IMLebanon

مانشيت: خمول على خط التأليف.. وبرّي يستعجل تشغيل المحرّكات.. والحريري: لستُ قلقاً

 

يقدّم الممسكون بمفاصل السلطة والسياسة في البلد، كلّ يوم دليلاً إضافياً على أنّهم لا يحترفون سوى لعبة تضييع الوقت، وخصوصاً في المفاصل والأوقات الحسّاسة، التي تتطلّب الحدّ الأعلى من المسؤولية. يأتي ذلك، في ظلّ كارثةٍ طبيعية ضَربت القاع ورأس بعلبك بسيولٍ جارفة وأدّت إلى وفاة امرأة، وإلى أضرار وخسائر فادحة في ممتلكات المواطنين.

في هذا الوقت الضائع من عمر البلد وأهله، تتراكم في الأوساط الشعبية والسياسية أسئلة وعلامات استفهام حول سرّ الخمول القابض على عنقِ التأليف، وحول هوية «راجح» الممسِك بزمام التأخير والمانع لأيّ خطوة تتقدّم في اتجاه التعجيل في هذا الاستحقاق. ما يرسّخ أكثر القناعة الراسخة أصلاً لدى الناس بأنّ الحكومة العتيدة والموعودة، مركونة إلى أجلٍ غير مسمّى على رفّ انتظار أن تأتي يدٌ سحرية تأمر بإنزالها عن هذا الرف، وتُحرّر التأليفَ من قبصة التعطيل، وتضع حدّاً للمهزلة التي أدخَلوا فيها البلد، وحجَبوا فيها تقصيرَهم وعدم مبادرتهم لا بل تقاعسَهم في التصدّي الجدّي لاستحقاق التأليف، بإشغال البلد بملفّات أقلُّ ما يقال فيها إنّها مشبوهة، على ما حصَل تحديداً في «فضيحة» مرسوم التجنيس، التي نزَعت آخِر ورقةِ توتٍ عن شعارات ومبادئ صُنِّفت يوماً بأنّها إنقاذية ومثالية.

كلّ ذلك يؤكّد، على ما يقول عاملون على خط التأليف والمشاورات «الخجولة» الجارية، أنّ أهل التأليف، محكومون بأولويات أخرى ما بعد الحدود، وليس مضموناً أن تتحقّق هذه الأولويات، أو أن تخدم المراهِن عليها. ويَلفت هؤلاء إلى أننا قد نصل في نهاية المطاف إلى صراع وسِباق قاتل مع الوقت، ذلك أنّ تحقيقَ هذه الأولويات كلّها أو جزءٍ منها، يتطلّب وقتاً، وهذا الوقت الضائع يأتي على حساب البلد، لأنّ الانتظار هنا، سيوازيه انتظار مِثله وربّما أطولُ منه إذا ما وضِع التأليف على نار الاتصالات الجدّية. علماً أنّ التأليف في حالته الراهنة يتطلّب جهداً استثنائياً عابراً للخلافات والانقسامات والمكايدات والمزاجيات والمطالب التعجيزية، ولحدودِ القوى السياسية المتصارعة على الحقائب الوزارية والمتسابقة للظفر بالوزارات السيادية، والخدماتية الأساسية، خصوصاً تلك التي تُعتبَر «مدهنة» وحلبة خصبة للمشاريع والصفقات وجنيِ الأموال.

وعلى الرغم من الإيجابيات الشكلية التي يحاول بعض فريق طبّاخي التأليف، أن يملأ فيها الفراغ الداخلي، فإنّ أجواء المطبخ الحكومي لا توحي بقربِ الولادة الحكومية، وهذا ما تؤكّده مصادر رسمية رفيعة المستوى لـ«الجمهورية»، إذ إنّ الخشية الكبرى هي من الدخول في دوّامة لا مخرج منها.

وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: علّقنا آمالاً على تكليف الرئيس سعد الحريري الذي وَعد بحكومة سريعة، ولكنّ الوقائع التي توالت منذ التكليف وحتى اليوم، تؤشّر إلى أن لا حكومة بعد العيد مباشرةً، بل لا حكومة خلال الشهر الجاري، وسينقضي شهر حزيران من دون أن تولد الحكومة، وفي هذا الجو، سيَجرُّ الشهر الضائع خلفَه شهراً ضائعاً مِثله، وعلى هذا المنوال سيبقى البلد معلّقاً على حبال مملّعة، تدير زمامَه حكومةٌ لا حول لها ولا قوّة، ولا تملك حتى الحد الأدنى من القدرة على الإدارة وتصريف الأعمال.

