IMLebanon

مانشيت “الجمهورية”: لبنان يستنفر سياسياً في مواجهة «النفق الاسرائيلي».. نتنياهو يهدّد و«حزب الله» يراقب

يستفيق اللبنانيون كل يوم على أزمة جديدة. فبعض أزماتهم، الدولة مسؤولة عنها بسبب تقصيرها وتغاضيها وخياراتها الملتبسة، والبعض الآخر يحلّ ضيفاً ثقيلاً عليهم من دون استئذان. لكن في الحالتين يزداد الوضع تعقيداً، ويبرز للرأي العام اللبناني وللسفراء المعتمدين في لبنان وللخارج انّ هناك تَهاوياً للدولة اللبنانية ولهيبة السلطة. فبعد الضعف السياسي في تأليف الحكومة، برز في اليومين الماضيين ضعف أمني في فرض القضاء كلمته، وفي الأمس ضعف عسكري مع الوضع «السائب» في الجنوب.
في غمرة الضغوط الاميركية على إيران و«حزب الله»، برز امس تطور أمني لافت في توقيته ومضمونه، تَمثّل بإعلان الجيش الاسرائيلي إطلاق حملة «درع الشمال»، بهدف «كشف وإحباط أنفاق يقوم «حزب الله» بحفرها إلى داخل الأراضي الإسرائيلية».

ونشر لاحقاً فيديو قال انه لنفق تابع للحزب وتمّ اكتشافه أمس، ويمتد من داخل كفركلا الى الاراضي الاسرائيلية. ودعا السفير الاسرائيلي لدى الامم المتحدة داني دانون الى «مناقشات في مجلس الامن الدولي حول اكتشاف الأنفاق».

وقال إنّ الحزب «يواصل العمل بدعم مالي من إيران بقيادتها ورعايتها». ودعا المجتمع الدولي ومجلس الامن الى إدانة نشاطه، ودعوة لبنان لتطبيق قرارات مجلس الامن.

«حزب الله»

في الموازاة، إحتفظ «حزب الله» بالصمت، وسارعَ الى الاستنفار العسكري غير المرئي في مواجهة العملية الاسرائيلية، واتخذ في الظل تدابير وقائية تحسّباً لكل الاحتمالات. وأخضع الحزب التطور الاسرائيلي للمراقبة الميدانية، وللتشريح الدقيق على أعلى المستويات القيادية، للتأكد من انّ اسرائيل لن تتجاوز قواعد الاشتباك والخطوط الحمر في حملتها.

ونشر الإعلام الحربي للحزب فيديو يظهر أعمال الحفر الاسرائيلية على الحدود اللبنانية، وأرفَق الفيديو بالقول: «العدو الصهيوني يعلن عن نشاط عسكري لدرع الشمال عند الحدود اللبنانية».

تحرك وتحذيرات

وحيال الاوضاع الخطيرة، سُجّل تحرك، جزء منه علني، مثل زيارة السفيرة الاميركية في لبنان اليزابيت ريتشارد الى قصر بعبدا، في لقاء عاجل، وجزء منه غير معلن، كاتصالات دولية وعربية مع المسؤولين لتدارك الوضع.

وما رفعَ من منسوب المخاوف، هو الزيارة المفاجئة التي قام بها نتنياهو الى بروكسيل للاجتماع بوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، بعدما كان قد اجتمع منذ ايام قليلة مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب في باريس.

ونقلت بعض الدول الصديقة للبنان الى السلطات اللبنانية أمس تحذيرات اسرائيلية جدية من انّ مرحلة ضبط النفس لها حدود، خصوصاً مع تزايد الانباء عن وجود قرار إيراني بإعادة تسخين احدى الجبهتين مع اسرائيل: إمّا السورية في الجولان، وامّا اللبنانية في الجنوب.

من هنا جاء اعلان مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون انّ «الولايات المتحدة تدعم بقوة جهود إسرائيل للدفاع عن سيادتها»، ودعوته «إيران وكل عملائها إلى وقف تعدياتهم واستفزازهم الإقليمي الذي يشكّل تهديداً غير مقبول للأمن الإسرائيلي والإقليمي»، وكذلك دعوته «حزب الله» إلى «الكَفّ عن حفر أنفاق باتجاه إسرائيل ووقف أعمال التصعيد والعنف».

وتخوّفت مصادر ديبلوماسية في لبنان من أن يكون الموقف الاميركي تجاه معركة الانفاق مقدمة لتأييد إسرائيل في اي معركة أخرى.

ولكن حسب مصادر مطّلعة، الاوضاع لا تزال تحت السيطرة في الجنوب، الّا اذا حصلت مفاجأة على خطأ في التقدير، وهذا امر غير مُستبعد، كما حصل خطأ في التقدير في حادثة الجاهلية.

نتنياهو

وكان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حذّر «مَن يحاول المَس بإسرائيل بأنه سيدفع ثمناً باهظاً»، وقال: «نعمل بحزم وبمسؤولية على جميع الجبهات في آن واحد، وسنواصل القيام بعمليات أخرى مكشوفة وسرية، من أجل ضمان أمن إسرائيل».

