IMLebanon

الجمهورية: لجبل مزدحم بالتوترات.. وإستغراب لاســتهداف الجيش

الجبل مزدحم بالتوترات التي تسابق معالجات لم تصل بعد الى إطفاء فتيل حادثة قبر شمون، بل انّ الساعات الماضية عكست منحى تصاعدياً، ارتفع فيه سقف الخطاب التوتيري الى مستويات خطيرة، بالتوازي مع «أشباح خفية» سعت الى العبث بالأمن وإثارة القلق على مستوى البلد بشكل عام، من خلال ترويج رسائل نصّية تخوّف الناس من أحداث أمنية وتفجيرات، اكّدت الجهات الامنية الرسمية انّها شائعات لا اساس لها.
على انّ اصطدام المعالجات بالتصعيد المُتبادل، يُنذر بمزيد من سواد صورة الجبل، ويحمل على الخشية من بروز مضاعفات تخرج عن السيطرة، وخصوصاً انّ حادثة قبر شمون اصابت المصالحة المسيحية – الدرزية في صميمها، وأظهرت انقساماً حاداً وغير مسبوق داخل الساحة الدرزية يُنذر بتوسّع الهوّة اكثر بين اطرافها، بعدما سادت لغة الدم في ما بينهم، وتهدّد بوضع “البيت الواحد” على حافة تداعيات وسلبيات لا حصر لها.

ومن هذه الأجواء القاتمة، تتدفق التساؤلات من كل اتجاه، عن خلفيات هذا التوتير وابعاده والمدى الذي سيبلغه، والأهم عن الجهة المسببة له والمصرّة على النفخ في ناره. ولعلّ ما لفت الانتباه هو انفلات الكلام من عقاله، كما ورد على ألسنة بعض المحازبين الذين تجاوزوا الدولة وهيبتها بتوجيه تهديدات مباشرة لها، وتلويحهم بأمن ذاتي. وايضاً الهجوم المُستغرب على المؤسسة العسكرية ومخابرات الجيش، ومحاولة زجّها في ما وصفته مصادر سياسية “عملاً مدبّراً ومخططاً له مسبقاً، بما يؤكّد وجود اصابع مخابراتية خارجية كان لها الدور الاساس في إشعال فتيل حادثة قبر شمون، بهدف اشعال الفتنة”.

هذه الاجواء استدعت اتصالات مكثفة سعياً لتبريدها، تولّاها بشكل مباشر رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي اتصل بكل من رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، وشيخ عقل الطائفة الدرزية، والوزير صالح الغريب والوزير السابق غازي العريضي.

وشدّد بري خلال هذه الاتصالات على ضرورة إنهاء ما يجري، وقال: “الوقت الآن هو للاحتكام للعقل والحكمة وبذل كل المستطاع من اجل الحفاظ على الوحدة والاستقرار العام، ولنا ملء الثقة بعقلاء الجبل الأشم، وليأخذ القضاء دوره في التحقيق”.

مجلس الدفاع
وعلى وقع التوتر الذي تنقّل امس، بين منطقة وأخرى، بعد قطع طريق صوفر – بعلشميه، والتحرّكات في قرى عاليه والشحار الغربي، انعقد الإجتماع الإستثنائي للمجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية.

وفي معلومات “الجمهورية”، انّ البحث تناول تطورات اليومين الماضيين بكامل وقائعها في قرى عاليه والشحار وساحل بعبدا، وما سبقها من بوادر توتر في بلدة كفرمتى مساء الخميس الماضي، وقرب كنيسة مار الياس في بحمدون يوم السبت، حيث أُلقيت قنبلة صوتية في الأولى وعثر على ثانية قرب الكنيسة، ونتائج التحقيقات الأولية التي اجرتها القوى الأمنية والسلطات القضائية.

