهذه الصورة توالت طيلة ساعات بعد ظهر امس، فيما الثابت الوحيد أمام هذا الفلتان الاجرامي، هو الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الحياتية والاستهلاكية، والتحليق الخيالي لسعر صفيحة البنزين وسائر مشتقات المحروقات.

 

العاصفة القضائية

اما على الجبهة القضائية، فالعاصفة التي ضربتها في الايام الأخيرة، ما زالت متكوّنة في أجواء العدلية، فيما أُفيد بأنّ الساعات الاخيرة شهدت حركة اتصالات مكثفة لمعالجة ما حصل، سواء على المستوى السياسي والقضائي، على قاعدة ان يتولّى القضاء معالجة شؤون «البيت العدلي» من دون أي تدخّل سياسي، وكذلك على المستوى الأمني، لمعالجة ما حصل أمام قصر العدل بالأمس، والذي ينذر في حال تكراره، بتطورات قد لا تُحمد عقباها.

على انّ هذه العاصفة، وإن كانت قد هدأت قياساً على الوقائع الصدامية التي شهدتها أروقة قصر العدل قبل يومين، فإنّ اسباب انطلاقها من جديد، تتكوّم سياسياً وقضائياً، وكل المؤشرات تشي بأنّ الاسبوع المقبل ساحة لصدام متجّدد، ربطاً بما قد يقرّره مجلس القضاء الأعلى حيال الاشتباك القضائي العنيف على حلبة ملف تفجير مرفأ بيروت، وكذلك بالقرارات التي اتخذها مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات بحق من اعتبره المحقق العدلي في انفجار المرفأ المكفوفة يده القاضي طارق البيطار، وايضاً بالخطوات التي قد يُقدم عليها القاضي البيطار، الذي اكّد عدم تخلّيه عن مهمته، وفقاً لأجندة العمل التي حدّدها بعد إعلانه العودة إلى هذا الملف بعد 13 شهراً من كف اليد، ولاسيما منها الإدعاءات والاستدعاءات لعدد من الشخصيات السياسية والأمنية.

وفيما شهدت الجبهة القضائية، التي تؤكّد بطلان عودة البيطار إلى ممارسة مهامه، هدوءًا كاملاً يوم امس، ولا سيما من ناحية مدّعي عام التمييز، الذي يعتبر عودة البيطار وكأنّها لم تكن، وأي قرار إجراء يصدر عنه هو قرار وإجراء باطل لا قيمة له، الّا انّ الجبهة السياسية المتضامنة مع البيطار تابعت تحرّكها الذي بدأته في قصر العدل، باجتماع لنواب المعارضة في مجلس النواب، خلصوا فيه إلى بيان اعتبروا فيه «اننا نشهد انقلاباً مُدمّراً بدأ باغتيال العدالة ‏في مقتلة بيروت التاريخية بقرارات ووسائل فاقدة للشرعية. فلا مساومة على دم أبرياء 4 ‏آب. ونرفض أي مساس بصلاحيات المحقق العدلي لجهة إشراك أي قاضٍ رديف بملف عكف ‏على إعداده قاضٍ لا يزال معيّناً اصولاً للتحقيق فيه. ونطالب بمتابعة التحقيق وإصدار ‏القرار الظني».

واعلن نواب المعارضة «تبنّينا للبيانين الصادرين عن مجلس نقابة المحامين في بيروت ‏ونادي قضاة لبنان، وهما من اهل البيت القضائي والقانوني، وندعم مطالبتهما بالمحاسبة ‏الفورية لمدّعي عام التمييز».

وفيما تلاحقت ردود الفعل حيال الاشتباك القضائي الأخير على حلبة انفجار مرفأ بيروت، والتقت في معظمها على اعتبار انّ التحقيق في هذا الملف قد وصل إلى أفق مسدود، وتوازت في المقابل مع مطالبات لتشكيل لجنة تقصّي حقائق دولية فيه، برزت في المقابل مواقف اتهامية للقاضي البيطار، بأنّ ما أقدم عليه هو إنفاذ لوحي نزل عليه.

 

عويدات

وقال المدّعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات: «إنّ الأجواء المتوترة اليوم في الشارع استوجبت إلغاء جلسة مجلس القضاء الأعلى».

