IMLebanon

مانشيت: فشلُ التأليف يُنذر بتصعيد سياسي.. و«القوات» تُغازل برّي والجيش

ثبتَت إشارة البوصلة الحكومية في نقطة الفشل، وأُدخِل التأليف إلى البرّاد السياسي حتى أجَلٍ غير مسمّى. وفي هذا الجوّ الذي تدرّج من الرمادي القاتم إلى السواد، تنعدم الآمالُ بدخول الحكومة مرحلة الولادةِ في المدى المنظور.

كأنّ هذا المسار محكوم بقوى تعطيلٍ اتّخَذت عن سابق تصوّرٍ وتصميم، قراراً بتعويد الناس على الفراغ الحكومي، مع ما يترتّب على ذلك من تفاعلٍ للأزمات الداخلية المتراكمة والمتفاقمة.

وأغربُ ما في زمن التعطيل الحكومي هذا، أنّ المتسبّبين به، ينفضون أيديَهم من أزمة حاكوها بالتكافل والتضامن في ما بينهم، ويرفضون الاعتراف بفشلهم في تأليف حكومة، هم يعرفون قبل غيرهم، أنّها من العائلة ذاتِها للحكومات السابقة التي لم يقدّموا فيها للبلد سوى أزمات ودروسٍ في المحاصصات وعَقدِ الصفقات.

الحريري: لا للسلبية
خلاصة التأليف حتى الآن، صفر، وأوساط الرئيس المكلف سعد الحريري، لا تستطيع الجزم بوجود تقدّمٍ ملموس حقّقه منذ انطلاق حركة مشاوراته. إلّا أنّ الأهمّ في نظرها هو مساهمة كلّ الاطراف في إنجاح مهمّته، وهذا يقتضي بدايةً تجنُّبَ السلبية والحفاظَ على مناخ هادئ بمواقف وخطوات تخدم هذا المناخ، وتفتح الطريق إلى بلوغ التأليف في أسرع وقت ممكن. علماً أنّ الوقت لم ينفِد بعد لتحقيق هذه الغاية.

سوء تفاهم
ولعلّ السبب الأساس للمراوحة عند نقطة الصفر، هو أنّ المشاورات التي جرت، منذ تكليف الحريري تشكيلَ الحكومة، لا تشبه من قريبٍ أو بعيد المشاورات التي يوجب إجراءَها استحقاقٌ مهمّ كتشكيل حكومة، أيِّ حكومة، بل إنّها فتحت حلبةً تداخلت فيها الصلاحيات حول من يؤلّف الحكومة، رئيس الجمهورية ميشال عون أم الرئيس المكلف، والنتيجة «سوء تفاهم» بدأ يَعتري العلاقة بين الرئيسين، مقروناً باختلاف نظرتيهما حول آلية التأليف وتفاصيله. ومجالس الطرفين تُعبّر عن ذلك بوضوح. فيما ترسم في أجوائهما أكثرَ مِن علامة استفهام حول أسباب انقطاع اللقاءات المباشرة بينهما.

معارك مفتوحة
ولعلّ النتيجة الأكثر دويّاً، هي أنّ المشاورات، بما رافقها من شروط وتعجيز وتباينات أعادت خلط الأوراقِ السياسية إلى حدٍّ دفعَت العلاقات السياسية بين بعض الأطراف إلى ما دون الصفر، فأشعلت حربَ أحجام سياسية بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وما زالت محتدِمةً على الأسباب التي أدّت إلى اشتعالها، والتواصلُ بينهما ما كان إلّا محطاتٍ شكليةً، نجَحت في وقفِ التقاصُف السياسي والإعلامي بينهما، إلّا أنّها لم تصل إلى إطفاء الفتيل، وبالتالي ملامسةِ عمقِ المشكلة القائمة بينهما، بحلولٍ أو مخارجَ تبدو حتى الآن مستعصية.

وعلى خطٍ موازٍ عمّقت القطيعة بين التيار ووليد جنبلاط، وظهَّرت خطاباً ناريّاً بين الطرفين، فأوساط التيار تؤكّد لـ«الجمهورية» أنه «لن يسكتَ أبداً على الافتراءات المتكرّرة التي يطلقها جنبلاط تجاه التيار وكذلك تجاه رئيس الجمهورية»، فيما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وبحسب أوساطه، «ماضٍ في معركةٍ يعتبرها وجودية، خصوصاً في وجه طرفٍ لا هدف له سوى الاستئثار، وبالتالي لن يتراجع جنبلاط عن مطلبه بحصريةِ التمثيل الدرزي في الحكومة بالحزب التقدمي الاشتراكي. فيما تؤشّر الأجواء المحيطة بـ«جبهة نواب سُنّة المعارضة»، إلى معركة قاسية على جبهة تيار المستقبل و«حزب الله»، الذي قرّر أن يخوض معركة تمثيل هؤلاء، ويدفع بقوّة إلى تمثيلهم في الحكومة.