وتضيف المعلومات، انّ رئيس الجمهورية طلب الى الاجهزة المختصة التعاطي مع الحادث بالكثير من الجدّية والصرامة وتوقيف المتسببين بالحادث والمشاركين في الإعتداء على الناس. فيما اكّد رئيس الحكومة سعد الحريري انّ مسؤولية الجميع تفرض السعي الى التهدئة وضبط النفس وتقديم المعالجة السياسية اللازمة على اي خيار آخر. وأصرّ على عدم إقحام الاجهزة العسكرية والامنية بالخلافات السياسية. الّا انّ الحريري عبّر عن انزعاجه من عدم تجاوب القادة السياسيين المعنيين بأحداث الجبل، كاشفاً انّ احدهم قال له: “الموضوع فلت من أيدي”.

وقد تقاطعت المعلومات حول وجود فعلٍ محضرٍ، وانّ ما تعرّض له موكب الوزير الغريب هو محاولة اغتيال. فطلب الوزير جريصاتي خلال الاجتماع إحالة الجريمة الى المجلس العدلي، كونه توافرت فيها كل عناصر الجرم وتهدّد السلم الأهلي. فكان الرأي انتظار التحقيقات خصوصاً انّ هناك تقارير شكّكت بوجود الكمين المسلح، واعتبرت انّ القتل جاء نتيجة اشتباك. واللافت انّ هذه المعلومات تضمنها بيان مجلس الدفاع “بإشارته الى سقوط ضحايا واستهداف وزراء ونواب في تجوالهم وتنقلهم والتعبير عن آرائهم بحرية، وقطع الطرق الداخلية والعامة”.

وجاء في البيان: ” في ضوء ضرورة الحفاظ على العيش الواحد في الجبل ورفض اي شكل من اشكال العنف الدامي، اتخذ المجلس قرارات حاسمة بإعادة الامن الى المنطقة التي شهدت الأحداث الدامية ومن دون إبطاء او هوادة، وتوقيف جميع المطلوبين وإحالتهم الى القضاء”، على ان تتمّ التحقيقات بسرعة بإشراف القضاء المختص، وذلك وأداً للفتنة وحفاظاً على هيبة الدولة وحقناً للدماء البريئة وإشاعة لاجواء الطمأنينة لدى المواطنين والمصطافين والسياح، في ظل توافق سياسي يظلل الامن في كل بقعة من لبنان ويحصّنه”.

اتصالات
وبعد الاجتماع، تولّى كل من الرئيس الحريري والمدير العام للامن العام الاتصالات والعمل على خط التهدئة. وفور عودته من الكويت عصراً اوفد جنبلاط الوزير وائل ابو فاعور للقاء الحريري الذي التقى كذلك السفير الكويتي. في هذا الوقت كان اللواء ابراهيم يتواصل مع الوزير اكرم شهيب وتمّ الاتفاق بينهما على خطوات نقلها شهيب الى جنبلاط وانتظر ابراهيم الجواب عليها، وتتعلق بتسليم المتهمين كخطوة أولى على مسار معالجة الأحداث. وكان الرئيس عون قد اجتمع مع ارسلان وطلب منه التهدئة، واعداً بجدّية الإجراءات والقرارات التي تمّ الاتفاق عليها.

مجلس الوزراء
ويبدو من الوقائع المحيطة بهذه الحادثة، انّ رياح قبرشمون ستعصف بجلسة مجلس الوزراء المقبلة، وخصوصاً انّ مثلث المشكلة المؤلّف من الوزير جبران باسيل، والوزير صالح الغريب والوزيرين اكرم شهيب ووائل ابو فاعور سيكون وجهاً الى وجه.

