IMLebanon

“العدل” ما زالت مستعصية.. والتفاؤل لم يُقرِّب ولادة الحكومة  

 

مرّت موجة التفاؤل التي ضربت الأزمة الحكومية وأوحَت بأنّ قطار التأليف نجح في عبور كل المحطات الخلافية والهواجس والتعقيدات، من دون أن تجد حتى الآن سبيلاً الى ترجمة عملية لها. وتشاء الصدفة السياسية أنّ هذه الموجة التفاؤلية تأتي عشيّة دخول تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة شهره الخامس الذي يكتمل بعد يومين، فهل تقرع أجراس الولادة هذا الأسبوع؟

هذا السؤال يفترض أن تجيب عنه الايام المقبلة، وتحدد اتجاهات الرياح الحكومية: إمّا في اتجاه الحسم الايجابي وإصدار مراسيم الحكومة المنتظرة، وإمّا في اتجاه هدر مزيد الوقت الضائع وإدخال البلد في رحلة انتظار جديدة على رصيف الشروط والتعقيدات.

أجواء مطبخ التأليف توحي بأنّ هذا الاسبوع هو أسبوع الحسم، وعلى الرغم من التسليم السياسي العام بأنّ رحلة التأليف قد وصلت الى المربّع الأخير وشارفت على تجاوزه، الّا انّ أياً من القوى السياسية المعنية بالملف الحكومي تحاذر الافراط في التفاؤل وتحديد مواعيد معينة لولادة الحكومة، خصوصاً أنها لم تقف حتى الآن على إيجابيات ملموسة يُبنى عليها لتحديد موعد ولادة الحكومة.

تبعاً لذلك، أجواء القصر الجمهوري ما زالت تؤكد انّ ولادة الحكومة باتت وشيكة، خصوصاً انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بذل كل جهد مطلوب منه، وقدّم كل التسهيلات الآيلة الى التسريع في إنهاء ازمة التأليف وإعلان الحكومة في أقرب وقت ممكن، وكان منفتحاً الى أبعد الحدود في مقاربة هذا الملف مع الرئيس المكلف، وهو حالياً في انتظار ما ستؤول إليه حركة المشاورات التي يجريها الحريري، والتي يؤمل أن تحمل النتائج المرجوّة، على حدّ تعبير مقرّبين من بعبدا.

وفي وقت تؤكد بعبدا أن لا مشكلة على الاطلاق على خط الرئاسئتين الاولى والثالثة، وانّ موضوع حصة رئيس الجمهورية باتَ محسوماً ووزارة العدل من ضمنه، تاركة للرئيس المكلف أن يأخذ وقته في تذليل ما تبقّى من عُقَد، وخصوصاً مع «القوات اللبنانية»، قالت مصادر مواكبة لعملية التأليف لـ«الجمهورية» انّ الحريري، الذي التقى مساء أمس في بيت الوسط، ولمدة نصف ساعة وزير الاعلام ملحم الرياشي، أمام مهمة صعبة، وخصوصاً لناحية إرضاء «القوات» بحقيبة بديلة تكون موازية لوزارة العدل التي رفض رئيس الجمهورية التخلّي عنها.

وفي هذا السياق نقل عن أجواء القصر الجمهوري انّ «وزارة العدل حُسمت للرئيس عون ولا تراجع عنها، وموقفه لن يتبدّل فهو قدّم ما لديه ولا مانع لديه من أن تنال «القوات» حقيبة أخرى غير «العدل»، وهو يعتبر أنه تنازل كثيراً لـ»القوات» في موضوع نيابة رئاسة الحكومة».

الحريري

وأشارت المصادر الى انّ صعوبة مهمة الحريري تكمن في الاجابة عن السؤال التالي: من أين سيعطي «القوات» حقيبة بديلة للعدل تكون موازية لها؟ ومن حصة أي طرف؟ ذلك انّ حصة «التيار الوطني الحر» ورئيس الجمهورية باتت محسومة كمّاً ونوعاً، وكذلك حصة حركة «أمل» و«حزب الله» ، والأمر نفسه بالنسبة الى الاشغال التي حسمت لـ«المردة»، وكذلك الأمر بالنسبة الى «الحزب التقدمي الاشتراكي». وبالتالي، قد يكون الحريري أمام خيار وحيد وهو التخلي لـ«القوات» عن واحدة من حقائب تيار «المستقبل».

