IMLebanon

مانشيت: الإقتصاد في «الكوما».. والسياسيون أيــضاً!… وتحضيرات لاعتصامات وإضرابات

من يسمع السيّاسيين وهم يعطون الدروس بالوطنية والنزاهة والحرص على البلد، يعتقد انّ صحوةً أصابتهم وستقلب الوضع في لبنان رأساً على عقب، وتنقله من عمق الازمة الى مدار الحلول والانفراجات الواسعة. ولكن سرعان ما يخيب الأمل مع هذه الفئة، التي جعلت من تلك الدروس في زمن الانتخابات النيابية معبراً الى المجلس النيابي والظفر بمقاعد فيه، وعلى هذا المنوال تستخدمها في زمن الاستحقاق الحكومي، بدل أن تسهّل تشكيل الحكومة بما يتطلبه حال البلد من حكومة طوارىء وإنقاذ تتشارَك في ما بينها على تعطيل البلد وتعويده على الفراغ وفقدان سلطته التنفيذية. وأكثر من ذلك تركه فريسة في مهب الأزمات والتهديدات.
واضح أنّ تأليف الحكومة دخل في «الكوما» الطويلة الأمد، فيما الوضع الداخلي يزداد هشاشة، وتنعدم فيه أحزمة الامان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الأمني، وكل ذلك بفضل هذه الفئة من السياسيين التي أعدمت الحكومة قبل ان تتألف، بفعل صراعها المُستميت على حلبة الحصص والاحجام، والتحكّم بأجندة الحكومة في المرحلة المقبلة. وبفعل هذه السياسة المتّبعة، كاد البلد ان يسقط قبل ايام في المحظور، جرّاء الانقسام السياسي والسجالات المتبادلة، خصوصاً بين «التيار الوطني الحر» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، التي انسحبت توتراً سياسياً وغلياناً طائفياً في بعض مناطق الجبل، وهو الامر الذي حمل بعض المراجع العسكرية والامنية على التحذير من خطورة الوضع على الارض، وينبغي الاسراع لمعالجته، ما حمل سُعاة الخير على التدخل للجم التوتر، واشتغلت الاتصالات السياسية على اكثر من خط، وشملت عين التينة، وبيت الوسط، و»حزب الله» إضافة الى «التيار»، وقصر بعبدا. وتحدثت مصادر مواكبة لهذه التطورات عن حركة لافتة على خط نزع فتيل التوتر واحتواء الوضع للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم.
يتوازى هذا الوضع مع استمرار دق أجراس الانذار الاقتصادية والمعيشية، وهذا ما تؤشّر اليه التحضيرات الجارية بين شركاء الانتاج في لبنان، ولاسيما الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام ونقابات المهن الحرة، لتحركات في المدى القريب، في محاولة لحمل القوى السياسية على الالتفات الى ما سُمّيت «المصيبة الكبرى» التي يقترب منها البلد اقتصادياً ومعيشياً، والمسارعة الى تشكيل حكومة إنقاذية. وعلمت «الجمهورية» انّ ثمة فكرة متداولة بين هؤلاء الشركاء تقترح ممارسة أقوى ضغط على الطبقة السياسية، وذلك عبر تنفيذ تجمعات واعتصامات مفتوحة وإضراب عام في كل القطاعات، وحتى لو تَطلّب هذا الضغط التلويح بإعلان العصيان.
وقالت مصادر اقتصادية معنية لـ»الجمهورية»: الوضع اكثر من متأزّم، والتأخير في تشكيل الحكومة يزيد التأزّم، ويحمل على القلق على الوضع المالي ان استمر الحال على ما هو عليه اليوم. نحن نحذّر من انّ لبنان يسير على حافة هاوية اقتصادية، وعلى المسؤولين ان يتحملوا مسؤولياتهم، وتجنيب لبنان السقوط الكارثي، الوضع سيئ اليوم، وسيكون أكثر سوءاً في الاشهر المقبلة، ان لم تتخذ من الآن التدابير الانقاذية.
على الصعيد ذاته، حذّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من «بث إشاعات حول الوضع الاقتصادي تضرّ بلبنان، وتنظيم حملات تيئيس»، وقال: «لا الليرة اللبنانية في خطر ولا لبنان على طريق الافلاس، ونحن نعمل على معالجة الازمة الاقتصادية الراهنة، وعلينا ان نكون شعباً مقاوماً لليأس، وكما قاومنا من أجل حريتنا وسيادتنا واستقلالنا، علينا اليوم ان نقاوم من أجل إنقاذ وطننا».