وأضاف في حديث لـ»عربي بوست»: «أرفض تدخّل النواب في مسار القضاء»، معتبراً أنّ «زيارة النواب لوزير العدل، ومن ثم رئيس مجلس القضاء الأعلى، سهيل عبود، هي مسعى لحماية البيطار ودعمه لتمرير أجندات خارجية».

وقال، انّ «بدعة البيطار بالعودة للتحقيق أتت بتحريض من أعضاء في مجلس القضاء الأعلى، والوقوف خلف الفتوى القانونية التي ابتكرها البيطار لنفسه، والتي تخوّله إعادة وضع يده على ملفّ التحقيق في جريمة المرفأ».

ولفت إلى «أنّ مجلس القضاء الأعلى ألغى جلسته تخوفاً من أي إراقة للدم في الشارع قد يتسبب بها أي قرار».

وفي ما يتعلّق بالمحقق العدلي، قال عويدات: «إنّ البيطار يتعامل مع اجتهاده القانوني وقراراته كأنّه يتكلم مع نفسه أمام المرآة. وإذ اعتبرت المراجع القضائية أنّ اجتهاد البيطار قانوني ويؤخذ به، وفيه بذرة قانون فقط، فأنا جاهز للتراجع عن قراري، وإعادة الموقوفين إلى السجن خلال ساعات».

كما شدّد على أنّ «تحقيقات المرفأ ستستمر بعد تصحيح ما أسماه «الخطأ الكبير»، أي عزل البيطار وإحالته للتحقيق والمحاكمة»، مضيفاً: «كانت لديّ معلومات أنّ البيطار يتجّه إلى إخلاء سبيل الموقوفين تباعاً، لذا اتخذت قراري هذا، منعاً لأن يستخدمه البيطار في سياق سياسي».

ورأى عويدات أنّ «لديه شعوراً كامناً أنّ البيطار لا يتصرف فقط بقرار ذاتي، بل يجد دعماً من قِبل جهات محلية (قضاة وسياسيين ونواب ووزراء)، مشكّكاً بأنّ «الحركة الأخيرة للبيطار أتت بدفع خارجي».

 

ميقاتي

واللافت في هذا السياق ايضاً، الدعوة التي أطلقها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي أمس، إلى «تحقيق ‏العدالة في ملف انفجار مرفأ بيروت وتبيان الحقيقة، مع التشديد على ضرورة أن يصلح ‏القضاء نفسه بنفسه». وقال: «دعوت المعنيين بالقضاء وفي مقدّمهم وزير العدل ورئيس ‏مجلس القضاء الاعلى، إلى معالجة الموضوع والتداعيات ضمن الجسم القضائي».

 

الراعي

وقد حضرت التطورات القضائية في بكركي خلال استقبال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي دعا القضاء إلى ان «يبقوا بيروت أم الشرائع، والّا يحوّلوها إلى الشوارع»، معرباً عن استعداده للقيام بأي مهمّة «تجلب الاستقرار للبلد».

ورداً على سؤال حول الموقوف في ملف المرفأ والمفرج عنه قبل يومين محمد العوف ومغادرته لبنان، قال اللواء ابراهيم: «لا نفعل شيئاً مخالفاً ‏للقضاء‎»‎.

وحضر هذا الملف ايضاً في زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا إلى معراب ولقائها رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، الذي قال انّ ‏‏»التطورات الأخيرة تحتّم علينا توفير الدعم الكامل لاستكمال التحقيق، من خلال التوجّه فوراً ‏نحو تأليف لجنة تقصّي حقائق دولية للمساعدة في كشف الحقيقة في ملف هذه الجريمة ‏وإعادة تصويب مسار العدالة».

 

الرئاسة في النفق

رئاسياً، لا جديد على الإطلاق، جمود كامل ولا حراكات توفيقية من اي نوع على الخط الرئاسي، بل استمرار في التمترس خلف متاريس التعطيل.

وفيما تعالى صوت نواب المعارضة بالمطالبة بعقد المجلس النيابي جلسات مفتوحة لانتخاب رئيس الجمهورية، لا تبدو في الأفق المجلسي ما يؤشر الى استجابة لهذا المطلب الذي تدرجه المصادر المجلسية، كما تقول لـ»الجمهورية»، في سياق الاستعراض السياسي. مكرّرة قولها في هذا السياق: «ثمة من هو مصرّ على المضي في لعبة المزايدة ومحاولة اقتناص المناسبات وركوب الموجة والاستثمار على قضايا الناس، كمثل ما هو حاصل في البكائيات الاستعراضية على قضية التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت. هذا المنحى لن يغيّر في الواقع شيئاً، كما لا يمكن لأي قوة ان تمنع مجلس النواب من التشريع، ثمة باب وحيد للانفراج الرئاسي يتمثل بالتوافق على رئيس، ودون ذلك لن يكون هناك اي انفراج».