و”علمت الجمهورية” انّ الوزير الغريب سيرفع سقفه السياسي في الجلسة، مدعوماً من “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”، وسيطلب بأن تستنكر الحكومة “الاعتداءات” التي وقعت في الشحار الغربي في عاليه، وان تتضامن معه في اعتباره وزيراً تعرّض لمحاولة اغتيال، كما سيطرح ضرورة التصدّي لسعي البعض الى إعادة إحياء مفهوم الكانتونات، إضافة الى انّه سيطالب بإحالة جريمة قتل مرافقيه الاثنين الى المجلس العدلي. فيما اكّد مصدر بارز في “التيار الوطني الحر” لـ”الجمهورية”، انه “مصمّم على كسر الأقفال الحديدية التي يحاول “الاشتراكي” ان يغلق بواسطتها ابواب الشوف وعاليه امام الرأي الآخر، “كأنه لم يغادر بعد ثقافة الكانتونات”.

“الاشتراكي”
وقالت مصادر اشتراكية لـ”الجمهورية”، انّ وزيري الحزب التقدمي سيعبّران بكل حزم عن موقف “الحزب التقدمي الاشتراكي”، مع التأكيد على القاء المسؤولية على الطرف الآخر، سواء من قام بزيارة التوتير، والمقصود هنا الوزير جبران باسيل، او من اطلق النار وادّى الى سقوط الضحايا.
وبحسب المصادر، فإنّ حادثة الجبل تأتي في سياق مسلسل استهداف وليد جنبلاط، بدأ في التمثيل الوزاري في الحكومة، ثم التعيينات، وصولاً الى رئيس الاركان، وحادث الشويفات، وكذلك ما احاط موقف جنبلاط من مزارع شبعا.

شهيب لـ “الجمهورية”:
الى ذلك، قال وزير التربية اكرم شهيب لـ”الجمهورية”: “الخطاب السياسي العنفي يدمّر البلد ولا يعمّر البلد، يبعد ولا يقرّب، بيفرّق ولا يجمع، والموسم موسم عمل وانتاج وتطلع الى قضايا وليس موسم انتخابات. فالذي حدث كنا في غنى عنه، لو ادرك البعض حساسية وشعور اهل الجبل بأنّ كرامتهم مُسّت بالامس، بالعودة الى خطاب كانوا قد نسوه وتناسوه، خصوصاً بعد المصالحة التاريخية مع صاحب الغبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير. لكن هذا الخطاب الشعبوي يخدم في مكان، انما هو يعطل الوفاق في البلد. فليتقوا الله، ونترك للقضاء والأجهزة الامنية ان تقوم بواجبها دون تدخّل او تأثير لا بموقع ولا بموقف ولا بخطاب او مؤتمر صحافي”.

مصادر باسيل
وقالت مصادر الوزير باسيل لـ”الجمهورية”، انه تلقّى إشارات سلبية سبقت زيارته .
وعن سبب عدم الغاء الزيارة قالت المصادر: “حين يلجأ وزير خارجية لبنان الى استئذان أمير الحرب وأمراء الطوائف في حال أراد زيارة أي منطقة لبنانية للسماح له بذلك، الأمر يعني انك تسلّم بواحدة من أمرين: انّك مثلهم أو انك لا تؤمن بوجود دولة واحدة ومواطن واحد لديه حقوق على كامل الأراضي اللبنانية… وعندئذٍ لا يحق لأحد العتب او القول لماذا لا تسمحون للمسلم الإستئجار في منطقة الحدث ! لكن اذا اردتم انتم المجيء الى مناطقنا فينبغي طلب اذن مسبق”.
اضافت المصادر: “نحن لن نكرّس لأحد اي حق بأن يعتدي على حقنا بالتنقل في أي منطقة من المناطق اللبنانية. وهذا المبدأ ينطبق علينا وعلى غيرنا”.

داود لـ”الجمهورية”:
وقال وزير الثقافة محمد داود لـ”الجمهورية”: “الأهم حيال ما حصل هو ضبط النفس، من جميع الاطراف بغض النظر عن الاسباب والمسببات، مصلحة الوطن هي فوق كل اعتبار، والبلد في وضع اقتصادي واجتماعي حرج، وبالتالي ليس هناك اي مكان او اي امكانية لترف سياسي او لمناكفات لا تقدّم ولا تؤخّر، بل العكس، هذا الامر الذي حصل لن يكون في مصلحة احد من الاطراف لانّه يهدّد بالعمق استقرار البلد. ونحن الآن في ظلّ التحدّيات الراهنة الاقتصادية، ليس خفياً على احد، اننا في امسّ الحاجة الى ذرة استقرار أمني سياسي وعسكري. فدعوتنا للجميع هي الهدوء وضبط النفس والتعقل ومقاربة كل الامور من منظار المصلحة الوطنية”.