تشريع الضرورة
الى ذلك، وفي محاولة واضحة لإحداث خرق في الجمود الحاصل في البلد، وَجّه رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوة الى جلسة تشريعية يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين، لدرس وإقرار مجموعة من المشاريع واقتراحات القوانين المدرجة على جدول الاعمال. وجاء ذلك بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس الذي عقد برئاسة بري ظهر أمس، في مقر رئاسة المجلس في عين التينة.
وعشيّة الجلسة التشريعية، عُقد اجتماع مالي – تقني في وزارة المال تحضيراً للجلسة، ضَمّ وزير المال علي حسن خليل ورئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان ومدير عام رئاسة الجمهورية.
هذا الاجتماع، وكما ذكرت مصادر مطّلعة، كان يُفترض أن يبقى بعيداً عن الاعلام، الّا انّ الصدفة أخرجته الى النور. وقد تداول المجتمعون في الاعتمادات الاضافية التي قد يتم التصويت عليها في مشاريع قوانين معجلة مكررة، بما يعني انه سيتم تضخيم العجز في موازنة 2018، لأنّ المبالغ المرصودة للانفاق لم تعد كافية لتمرير العام.

جابر
وفي هذا السياق، لم يستبعد النائب ياسين جابر ان يعدّ وزير المالية شيئاً ما يتعلق باعتمادات اضافية على موازنة 2018، على ان يطرحه في إطار المعجل المكرّر.
وقال جابر لـ»الجمهورية» انّ الجلسة العامة تتضمن جدول اعمال واسعاً، يشمل الكثير من الاتفاقيات الدولية لقروض مهمة قد يفقدها لبنان اذا لم تتم الموافقة عليها. واعتبر انّ الهدف من الجلسة حيوي، لذا جرى الاجماع عليها، فهناك إجماع من قبل رئيس الجمهورية ومن قبل رئيس الحكومة عَدا عن انّ معظم النواب يُبدون إيجابية حيال هذا الامر. (تفاصيل ص 11)

إتصالات خجولة
حكومياً، صار التأليف أقلّ من خبر عادي يمر على المشهد السياسي من دون ان يلتفت إليه أحد، أو يعيره الناس أيّ اهتمام. وتردد انّ اتصالات خجولة جرت بين بعض المقرات السياسية المعنية بالحكومة، الّا انها لم تصل الى تحريك مياه التأليف الراكدة في قعر التعقيدات، او بالأحرى في قعر «المكايدة» على حد تعبير الرئيس بري، الذي قال رداً على سؤال: الوضع الحكومي المعطّل غير مقبول، والمخاطر الاقتصادية تتفاقم، واذا استمر هذا الحال فتصبح الخشية على الوضع النقدي أكبر، وهذا امر يوجِب الهرولة سريعاً لتشكيل الحكومة.
ورداً على سؤال عمّا اذا كان بصدد طرح مبادرة ما لحل أزمة التأليف؟ لم ينف استعداده القيام بأي مهمة في هذا الاطار، إلّا أنه قال: أنا لا أتدخّل إلّا اذا وجدتُ أنّ ايّ تحرك أقوم به يكون مثمراً وأتمكّن من خلاله من أن أحدث خرقاً لا يعترض عليه أحد.