 

الواقع معقّد

إلى ذلك، استبعدت مصادر سياسية ان يشهد الواقع السياسي المعقّد أي خطوة نحو الانفراج في المدى المنظور، وقالت لـ»الجمهورية»: «كل طرف يسعى إلى الحسم الرئاسي لمصلحته، وهذا لا يمكن ان يتحقق في واقع اشبه ما يكون بـ»حصار متبادل»، حيث انّ كل طرف يملك قدرة تعطيل مسعى الطرف الآخر».

ولفتت المصادر الانتباه، الى انّ هذه الاطراف متعادلة حتى الآن لناحية عدم قدرتها على توفير اكثرية الثلثين لانعقاد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك لناحية امتلاك اكثرية تعطيل نصاب انعقاد جلسة الانتخاب، الّا انّ قدرة توفير اكثرية الانتخاب بالأكثرية المطلقة (اي 65 صوتاً) متاحة لطرف اكثر من الطرف الآخر. وهي نسبة تعادل النسبة التي انتخبت رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

وأوضحت المصادر أنّ الاطراف التي تقدّم نفسها سيادية، مقيّدة بامتلاكها فقط حدود الاربعين صوتاً، وخصوصاً انّ ابواب توسيع نسبة الاصوات إلى اكثر من ذلك مقفلة، بالنظر إلى الخصومة التي تربطها مع سائر القوى النيابية والسياسية. فيما الاطراف الاخرى المتمثلة بثنائي حركة «امل» و»حزب الله» وكتلة «المردة» وعدد من النواب المستقلين، تبدو اكثر تحرّراً من الاطراف المعارضة، حيث انّ الباب مفتوحاً امامها لمحاولة توفير اكثرية الـ65 صوتاً، عبر جذب اطراف اخرى إلى موقفها الداعم لترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وهنا الشغل قائم في اتجاه «اللقاء الديموقراطي»، وكذلك في اتجاه النواب السنّة المتموضعين خارج الاصطفافات (تعود جذورهم إلى تيار المستقبل). وايضاً في اتجاه «التيار الوطني الحر»، على الرغم من موقفه الرافض حتى الآن السير بترشيح فرنجية. وعلى هذا الأساس بدأ «حزب الله» بتحرّك جدّي ومكثّف في اتجاه التيار، والمعلومات تؤكّد استمرار هذا التحرك، برغم انّ اللقاء الاخير بين وفد الحزب مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل لم يكن ايجابياً لهذه الناحية.

 

«الثنائي»: التوافق الممكن

بدورها، أبلغت مصادر ثنائي «أمل» و»حزب الله» إلى «الجمهورية» قولها: «التوافق يبقى السبيل الوحيد لانتخاب رئيس الجمهورية، ولكن إن انعدمت سبل التوافق الشامل، لا بدّ من بلوغ توافق الحدّ الممكن الذي يؤمّن انتخاب رئيس الجمهورية، وينهي الحال الشاذ القائم والمتمثل بخلو سدّة الرئاسة».

وإذ رجّحت المصادر عينها ان يحدّد رئيس المجلس جلسة جديدة في فترة غير بعيدة، لفتت الانتباه إلى انّ الورقة البيضاء لن تكون دائمة، واحتمال ان يتمّ اعلان إسم مرشحنا المعروف (سليمان فرنجية) في وقت ليس بعيداً ايضاً، في اشارة إلى جدّيتنا في هذا التوجّه وفي تبنّي هذا المرشح، قطعاً للطريق امام اي محاولات تشويشية قد يلجأ اليها البعض.

وكشفت المصادر، «انّ حركة الإتصالات جارية في هذا الاتجاه». وقالت: «من حق الاطراف الاخرى ان تسعى إلى تأمين اكثرية لإيصال مرشحهم، وهذا الامر من حقنا ايضاً، ونحن نسعى ايضاً في هذا الاتجاه، ولكنّ الأمور لم تنضج بعد، وما زالت في حاجة إلى مزيد من المشاورات. صحيح انّ مواقف بعض الاطراف مثل «التيار الوطني الحر» متصلبة، لكننا لا نقطع الامل ونسلّم بأنّ الابواب ستبقى مسدودة».