برّي: لا للشلل
وإذا كان رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وكما تقول أوساطه لـ«الجمهورية»، ما زال يُحذّر من عامل الوقت الذي يَضغط ويُنذر بمخاطر كبرى على البلد، اقتصادية بالدرجة الأولى، في حال استمرّ التأخير على ما هو عليه ويقول إنه لا يجوز أن يبقى البلد مشلولاً بلا حكومة إنقاذية، فإنّه يأمل أن تُنتج مشاورات الرئيس المكلّف إيجابياتٍ تكسر حلقة التعقيدات وتُخرج الحكومة إلى النور.

وتبقى المشكلة الأساس في نظر بري، بين التيار والقوات، إلّا أنّه يرفض الغوص علناً في التفاصيل، وخصوصاً في المطالب والشروط التي تُعتبَر مبالغاً فيها، لكنّه يتفهّم موقف النائب جنبلاط، مجدِّداً التأكيد على أنّ العقدة الدرزية هي أقلّ تعقيداً بكثير من عقدة القوات والتيار. وعندما يُسأل؛ لماذا لا يتدخّل لحلّ العقدة؟ يقول: ولماذا أتدخّل؟ لم يطلب أحد منّي ذلك.

العامل الخارجي
على أنّ اللافت للانتباه في ظلّ أزمةِ التأليف المتفاقمة، هو الهمسُ الذي بدأ يتصاعد في بعض المجالس السياسية حول وجود عامل خارجي يُفاقم التعقيد على الخط الحكومي. وفي هذا السياق قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: هناك كلام كثير من هذا النوع، التعقيد الحاصل يَفتح الشهية على قول كلِّ شيء، قد يكون ذلك صحيحاً، وربّما غير صحيح، وأنا مِن جهتي لا أستطيع حتى الآن أن أجزم ما إذا كان العامل الخارجي موجوداً أو غيرَ موجود. وفي أيّ حال في لبنان تعوّدنا أنه لا يوجد سِر، فإنْ لم نعرفه اليوم، فسنعرفه في وقتٍ آخر.

«الحزب»: معايير واضحة
إلّا أنّ مصدراً قيادياً في «حزب الله» جزَم لـ«الجمهورية»، بوجود تداخلٍ بين العامل الداخلي للتعطيل وعامل خارجي إقليمي. وفي هذا السياق قالت مصادر الحزب لـ«الجمهورية»: إنّ الكرة في ملعب الرئيس المكلّف، الذي عليه أن يستقرئ المعطيات ويسعى إلى تدوير الزوايا، ويتناقش مع رئيس الجمهورية ويتواصل مع الكتل ويقدّم المقترحات والأفكار والمخارج، ويجب ألّا يكلَّ في ذلك، فمِن مصلحة الجميع أن تتشكّل الحكومة، ونحن مِن جهتنا نرى أنّ مِن الأفضل أن تكون هناك قواعد واضحة ومعايير واضحة تسري على الجميع، على الكتل البرلمانية كما على القوى السياسية، بحيث تُشارك كلّ القوى من دون استثناء في الحكومة. وقبل كلّ شيء، يجب التأكيد على أنّ نتائج الانتخابات «فارضة نفسَها»، وهذا يوجب على الجميع من دون استثناء أن ينزلوا إلى الأرض ولا يبقوا في دائرة الشروط والشروط المضادّة.

حرب
فيما لفتَ في السياق نفسِه، موقفُ النائب السابق بطرس حرب، الذي رأى فيه أنّ عُقد التأليف هي مزيج من العناصر الداخلية والخارجية.

وقال حرب لـ«الجمهورية»: لا أعتقد أنّ هناك مسعىً لتشكيل حكومة، لأنّ لا أحد من الأفرقاء السياسيين المعنيين يسعى إلى تشكيل حكومة تعمل لمصلحة البلاد، بقدر ما يسعون إلى معرفة ماذا يمكن أن ينالوا من حصص.