وإذا كانت الأجواء الرئاسية تؤكّد استعجالَ رئيس الجمهورية ميشال عون بلوغَ حكومة في أقرب وقت ممكن وتجاوزِ كلّ المطبّات التي يمكن أن تمثلَ في طريق التأليف، فإنّها تتناغم مع تأكيدات الرئيس المكلّف سعد الحريري بتركيزه على التأليف إنّما بشكل هادئ، والمهم هو الإنتاجية وليس هذه الحقيبة الوزارية أو تلك. وهو ما عكسَه من موسكو أمس، بعد لقائه الرئيسَ الروسي فلاديمير بوتين.

بوتين والحريري
وقد حضَرت أزمات لبنان وتأليفُ الحكومة وأزمة اللاجئين في اللقاء، حيث هنّأ بوتين الحريري بإعادة تكليفِه تشكيلَ الحكومة، وقال: «أمامكم مهمّة تشكيل الحكومة الجديدة». أضاف: «علينا أن نستمرّ في نهج تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، خصوصاً أنّ هناك نقصاً في هذا المجال، وعلينا بذلُ الجهود لتعزيز التبادل. كذلك علينا تكثيفُ أعمال اللجنة الحكومية المشتركة، وفي إطار هذه اللجنة، هناك شركات روسيّة تعمل بنشاط وهناك أعمال مكثَّفة في مجالات أخرى».

أمّا الحريري فقال: كان بحثٌ مطوّل في ما يخصّ اللاجئين السوريين وعودتهم إلى سوريا، ومساعدة روسيا في هذا الشأن، ولا سيّما في ما يتعلق بشرح القانون رقم 10، الذي تمّ تمديده لمدة سنة، لكن لا بدّ مِن توضيحٍ أكبر له وحثِّ النظام السوري على شرحِ هذا الموضوع بشكل أفضل، لكي لا يوحي بأنّ اللاجئين في لبنان لا يحقّ لهم العودة إلى سوريا. حقوقُ النازحين السوريين ببلدِهم يجب أن تكون دائمة ويجب ألّا ينتزع أحدٌ هذه الحقوق منهم. تحدَّثنا مطوّلاً في هذا الشأن وفي شؤون المنطقة».

وعن أنّه يتأنّى في موضوع تشكيل الحكومة، أجاب الحريري: «ليس هناك أيُّ هدف، فنحن اليوم في نهاية شهر رمضان المبارك وهناك فترةُ أعياد. كنت أتمنّى أن ننتهي قبل العيد، لكن جميعنا يعلم أنّ لكلٍّ مِن الأفرقاء السياسيين طموحاً، ونحن نتحاور مع الجميع حتى نصل إلى نتيجة. أنا لستُ خائفاً من تأجيلٍ أو تأخيرٍ في تشكيل الحكومة، ولكن كان هناك شهرُ رمضان وكذلك طموحُ بعضِ الأفرقاء السياسيين بأن تكون لديهم حصص. علينا ألّا نفكّر بالحصص بل بالإنتاجية وما يمكننا أن نفعله».

برّي: محرّكات معطّلة
وأمّا أجواء عين التينة، فتؤشّر إلى مراوَحةٍ قاتلة على خطّ التأليف، والرئيس نبيه بري يصرّ على قوله بأنّ محرّكات التأليف لم تشتغل بعد، وهذا يعني أنّ ما أشيعَ في الأيام الأخيرة حول صيغٍ ومسوّدات طرِحت على خط التأليف لا أساس له.

وعندما سُئل بري عن هذه الصيَغ والمسوّدات نفى عِلمه بها، وقال: ما عندي خبر.. أنا مِن جهتي سبقَ وقلتُ إنني أريد الحكومة الأمس قبل اليوم، وتوافَقنا في اللقاء الرئاسي في بعبدا على أن تولد الحكومة في أقرب وقت ممكن، وعلى ضرورة أن تقوم القوى السياسية كلها بتسهيل هذه الولادة. ولكنّني اليوم، وفي ظلّ الجمود الموجود، لا أرى أجواء مشجّعة حول قربِ ولادة الحكومة، ولا أرى أمامي شغلاً على صعيد التأليف، ذلك أنّ المحرّكات لم تشتغل أصلاً بعد، وما زالت حتى الآن معطّلة بالكامل.

