IMLebanon

مانشيت:باريس: شكِّلوا حكومة أكثرية.. ونصــائح خارجية بعلاجات إقتصادية

 

مثلما فُتِح الأسبوع الحالي على إيجابيات مفتعَلة على خط التأليف، سيُقفَل من دون أن تلوح في الأفق ملامح ترجمةٍ لها، وفي المحصّلة الملموسة حتى الآن أنّ أسبوعاً جديداً انضمّ إلى مسلسل الأسابيع التي ضاعت حتى الآن، من دون أن يتمكّن طبّاخو الحكومة من رفعِ العوائق وإزالةِ العثرات من طريقها. ما خلا هدوءَ جبهات السجال نسبياً، من دون أن يلغيَ حرب الحصص والأحجام. وإذا كان غموض أسبابِ تأخير ولادة الحكومة قد فَتح الباب على افتراض وجود عوامل خارجية معطّلة، من دون قرائن أو أدلّة تؤكّد ذلك، كان اللافت أمس دخول باريس على خط الدعوة إلى تسريع تشكيل الحكومة، حتى ولو كانت حكومة أكثرية.

في لقاءٍ خاص مع مجموعة من الصحافيين في قصر الصنوبر لمناسبة العيد الوطني الفرنسي، وقد شاركت فيه «الجمهورية»، أكّد السفير الفرنسي في لبنان برونو فوشيه أنه لا يرى أيَّ «عراقيل إقليمية» تحولُ دون تأليف الحكومة اللبنانية.

ولفتَ في كلام السفير قوله: «هناك أكثرية جديدة أفرزَتها الانتخابات، والحكومة يجب أن تتألف انطلاقاً من هنا، ولا أرى ما يستدعي الانتظار، وهذا مؤسف».

ولدى سؤاله عمّا إذا كانت طبيعة الأكثرية التي تألّفت، هي السبب في تأجيل التأليف، كونها هذه الأكثرية «حليفة لإيران». قال فوشيه :»الأكثرية هي الأكثرية».

أنقاض لا إنقاذ

حكومياً، الواضح ممّا يجري على خط التأليف، وممّا يطرحه كلّ طرف، أنّ الهدف السامي والأوحد الذي يُعنْوِن مطبخَ التأليف، ليس الوصول إلى حكومة إنقاذ وطني يحتاجها البلد في ظرفه الراهن، بل الوصول الى حكومة أعداد وحصص، لا تكترث حتى ولو تحوّلَ البلد الى إنقاض. وبالتأكيد لا يمكن التعويل على حكومة تولد على حلبة المحاصصات الحزبية. هذا إذا ولِدت هذه الحكومة في المدى المنظور أو غير المنظور.

أوساط الحريري

على أنّ الصورة الحكومية الأخيرة، تؤكّد أنّ مسافات التباعد هي نفسُها، بل تتعمّق أكثر، مع تصَلّبِ الأطراف المتنافسة على الحصص، واستحالة بناء مساحات مشتركة يتنازل فيها المتصلّبون، أو يتواضعون في طروحاتهم وشروطهم.

وسألت «الجمهورية» أوساطَ الرئيس المكلف سعد الحريري حول جديد مساعيهِ على خط التأليف، فاكتفَت بالإشارة الى أنّ المناخ إيجابي، وأنّ الحكومة ستولد في نهاية المطاف، والمشاورات تجري بهذه الروحية، وسيَستكملها الرئيس المكلف بوتيرةٍ سريعة، من دون أن تتحدّث عن موعد محدّد لزيارته القصرَ الجمهوري ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون. وقالت إنّ هذا الأمر وارد في أيّ لحظة، علماً أنّ التواصل الهاتفي لم ينقطع بينهما وكذلك بين الرئيس المكلف ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.

برّي: لا للدوّامة

وفي هذا الجوّ، أكّدت أوساط الرئيس بري لـ«الجمهورية» أنّ الطبخة الحكومية يجب أن تنضج في القريب العاجل. ومن غير المعقول أن نبقى ندور في هذه الدوّامة.

وإذ أكّدت الأوساط عدم وجود تأكيدات عن إيجابيات جدّية وملموسة يُبنى عليها، لافتراض أنّ الحكومة وضِعت على سكّة الولادة. قالت: الرئيس بري مع أن يَطغى مناخ الإيجابيات على السلبيات، ولا بدّ بالتالي من ولادة الحكومة في وقتٍ قريب، وكلَّ يوم تأخير يزيد من الأضرار ويُفاقِمها على البلد.