غزل القوات – بري
على خطّ سياسيّ موازٍ، لوحِظ أنّ نوعاً من الغزل السياسي بدأ يسود على خط القوات اللبنانية – عين التينة. بدأت تباشيره عشية انتخاب أعضاء اللجان النيابية، حينما بادرَ الرئيس بري إلى تغطيةِ ترؤسِ «القوات» للّجنة النيابية للإدارة والعدل وإسنادِ رئاستها للنائب جورج عدوان.

والواضح أنّ هذا الغزل الذي تُوِّج أمس بزيارة قامت بها النائب ستريدا جعجع إلى عين التينة، وكذلك بقرار «القوات» المشاركة الأسبوعية الثابتة في لقاء الأربعاء النيابي الذي يَعقده الرئيس بري، عبر النائب زياد حوّاط، الذي شارَك في اللقاء أمس، للمرّة الثانية.

وفي هذا اللقاء، أعاد بري التأكيد أنه حتى الآن لم يطرأ أيّ تغيير أو جديد على موضوع تشكيل الحكومة، وقال: منذ شهرين نحن ننتظر، ولم يحصل أيّ تقدّم، وإذا لم يحصل أيّ جديد، فسأدعو إلى جلسة تشاوُر حول الوضع القائم.

وقال النائب حوّاط لـ«الجمهورية»: «تمَّ التشديد من الرئيس بري والنواب المشاركين في اللقاء على أهمّية الإسراع في تأليف الحكومة، نظراً للأزمات الاقتصادية والتحدّيات التي تنتظر المعالجة».

وأشار من جهة ثانية، إلى أنّ «القوات» قدّمت التنازلات المطلوبة من أجلِ تأليفِ الحكومة، وهي تُسهّل مهمّة الرئيس المكلّف وتنتظر من جميع الأفرقاء التعاون».

وشدّد الحوّاط على أنّ «القوات» ترفض منطقَ وضعِ «الفيتوات»، فلا يحقّ لأحدٍ وضعُ «فيتو» على أيّ حقيبة تريد أن تتولّاها، خصوصاً أنّ نتائج الانتخابات واضحة»، مؤكّداً أنّها «ما تزال متمسّكةً بحقّها بالحصول على حقيبة سيادية لأنّ حجمها النيابي يَسمح لها بذلك».

بدورها، حذّرت مصادر «القوات» من أنّ التأخير في تأليف الحكومة ينعكس سلباً على لبنان وجميعِ اللبنانيين. وقالت لـ«الجمهورية» إنّ الممرّ الوحيد للتأليف هو التعاونُ مع الرئيس المكلف وتسهيل مهمّته، ولكن ما يحصل هو خلافُ ذلك، حيث توضَع العصيّ في دواليب حركة الرئيس المكلّف لسببٍ بسيط، لأنه يريد تأليفَ حكومة متوازنة وتعكس ما أفرزَته صناديق الاقتراع.

وأكّدت المصادر أنّ الهدف كان وما زال تحجيم «القوات اللبنانية» التي حقّقت نتيجةً غير متوقَّعة بالنسبة للبعض، فاتّخَذوا قراراً بتطويقها وإفراغِ انتصارها من مضمونه، الأمر الذي لن يتحقّق لا اليوم ولا بعد ستةِ أشهر، وبالتالي لا حاجة لتأخير التأليف الذي لن يبدّلَ بالوقائع الانتخابية الدامغة، بل سينعكس سلباً على البلد الذي هو بأمسّ الحاجة إلى حكومة.

القوات والجيش
في سياقٍ متّصل، بَرزت أمس، زيارة وفدٍ قوّاتي لقائد الجيش العماد جوزف عون، في سياق اللقاءات الدورية التي ستقوم بها «القوات» إلى المرجعيات الروحية والسياسية والعسكرية. وضمّ الوفد أعضاءَ تكتّل «الجمهورية القوية»؛ الوزيرَ والنائب بيار بو عاصي والنائب جورج عقيص والنائب سيزار معلوف وأمين سر التكتّل الدكتور فادي كرم.

وقالت مصادر «القوات» لـ«الجمهورية»: شكّلت الزيارة مناسبةً تؤكّد فيها «القوات اللبنانية» للعماد عون دعمَها للجيش اللبناني الذي يُجسِّد العنوان السيادي للدولة اللبنانية، وإنّ تسليح الجيش لتقويتِه يدخل في سياق أهدافِها الاستراتيجية، لأنّ لا دولة من دون جيش يَبسط سيطرته على كامل حدودها وترابها.