وعمّا إذا كانت قد عُرِضت عليه مسوّدات أو تصوّرات، قال برّي: لا شيء من هذا القبيل، لقد حصَل نقاش وحيد بيننا ككتلةٍ نيابية وبين الرئيس المكلّف خلال المشاورات التي أجراها بعد تكليفه تشكيلَ الحكومة، ويومها طرَحنا أمامه رؤيتنا وما نريده في الحكومة الجديدة، وأبلغناه أنّنا كما هو واضح أنّ كلّ النواب الشيعة جعلتهم نتائج الانتخابات من حصّة حركة أمل و»حزب الله»، وبناءً على ذلك حصّتُنا في الحكومة هي 6 وزراء في حكومة موسّعة (30 وزيرا)، 3 وزراء لـ«أمل» و3 لـ«حزب الله»، ولنا طبعاً مِن بين الوزارات التي ستكون من حصّتِنا وزارةٌ سيادية من حصّة «أمل» وهي وزارة المالية، وحقيبة خدماتية أساسية تكون من حصّة «حزب الله»، وهي وزارة الصحّة.

وعمّا إذا كان الحديث قد تناوَل الفصلَ بين الوزارة والنيابة، قال برّي: لا، لكن في هذه المسألة أنا شخصياً لا أقبل بهذا الفصل، هذا الأمر يجيزه الدستور ومنصوصٌ عليه في الدستور، وبالتالي الذهاب نحو هذا الفصل يتطلّب قبل أيّ شيء إجراءَ تعديل دستوري، لذلك أنا شخصياً لستُ في هذا الوارد.

وردّاً على سؤال قال: الأمل مقطوع في أن تتشكّلَ الحكومة قبل عيد الفطر. ومع حلول العيد يعني الدخولَ في عطلة لمدّة أسبوع على الأقل، وفي هذه الحال إن لم ألمس إيجابية في الأيام القليلة المقبلة، فليس هناك ما يَمنعني من أن أسافر بزيارة خاصة لبعض الوقت.

المستقبل: تزخيم
إلى ذلك، توقّعت مصادر في كتلة المستقبل عبر «الجمهورية»، أن تشهد عودة الرئيس الحريري من موسكو تزخيماً لحركة الاتصالات حول الحكومة، التي يفترض ألّا تستغرقَ أكثرَ مِن بضعة أسابيع. ولعلّ عاملَ التسهيل الأساس هو عدم تكبير الطروحات والمطالب التي قد تكون مستعصية على التلبية والتطبيق.

مجموعة عقبات
وكشَفت شخصية سياسية رفيعة لـ«الجمهورية» أنّ مجموعة مِن العقبات ما زالت ماثلةً في طريق التأليف، وهي التي قد تجعل من مهمّة الرئيس المكلّف عندما يبدأ بها شديدةَ الصعوبة، حيث تتوزّع هذه العقبات كما يلي:

عقبة تمثيلِ «القوات اللبنانية»، ومطالبتها بسِتّ وزارات ومنصبِ نائب رئيس الحكومة. وكان اللافت في الساعات الماضية بلوغ العلاقة بين القوات والتيار الوطني حداً كبيراً من عدم الانسجام، خصوصاً في ما خصَّ التمثيل في الحكومة. وبَرز في هذا السياق قولُ رئيس حزب القوات سمير جعجع «لا أحد قادر على إحراجنا لإخراجنا من الحكومة»، مشدّداً على أنّ «القوات لن تقبل بالحصول على أقلّ من حجمها الذي أفرَزته الانتخابات في الحكومة العتيدة».

عقبةُ تمثيلِ التيار الوطني الحر، ومطالبتُه بالحصّة المسيحية شِبهِ الكاملة في الحكومة الجديدة.

عقبة الحصّة الرئاسية، التي تبدو وحدها التي حسِمت حتى الآن، على اعتبارها أنّها كما يصفها التيار الوطني الحر «حصّة ميثاقية تعويضية عن الصلاحيات الرئاسية التي انتزَعها اتّفاق الطائف.