ورداً على سؤال حول التصعيد المفاجئ عبر تحريك الملف القضائي في تفجير مرفأ بيروت، وكذلك اللعب بالدولار ورفعه إلى سقوف عالية، قالت المصادر: «تحريك الدولار والبيطار، إضافة الى امور أخرى، تندرج في سياق الضغط في اتجاه واحد، اي علينا بشكل واضح، لحملنا على التسليم بمنطقهم ومرشحهم. ولكن قراءتنا لهذا الضغط تؤكّد انّه يعكس بما لا يقبل أدنى شك، عجز الأطراف الاخرى المحليين، وحلفائهم الخارجيين، في فرض مرشح، ولذلك لجأوا إلى التصعيد. فإذا كان القصد من هذا التصعيد هو ان تشتد الأزمة ليحققوا من خلاله النتيجة التي يريدونها، فنحن نقارب هذا التصعيد بمنظار آخر، على قاعدة اشتدي يا أزمة تنفرجي، فربّ ضارة نافعة. ومن هنا ثمة من افترض انّ عمر الفراغ الرئاسي قد يمتد لأشهر طويلة، الّا انّ هذا المستجد التصعيدي، الذي لن يحقق لهم ما يريدون، قد يفرض وقائع معيّنة تقرّب الانفراج الرئاسي إلى مسافة اسابيع قليلة، وبالتالي رئيس الجمهورية ومهما طال الزمن، لن يكون الاّ صناعة لبنانية».

 

«لم أجد لبنان»

في موازاة هذه الاجواء، لا تلوح في الأفق الخارجي أي مؤشرات توحي بالتصدّي المباشر للملف الرئاسي في لبنان، وفق ما استخلص احد كبار السياسيين من جولة خارجية، حيث قال لـ»الجمهورية»: «المشكلة الاساس التي تمنع انتخاب رئيس الجمهورية، صنعها اللبنانيون، بهروبهم إلى الأمام من المسؤولية الأخلاقية والسياسية، في ظلّ ما آلت إليه الأوضاع المزرية في بلد بات عاجزاً حتى عن التسوّل».

واضاف: «أصل المشكلة انّ في طبقة السياسيين من يعانون قُصر النظر، حيث لا يصل نظرهم إلى ما خلف الحدود ليعرفوا كيف يُنظر إلى لبنان من هناك، وأين موقعه في أجندة الاهتمامات والأولويات. وهنا اود ان اصارح اللبنانيين، بأنّني شخصياً حاولت ان أبحث عن لبنان في الإعلام وفي الصحافة الغربية، او أي خبر صغير، او اشارة، فلم أجده. البعض في لبنان يعتقد انّ الخارج صار على حدود لبنان، وآتٍ ليعطينا المن والسلوى، فيما الحقيقة التي يتجاهلها البعض هي انّ لدينا في لبنان جنوناً بلا حدود، وافراطاً في ادعاء الثقة الزائدة بأنّ الخارج رهن اشارة البعض!».

وكشف السياسي المذكور خلاصة لقاءات أجراها مع مسؤولين غربيين، مفادها «انّ لبنان خارج نطاق الاولويات، فلا الاميركيون في وارد التدخّل المباشر ولا الاوروبيون قادرون على ذلك، عبر طرح أي مبادرات، فأوروبا مأزومة، أولوياتها دولها وما تعانيه من انحدارات على مستويات اقتصادية وغير اقتصادية في ظلّ الأزمة الاوكرانية».

اضاف: «كل ما يؤكّدون عليه هو ان يدخل السياسيون في لبنان مرحلة العقل، ويشرعوا فوراً في انتخاب رئيس الجمهورية، حيث لا فيتو اميركياً او فرنسياً او اوروبياً على اي مرشح يتفق عليه اللبنانيون، يلي ذلك البدء في إصلاحات إنقاذية بات لبنان في أمسّ الحاجة اليها. ويصرّحون علناً انّ السلوك اللبناني عطّل الرئاسة في لبنان، حيث كان ينبغي للبنانيين الاستفادة من سلسلة فرص توافرت لهم لترتيب البيت الداخلي سياسياً واقتصادياً، لكنهم مع الأسف فوّتوا هذه الفرص ولا يزالون على ذات النهج».