«القوات»

وفيما توجّه بعض القوى السياسية سهام الاتهام الى «القوات اللبنانية» بأنها لا تريد حكومة، ولهذه الغاية تطرح مطالب تعجيزية، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية»: لا شيء جديداً لدينا، باستثناء اننا حريصون على مواصلة المشاورات بعد لقاء الدكتور سمير جعجع مع الرئيس الحريري. ومن هنا يأتي لقاء الوزير الرياشي مع الرئيس المكلف لمتابعة ما استجدّ معه.

أضافت المصادر: نحن في مشاورات مفتوحة، مشاورات ظاهرة ومشاورات غير معلنة من أجل متابعة التطورات التي استَجدّت بالنسبة الى حقيبة العدل، خصوصاً اننا كنّا قد وُعِدنا بهذه الوزارة، و«القوات» لم تأت إليها او تطلبها من موقع التحدي لرئيس الجمهورية او لأنها من حصة رئيس الجمهورية، إنما انطلاقاً من حقها بوزارة سيادية. وعندما تعذّر منح «القوات» حقيبة سيادية، ذهبت الامور في هذا الاتجاه عبر اقتراح من الرئيس المكلّف بإسناد هذه الحقيبة لـ»القوات» كخيار بديل، على اعتبار انّ حقيبة العدل هي حقيبة نصف سيادية.

وقالت المصادر: «القوات» حريصة على ان تتمثّل في الحكومة بأفضل تمثيل، وهي لا تتنازل عن هذا المبدأ، وهذا حقها أسوة بغيرها، لأنّ اي تمثيل منتقص لا يؤدي الى حكومة متوازنة، ولا الى حكومة وحدة وطنية. وبقدر حرص «القوات» على أفضل تمثيل، فهي حريصة على أفضل علاقات مع رئيس الجمهورية، وهي تعتبر انّ مسألة الوزارات هي ملك للدولة والشعب اللبناني، ولا يجوز النظر الى هذه الوزارة او تلك على أنها ملك لهذا الفريق او لذاك. يجب ان توزّع الوزارات بالتساوي وفق أوزان الكتل السياسية وأحجامها. و«القوات اللبنانية»، إنطلاقاً من حجمها النيابي والشعبي، يحقّ لها بحقيبة سيادية، فكيف بالحري بحقيبة نصف سيادية؟ وفي مطلق الاحوال المشاورات مستمرة من أجل الوصول الى النتائج المطلوبة.

يُشار في هذا السياق، الى انّ لقاء الحريري – الرياشي ليل أمس، تواكَب مع معلومات ترددت عن بحث عن بدائل لوزارة العدل، بحيث تحصل «القوات» على حقيبة العمل، إضافة الى حقيبة رابعة تُسند الى نائب رئيس الحكومة. فيما ترددت معلومات أخرى عن مشاورات بين «القوات» و»الحزب الاشتراكي» حول وزارة التربية.

العقدة السنيّة

والى العقدة القواتية تُضاف عقدة تمثيل سنّة «8 آذار»، حيث تؤكد أوساط هؤلاء النواب (سنّة 8 آذار) أنهم تلقّوا تطمينات وتأكيدات من قبل «حزب الله» بأنهم سيكونون ممثلين في الحكومة، وحتى لا حكومة من دون تمثيلهم. خصوصاً انّ الانتخابات النيابية أظهرت انّ لهؤلاء شريحة شعبية واسعة لا يجوز تجاهلها او القفز فوقها. وهو أمر يؤيده ايضاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي عاد وأكد امام زواره ان لا بدّ من تمثيل هؤلاء النواب في الحكومة، وقد سبق له أن فاتَح الرئيس المكلف بهذا الامر.

وبحسب المعلومات، فإن تنازل الرئيس المكلف عن وزير سنّي لمصلحة وزير لـ«8 آذار» غير وارد بالنسبة إليه، فيما تحدثت معلومات أخرى عن حسم توزير أحد نواب سنة 8 آذار من حصة رئيس الجمهورية، وتحديداً النائب فيصل كرامي.

وقال النائب كرامي لـ«الجمهورية» انّ «المطلوب هو احترام نتائج الانتخابات النيابية وليس كسر رئيس الحكومة، وهذا ما أكّدنا عليه خلال لقائنا في مشاورات التأليف. وبالتالي، لن نعارض أيّ مخرج لائق تكون نتيجته احترام الإرادة الشعبية».