وإذا كان بري ينتظر أيَّ إيجابيات تُترجَم جدّياً على خط التأليف، فإنّ الصورة جامدة في مربّع السلبية، بحسب مصدر نيابي بارز، الذي قال لـ«الجمهورية»: الكلام عن الإيجابية هو نفسه الذي يقال منذ بدء دوران عجَلةِ التأليف، وثبتَ أنه من النوع الذي ينطبق عليه المثل القائل: «إسمع تفرَح، جرّب تحزن» والنيّات التعجيلية التي يجري إسقاطها على مسرح التأليف ثبتَ أنّها بلا معنى وبلا أيّ أساس، حتى الآن الهوّة عميقة بين هذه النيّات والكلام على ايجابيات، وبين الواقع العالق في بازار المطالب والصراع على الأحجام التي تزداد احتداماً يوماً بعد يوم، وتُنذر بالاحتدام أكثرَ في الآتي من الأيام.

مربّع العقَد

وعلمت «الجمهورية» أنّ العقدة الماثلة في طريق الحكومة، عالقة ضِمن مربّع الرئيس المكلف، والتيار الوطني الحر، والقوات اللبنانية، ووليد جنبلاط، والمسوّدة الجديدة معطّلة بعدمِ الاتفاق بَعدُ على نسبةِ تمثيلِ التيار وحصّة رئيس الجمهورية، وبعدمِ الحسم النهائي لحجم تمثيل القوات ونوعية الحقائب التي ستُسند اليها، وباستفحال العقدة الدرزية التي وصَلت الأفكار حول حلحلتِها إلى طريقٍ مسدود.

وبحسب معلومات مرجع سياسي أنه لمسَ من الكلام الأخير الذي أطلقه رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع بعد لقائه الأخير مع الحريري بعضَ الليونة وإمكانية حلحلة عقدةِ القوات، إلّا أنّ الأمر الصعب يَكمن على الخط الدرزي، فجنبلاط مصِرّ على تسمية الوزراء الدروز الثلاثة بوصفِه يملك هذا الحقّ، حيث أكّدت الانتخابات أنه الزعيم الدرزي الأقوى وصاحبُ الحيثية التمثيليىة الأوسع في الطائفة. فضلاً عن وجود دافعٍ أساسي لإصرار جنبلاط على التسمية وهو تداعي علاقتِه مع طلال أرسلان وصولاً إلى القطيعة التامّة معه.

أرسلان يرفض إقصاءَه

وعلمت «الجمهورية» أنّ أرسلان يرفض فكرة إقصائه عن الحكومة، ويصِرّ على أن يتمثّل شخصياً. وقالت مصادر الحزب الديموقراطي اللبناني لـ«الجمهورية»: إنّ دخول أرسلان الحكومة أمرٌ طبيعي استناداً إلى نتائج الانتخابات على الساحة الدرزية، والتي أكّدت أنه حالة موجودة لا يُمكن تجاوزها. ومحاولة جنبلاط احتكارَ تمثيل الطائفة أمرٌ خطير، لأنّ مِن شأن ذلك أن يترك آثاراً سلبية وخطيرة.

وسألت المصادر كيف يمكن لكتلة من 9 نوّاب أن تحصل على ثلاثة وزراء؟ واستغربَت كيف يوضَع «فيتو» على إشراك أرسلان في الحكومة، فيما يتمّ السعي حثيثاً لإشراك أطراف أخرى أقلّ تمثيلاً مِن أرسلان. واعتبرَت أنّ جنبلاط يرفض الشراكة الحقيقية في الطائفة الدرزية، لكي يُبقيَ على هيمنته على الجبل وقراره السياسي.

«الإشتراكي»: لا تراجُع

وفي المقابل، قالت مصادر نيابية في الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«الجمهورية»: لا توجد معركة أحجام ضِمن الطائفة الدرزية، لأنّ الانتخابات حدّدت حجماً تمثيلياً وحيداً للطائفة، هناك من يصرخ ليتوزّر، هذا الصراخ لا يعنينا، ولا نسمعه، هناك من دخلَ بالصدفة إلى المجلس النيابي، والفضلُ في ذلك إلى المقعد الذي تُرك فارغاً. في أيّ حال، نحن قلنا ما لدينا ولا شيء آخر نضيفه على تمسّكِنا بتسمية الوزراء الثلاثة، ولا تراجُع عن هذا الأمر.