 

باريس: لن نتدخّل

إلى ذلك، نقلت قناة «العربية» عن الخارجية الفرنسية، «انّ اختيار رئيس جمهورية في لبنان يعود للشعب اللبناني»، لافتة إلى أنّ «باريس ليس لديها أي رأي خاص في ذلك». وقالت: «لن ندخل في أيّ جدل خاص باختيار الرئيس اللبناني المقبل».

 

جلسة للحكومة الخميس

حكومياً، أعلن الرئيس ميقاتي، انّه سيدعو إلى جلسة لمجلس الوزراء الأسبوع المقبل، لبحث ملف ‏القطاع التربوي واوضاعه الطارئة.‏ ورجّحت مصادر حكومية لـ»الجمهورية» عقد هذه الجلسة الخميس المقبل.

ونقل موقع «لبنان 24» التابع للرئيس ميقاتي عن اوساط حكومية قولها: «وسط كل الأزمات، تكاد الحكومة أن تكون العمود المتبقّي من هيكل الدولة المتداعي، ومع ذلك فهي تتعرّض لحمم النار «الدستورية والميثاقية» من دون وجه حق، في وقت مطلوب من الجميع دعمها لتمرير هذه المرحلة الصعبة، وقيامها بالحدّ الأدنى المطلوب لمعالجة القضايا الطارئة، حتى لا يُشلّ عمل الدولة نهائياً». مؤكّدة انّ «البديل عن دعم الحكومة هو المزيد من الانهيارات وتراكم الأزمات».

وسألت الاوساط: «هل مسموح في هذا الظرف العصيب ان يتمترس البعض خلف المتاريس الطائفية، ويتلطّى بعباءة المرجعيات الدينية، بعلمها او بتغاضيها عن الواقع، لإحداث المزيد من الشلل في جسم البلد؟ وهل الحكومة مسؤولة عن الأزمات أم أنّها وجدت نفسها في مواجهتها ومطلوب منها الحل، فيما هي تتعرّض لحملات مغرضة لأهداف سياسية او شخصية؟».

وقالت: «الحكومة اليوم أمام تحدّيات خطيرة أبرزها إضراب المدارس الرسمية المستمر منذ ثلاثة اسابيع، مع ما يشكّله من خطورة على الاجيال الصاعدة، إضافة إلى ملفات عديدة ملحّة وطارئة. فهل مطلوب من رئيس الحكومة أن يستسلم للحملات التي تلبس «لبوس الميثاقية وحقوق المسيحيين»؟ وهل الطلاب المسيحيون في المدارس الرسمية بمنأى عن تداعيات الاضراب مثلا؟. صحيح أنّ المواطن ملّ السجالات والخلافات، لكن هناك حقائق يجب ان تُعلن حتى لا يعتقد من يلبسون ثوب المعارضة والدفاع عن الحقوق انّهم نجحوا في فرض أجندتهم الخاصة».

وخلصت الاوساط إلى القول: «مخطئ من يعتقد أنّ الحملات المدفوعة الثمن او الغوغائية ستدفع رئيس الحكومة إلى تغيير قناعاته. ما يمكنها فعله فقط هي دفعه إلى ما لا يريد الوصول اليه، لاعتبارات وطنية وأخلاقية».

بدوره قال ميقاتي في حديث صحافي: «إنّ لبنان يعيش أزمة كبيرة وضائقة صعبة، لكن على الرغم من ذلك لا يجب أن نجلد أنفسنا، وإنهاض البلد ليس مستحيلاً لأنّه لا يزال هناك مقومات وقدرات يمكنها ان تساهم في حلّ إذا توافقنا جميعاً وتعاونّا للنهوض بالبلد. مثلاً عام 2022 وحدها تمّ استيراد بضاعة بقيمة 19 مليار دولار».

وأضاف: «لن أترك فرصة الّا واغتنمها لتحسين الوضع في لبنان، وفي الوقت الحالي فإنني أُجري اتصالات مكثفة بالمعنيين لمعالجة التدهور الحاصل في سعر صرف الليرة تجاه الدولار، والسعي لضبط الفلتان الحاصل على هذا الصعيد».