أفيوني لـ”الجمهورية”:
واعتبر وزير الدولة لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا عادل افيوني “ان ما حصل في الجبل بالامس امر مؤسف جداً، يجب ان لا يتكرّر. وادعو بالرحمة للضحايا الذين سقطوا، واقدّم تعازي الحارة الى ذويهم، وادعو بالشفاء للجرحى، واحمد الله على سلامة الوزير صالح الغريب”، مشدداً على انّ “استقرار ووحدة الجبل امر مصيري “.

وقال لـ”الجمهورية”: “اريد ان اذكر اننا نمرّ في وضع اقتصادي دقيق وظروف استثنائية تتطلب منا ان نتحمّل جميعنا المسؤولية واعطاء الاولوية لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي، وهذا يتطلب من الجميع التعالي فوق كل الاعتبارات والاصرار على تجنّب اي تشنج واي أزمة وأي مشروع فتنة”.
و رأى افيوني انّ “الحل الأهم الذي ينتظره اللبنانيون منا هو معالجة مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وهذه الاولوية يجب وضعها نصب اعيننا، لكن هذا الامر لا يمكن ان يتمّ الا اذا تجنبنا اي تشنج واي ازمة وركّزنا على هموم الناس وعلى ضرورة استعادة الثقة لدى اللبنانيين ولدى المستثمرين والهيئات الدولية”.

وناشد افيوني “القيادات والعقلاء بذل كل جهد لمنع اي تطور في الازمة الحاصلة ولوأد الفتنة”، مثنياً “على الاجتماعات والمشاورات التي حصلت والتي آمل ان تخلق نوعاً من التهدئة حتى نعود الى وضع طبيعي ومستقر.

ابي خليل لـ”الجمهورية”:
وقال نائب “التيار” سيزار ابي خليل لـ”الجمهورية”، “انّ الكرة هي الآن في ملعب الاجهزة الامنية والقضائية المدعوة الى توقيف مرتكبي جريمة قبرشمون ومحاسبتهم سريعاً”، مؤكّدا انّ منطق الدولة يجب ان يسود.
وشدّد على انه لا يمكن تعويم التفليسة السياسية للبعض بالتوتير الأمني، لافتاً الى انّ التيار حريص على استخدام خطاب اليد الممدودة في اتجاه الجميع، وهذا ما عكسه الوزير جبران باسيل في مواقفه خلال زيارته الى الجبل. لكن هناك من لا يزال يصرّ على التقوقع والتصرّف كأن الجبل ملك خاص له وكأننا نحن مجرّد ضيوف، في حين اننا جزء لا يتجزأ من نسيجه، ولنا ما لهم، مشيراً الى انه يوجد اربعة نواب يمثلون الجبل في “تكتل لبنان القوي”.

ريفي لـ”الجمهورية”:
وقال الوزير السابق اللواء أشرف ريفي لـ”الجمهورية”: “ما جرى في الجبل عنوانه واحد وليس بنت ساعته، والهدف استهداف وليد جنبلاط والطائفة الدرزية من قبل النظام السوري و”حزب الله”، اللذين يحرّكان اتباعهما لترويض ما تبقى من القوى السيادية. نحن الى جانب جنبلاط والجبل، ونتوجّه للجميع، خصوصاً للذين شاركوا في ما سُمّي بالتسوية الرئاسية، للتنبيه من خطر أن يؤكلوا فرادى، اذا ما نجح مخطط ضرب جنبلاط. فلنعد جميعاً الى الاساسيات قبل فوات الاوان”.