نصائح خارجية

من جهةٍ ثانية، ما جرى خلال الأسابيع التي ضاعت على خط التأليف، عكسَ الاستماتة السياسية والحزبية لاحتلال المساحة الأكبر في الحكومة المستعصية حتى الآن، وأمّا على الضفّة الأخرى فتتفاقم معاناة الناس من انحدار مستوى معيشتهم إلى أدنى مستوياتها، بالتوازي مع تراكمِ الضغوط على البلد على كلّ المستويات، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي، من دون أن يرفّ للّاهثين خلف الحقائب الوزارية جفنٌ، حيال الخطر المحدِق، ما خلا الهروبَ إلى الأمام بكلام وشعارات على المنابر لا تقدّم ولا تؤخّر، ومن دون أن يكترثوا لتحذيرات الخبراء وأهلِ الاختصاص.

والجديد على هذا الصعيد، بحسب ما كشَفته مستويات مسؤولة لـ«الجمهورية»، نصائح خارجية تلقّاها لبنان في الآونة الأخيرة، من جهات أممية، وكذلك من مراجع غربية خبيرة بالشأن المالي والاقتصادي، بالمبادرة الفورية الى إيجاد العلاجات العاجلة والضرورية للوضع الاقتصادي والمالي في لبنان، لكي لا يتفاقم الحال إلى ما هو أسوأ وأخطر.

مرجع إقتصادي

ودعا مرجعٌ اقتصادي ومالي، عبر «الجمهورية» إلى التوقّف مليّاً عند البيان الأخير للمجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، والذي ينطوي على حثِّ المسؤولين في لبنان على أن يسمعوا رنينَ جرسِ الإنذار والتحذير ممّا قد يصيب بلدهم جرّاء اقتصادهم السيّئ.

وأهمّ ما في بيان صندوق النقد الدولي، بحسب المرجع المذكور، تنبيهُه إلى أنّ لبنان بات يحتاج إلى ضبطٍ ماليّ فوري لتحسين القدرة على خدمة الدين العام المتفاقم الذي تجاوَز 150 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي في نهاية العام 2017. وهذا يوجِب مسارعة لبنان الى اتّخاذ الإجراءات الضرورية والفورية لوضع حدٍّ لهذا الانحدار.

وأشار المرجع إلى أنه في ظلّ هذا الانحدار، لا يمكن الحديث عن نموٍّ اقتصادي، ولقد أشار صندوق النقد الى أنّ المحرّكات التقليدية للنموّ في لبنان تقبع تحت ضغطٍ في ظلّ الأداء الضعيف لقطاعَي العقارات والإنشاءات، وبالتالي مِن المستبعَد أن يكون أيّ انتعاش قريباً من دون مبادرات ضرورية وملِحّة وعاجلة لبلوغه.

خبَراء يُحذّرون

يتقاطع ذلك مع تحذيرات الخبراء الاقتصاديين، والتي بُنيت في جانب أساسي منها على ما أعلنَته وزارة المالية في تقريرها الأخير، من أنّ حجم الدَين العام تجاوَز الـ 81 مليار دولار، وقد وصَل فعلياً إلى 82 مليار دولار، وهو رقمٌ مقلِق، يضع لبنان في المرتبة الثالثة عالمياً بين الدول الأكثرِ مديونية.

وبرأي الخبراء، أنّ مسألة الإفلاسات التي بدأت تُعلنها شركات عقارية كبرى في الآونة الأخيرة، جاءت لتزيد القلقَ مِن اقتراب موعد السقوط، ما لم تبدأ المعالجات الفورية.

ومن المعروف أنّ قسماً كبيراً من محفظةِ ديون المصارف مخصّص للقطاع العقاري، بما يعني أنّ سقوط القطاع سيؤثّر على مجمل الوضع الاقتصادي في البلد. وحتى الآن، وكمؤشّر إضافي على حالِ العجز في المالية العامة، لم تنجَح الدولة في إعادة إحياء القروض السكنية المدعومة، رغم معرفة المسؤولين بالمخاطر المالية والاجتماعية جرّاء استمرار جمودِ هذه القروض.