مرجع سياسي

في هذه الاجواء، قال مرجع سياسي لـ«الجمهورية»: نسمع الكلام الايجابي فنفرح ونعتقد اننا اقتربنا من تأليف الحكومة، ولكن عندما نأتي على أرض الواقع نجد اننا ما زلنا نراوح مكاننا ولا إيجابيات ملموسة، وحالنا اليوم يلخّص الآتي: الجو جيّد، والقوى جميعها تتحدث عن إيجابيات وانّ محاولات إزالة الالغام قد نجحت بالكامل، لكن هذا الكلام يحتاج الى ترجمة، فمتى يتمّ ذلك؟ لا نعرف. وفي ايّ حال هناك الكثير من المعطيات التي تعزّز مناخ الايجابيات، ولكن لا توجد ترجمة حسيّة له، وفي هذا الجو يبقى الاستحقاق الحكومي في دائرة التشاؤم حتى يثبت العكس.

بري

أمّا في عين التينة، فيتابع الرئيس بري تطورات الامور، وحتى الأمس لم تتلق الرئاسة الثانية اي اشارات ايجابية يُبنى عليها للاعراب عن تفاؤل جدي بقرب ولادة الحكومة، والقول إنّ الفول صار في المكيول. وعندما يسأل بري عن الجديد في هذا السياق، يجيب: لا شيء.

وعن موعد لقائه بالرئيس المكلف، يشير بري الى ان لا موعد محدداً حتى الآن. ثم يتابع: أيّ لقاء من هذا النوع يفترض أن ينقل إليّ شيئاً معيناً وايجابيات جديدة.

ورداً على سؤال قال بري: لطالما أكدتُ في السابق ان لا عقدة خارجية في وجه تشكيل الحكومة، أعود وأكرر العقد داخلية وانظروا علامَ تركّز الاتصالات، واعتقد انها إن حُلّت اليوم فتشكّل الحكومة فوراً.

«حزب الله»

وبينما كان رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يغرّد بأنّ «الاستشارات الحكومية مستمرة وسط تحليل ودراسة معمّقة للشيفرة التي تأتي تباعاً الى مراكز الرصد، لكن من المؤكد أنّ الدين العام يزداد بلا رصد»، برزَ موقف لـ«حزب الله»، عبّر عنه نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، حيث قال: «تشكيل الحكومة سيكون في المستقبل الذي لا نعرف إن كان قريباً أو بعيداً».

ولفت قاسم الى انه «لم يعد بالإمكان أن نتحدث لا عن تفاؤل ولا عن تشاؤم في موضوع تشكيل الحكومة»، وبحسب المعطيات المتوافرة ما دامت هناك آليّة معينة للتشكيل و»فيتو» يمكن أن تضعه جهة واحدة فتمنع التأليف ويراعى خاطرها إلى آخر مجال، فهذا يعني أننا لا نعرف متى يتم التأليف».

«القومي»

الى ذلك، أكّد رئيس «الحزب السوري القومي الإجتماعي» حنا الناشف «انّنا متمسّكون بحقّنا في أن نكون ممثلين في الحكومة، ولا نرى سبباً موضوعياً ومعيارياً لتجاهل هذا الحق، إلّا إذا كان لدى البعض نوايا إقصائية ضد أصحاب الخيارات الوطنية. وعندها، لن تكون هناك حكومة وحدة وطنية بل حكومة محاصصة طائفية، وهكذا حكومات وَلّادة للأزمات التي لا تنقطع، ولن تحصل على تأييدنا».

«سيّدة الجبل»

من جهة ثانية، نظّم «لقاء سيّدة الجبل» خلوته الـ13، في مقر نادي الصحافة أمس، تحت عنوان «رفع الوصاية الإيرانية عن القرار الوطني اللبناني دفاعاً عن الدستور وحماية للعيش المشترك».

وقرّر اللقاء التحرك، بغية «رفع وصاية إيران عن القرار العسكري والسياسي والوطني اللبناني، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية والالتزام بالمبادرة العربية للسلام – بيروت 2002، ورفع وصاية الطوائف عن عملية بناء الدولة والالتزام بالدستور، إضافةً إلى إحياء القضاء المستقل الفاعل وتطبيق القوانين، لاسيما تلك المتعلقة بمراقبة ومحاسبة جميع إدارات الدولة ومؤسساتها».