«بيت الوسط»
ولم يسجّل أي نشاط في بيت الوسط يوحي بإمكان التوصّل الى صيغة حكومية جديدة يمكن ان تشكّل مخرجاً للمأزق القائم. ولفتَ زوّار بيت الوسط لـ»الجمهورية» انّ المساعي الهادئة الجارية لم تصل بعد الى ما يمكن الإعلان عنه. فالمواقف على مستوى الأطراف الأساسية لم تتبدّل، وانّ الترددات التي أثارتها بعض المواقف الحادة من بيروت والخارج زادت في التباعد القائم بين الأطراف، وزادت من المصاعب بإمكان الوصول الى أي مخرج حتى اليوم.

«القوات» و«التيار»
وفيما دخلت الامور بين «التيار الوطني الحر» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» مرحلة التهدئة والتبريد السياسي، لم تخرج العلاقة بين «التيار» وحزب «القوات اللبنانية» عن دائرة التوتر، مع استمرار تمسّكهما بمواقفهما العالية السقف من دون التراجع عنها، وتبادل الإبر السياسية في أكثر من مناسبة والاتهامات بتعطيل الاستحقاق الحكومي. وخير تعبير عن التباعد بين الطرفين ما صدر أخيراً عن رئيس الجمهورية حيال «القوات»، وما تلاه من كلام لرئيس حزب «القوات» سمير جعجع.
وتعكس مواقف الطرفين تشاؤماً حيال مستقبل التأليف واستحالة الوصول إليه في ظل الشروط المتبادلة، فيما أكّد «حزب الله» انّ من يعطّل الحكومة هم من وصفهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد بـ»النَفعيين».

نصرالله
ولفتت ليل أمس، كلمة الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله، خلال إحياء مراسم ليلة العاشر من محرّم في باحة عاشوراء في منطقة الجاموس بالضاحية الجنوبية لبيروت، وقد أكّد فيها «انهم مهما شرّقوا أو غرّبوا، فجميع الأفرقاء سيشكلون حكومة سوياً، ولا أحد قادراً على إلغاء الآخر فلماذا تضييع الوقت وتوتير الأجواء؟ وجَدّد الدعوة إلى الهدوء وحل القضايا الخلافية بالتواصل والحكمة.
ورأى نصرالله «انّ هذا العام سيكون عام نهاية «داعش». معتبراً انّ ما يجري في لبنان والمنطقة أمر مصيري لكل اللبنانيين»، ومكرراً بقاء «الحزب» في سوريا «طالما ترى القيادة السورية حاجة لوجودنا».
ودعا الى أن تنأى الدولة اللبنانية بنفسها عن قضايا المنطقة بسبب الانقسام الحاصل في البلد. وقال: علينا كلبنانيين أن نفكّر بكيفية منع الإستباحة الإسرائيلية للأجواء اللبنانية، لافتاً الى انّ «هناك جهات محلية تخوّف اللاجئين السوريين من العودة الى وطنهم». وسأل: من الذي يريد إيجاد تغيير ديمغرافي في لبنان وسوريا، نحن أم الدول والقوى السياسية التي تحول دون عودة اللاجئين إلى بلدهم؟

الـ«اف بي آي»
على صعيد آخر، علمت «الجمهورية» من مصادر دبلوماسية واسعة الإطلاع انّ بيروت تنتظر زيارة هي الأولى من نوعها لمدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي الـ (FBI) كريستوفر راي، الذي عيّن في 2 شباط الماضي في منصبه، في أعقاب المواجهة مع سلفه جيمس كومي.
وفي المعلومات انّ الترتيبات الخاصة بالزيارة التي أجريت على عجل، والتي أحيطت بالكتمان الشديد، تَشي بأنها زيارة طارئة وأنّ هناك ملفات مختلفة وصفت بأنها «بالغة الدقة والأهمية» يحملها راي الى المسؤولين اللبنانيين، وقد رغب بإجراء مشاورات مباشرة مع كبار المسؤولين اللبنانيين.
ويرأس المسؤول الأميركي وفداً موسّعاً من كبار معاونيه المكلفين بملفات أمنية وعسكرية واستخبارية واقتصادية، لإجراء مشاورات واسعة مع كبار المسؤولين اللبنانيين والقادة العسكريين والأمنيين.