عقبة التمثيل الدرزي التي تبدو محسومةً للحزب التقدّمي الاشتراكي باعتباره يملك كلّ التمثيل الدرزي تقريباً في مجلس النواب باستحواذِه على 7 من أصل 8 نوّاب دروز في المجلس. إلّا أنّ هذه العقبة ما زالت قيد التجاذب الشديد على المستوى الدرزي وكذلك بين الحزب الاشتراكي وبين حلفاء جُدد للتيار الوطني الحر.

عقبة التمثيل السنّي، وكيفية اختيار أسماء الوزراء قبل الحقائب، وهل سيقتصر التمثيل على سنّة تيار المستقبل أم أنّه سيَشمل سنّةً من خارج التيار وتحديداً من قبَل النواب السنّة الذين فازوا في الانتخابات وغالبيتُهم من سنّة 8 آذار؟

إستنساخ الحكومة السابقة
في هذا الجو، عبّرت مصادر معارضة عن تشاؤمها حيال مستقبل الوضع الحكومي. وقالت لـ«الجمهورية»: المضحك المبكي على خط التأليف، هو تكرار طبّاخي الحكومة بوعودهم بحكومة ستركب الموج لإنقاذ البلد، وأنّها ستكون عبرةً يُشهَد لها في نقل البلد من مرحلة الأزمات المظلمة إلى مرحلة الحلول المضيئة. وستقدّم للناس الإنجاز تلو الآخر، فمَن يسمع هؤلاء يظنّ نفسه وكأنّه يعيش في المدينة الفاضلة، ولكنّ كلامهم في جانب والواقع والحقيقة في جانب آخر، إذ إنّ وعودهم تنتفي صلاحيتُها مع حقيقة أنّ جلَّ ما يسعى إليه أصحاب الطبخة الحكومية هو استنساخ الماضي لا أكثر ولا أقلّ، والوصول فقط إلى أمرٍ واقع تولد فيه حكومة تشبه سابقاتِها في كلّ شيء. والحقيقة المرّة تتبدّى في أنّ الجميع من دون استثناء متّفقون على أنّ الحكومة التي سيولدونها، هي حكومة أقلّ مِن عادية يُطلب منها أكثر من استطاعتها.

السفير الفرنسي
على صعيد سياسي آخر، التقى رئيس الجمهورية، أمس، السفيرَ الفرنسي برونو فوشيه، وعلمت «الجمهورية» أنّ اللقاء تناوَل القضايا المحلّية والإقليمية، وأشار فوشيه إلى متابعته الدقيقة للوضع اللبناني، وأنّ هناك لجنة متابعة لمؤتمرَي روما 2 وسيدر 1، وأنّ بلاده تدعم المراحل التنفيذية لهذين المؤتمرَين، وملتزمة دعمَ الجيش والقوى الشرعية، وتعمل لترجمة مقرّرات المؤتمرَين وأنّ الالتزام تجاه لبنان مستمرّ.

كارثة من صنع الإهمال
حلّت الكارثة أمس في بلدة رأس بعلبك البقاعية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة. وأدّت السيول الجارفة التي اجتاحت المنطقة إلى أضرار في الأرواح والممتلكات والمزروعات.

وفي حين بدت الكارثة للوهلة الأولى وكأنّها من نتاج الطبيعة الغاضبة والأمطار الغزيرة، تبيَّن بعد التدقيق أنّها نتيجة الإهمال، وعدم مبادرة الدولة إلى معالجة الأزمة التي كانت واضحة ومعروفة منذ فترة.

وفي هذا السياق، اتّضَح أنّ السيول الجارفة هبَطت بشكل مفاجئ على البلدة من الجرود، في حين لم تشهد البلدة هطولَ أمطار، لكنّ المياه تجمَّعت في الجرود نتيجة الأمطار هناك، واتّجهت على شكل سيول نحو المنازل والمتاجر، وأخذت في طريقها المزروعات.

وكشَف النائب أنطوان حبشي لـ«الجمهورية» أنّ هذه الكارثة سبقَ وحصَلت بأضرار أقلّ منذ نحو أسبوعين، «ولدى تفقّدِنا للمنطقة حذّر رئيس بلدية رأس بعلبك من أنّ تجدُّد تكوُّنِ السيول الجارفة ستكون له نتائج أسوأ على سكّان المنطقة، وهذا ما حصَل بالفعل. لذا نحن نشدّد على معالجة أسباب المشكلة وليس نتائجها فقط». (تفاصيل ص 10 – 11)