وذكر مكتب نتنياهو، في بيان، انه أطلع بومبيو على عملية (درع الشمال)، وقال :»إنّ الأنفاق التي حفرها «حزب الله»، والتي تتجاوز الحدود إلى داخل أراضينا، تشكل انتهاكاً سافراً للسيادة الإسرائيلية ولقرار مجلس الأمن رقم 1701».

واكد خلال اللقاء «انه يجب الحيلولة دون العدوان الإيراني في كل من سوريا والعراق ولبنان وأماكن أخرى».

وفي مؤتمر صحافي مساء، اكد نتنياهو أنّ «عملية «درع الشمال» ستستمر حتى إنجاز كل الأهداف»، مشيراً إلى أنّ «نية «حزب الله» كانت ادخال «مخربين» الى اراضينا».وقال إن «حزب الله» و»حماس» استثمرا مبالغ طائلة في بناء الأنفاق ونحن نفكّكها».

وشدّد على أننا «اتخذنا قرار التحرّك لتدمير أنفاق «حزب الله» منذ أسابيع»، مشيراً إلى أنّ «لبنان يتحمّل مسؤولية كاملة عن الحدود مع إسرائيل».

وكشف انه تحدث مع بومبيو عن فرض عقوبات إضافية ضد إيران.

بدوره، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ​غادي آيزنكوت انّ العملية تهدف «إلى إحباط خطر «حزب الله» وضرب التمَوضع الإيراني في الحدود الشمالية».

من جهته، إتهم الجيش الاسرائيلي «حزب الله» بأنه «يواصل العمل بدعم وتمويل إيراني لبسط نشاطاته ضد مواطني إسرائيل».

واعتبر أنّ حفر الأنفاق «يعتبر خرقاً فادحاً للسيادة الإسرائيلية، ويشكل دليلاً آخر للخروقات الخطيرة التي ينفذها «حزب الله»، مُتجاهلاً قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار ١٧٠، حيث ينشط داخل قرى في جنوب لبنان. هذه الأعمال تمس بدولة لبنان، وتخاطر بمواطنيها بهدف تعزيز بنية «حزب الله» الإرهابية».

وحَمّل الحكومة اللبنانية «مسؤولية كل ما يجري داخل الاراضي اللبنانية من الخط الأزرق شمالاً، معتبراً انّ هذه الأنفاق «تثبت عدم تطبيق الجيش اللبناني لمسؤولياته في تلك المنطقة».

«اليونيفيل»

وذكر المكتب الاعلامي لـ«اليونيفيل» في الجنوب انّ «اليونيفيل» تعمل مع جميع المحاورين من أجل الحفاظ على الاستقرار العام، وانّ جنود حفظ السلام التابعين لها «زادوا من دوريّاتهم على طول الخط الأزرق، إلى جانب القوات المسلحة اللبنانية، للحفاظ على الاستقرار العام وتَجنّب أي سوء فهم قد يؤدي إلى تصعيد».

وأكد انّ رئيس بعثة «اليونيفيل» وقائدها العام اللواء ستيفانو ديل كول على اتصال وثيق مع كل من القوات المسلحة اللبنانية والجيش الإسرائيلي، ويحثّ مجدداً جميع الأطراف على استخدام الآليات التي تضطلع بها اليونيفيل في مجال الارتباط والتنسيق، والآلية الثلاثية لتهدئة أي توتر».

لبنان الرسمي

أمام هذا التطورات، يحاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون مع وزير الخارجية جبران باسيل إعادة توجيه الجهود نحو تأليف الحكومة. في حين لا يزال الرئيس المكلف سعد الحريري عند موقفه، لا بل تَشدّد اكثر بعد الاحداث الاخيرة، وهو سيجتمع في اليومين المقبلين مع سفراء للتفاوض معهم في شأن دعم الاستقرار في لبنان وتلافي حصول مفاجآت عسكرية.

وقد تابع عون التطورات في منطقة الحدود الجنوبية، وأجرى اتصالات شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري وقائد الجيش العماد جوزف عون. وتمّ خلالها تقييم الموقف في ضوء المعطيات المتوافرة حول أبعاد العملية الاسرائيلية. وطلب عون من الاجهزة الامنية متابعة الموقف بدقة.

وشدّد، في افتتاح المبنى الجديد للمكتبة الوطنية، على انّ «ما سمعناه في الأيام القليلة الماضية من كلام وما استتبعه من ردود فعل، لم يُسئ الى شخص أو فريق أو جماعة، بل أساء الى الوطن والى جميع أبنائه من دون تمييز، وكاد أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، وهذا ما لن نسمح به أبداً، لأنّ الاستقرار الذي ينعم به لبنان لن يستطيع أي طرف، الى أي جهة سياسية أو حزبية انتمى، أن يستهدفه، لاسيما أنّ المؤسسات القضائية والأمنية قادرة على وضع حد للتجاوزات، في القول أو في ردود الفعل، وعازمة على تصحيح الأخطاء في الأداء عندما تقع، وذلك بتوجيه من السلطة السياسية، واستناداً الى القوانين والأنظمة المرعية الاجراء».

بري

في هذا الوقت، والى جانب تَلقّيه الاتصال الهاتفي من رئيس الجمهورية، تلقّى بري اتصالاً مماثلاً من قيادة الجيش، والهدف الاساس كيفية التعامل مع هذا التطور الاسرائيلي، وكذلك اتصلت السفيرة الاميركية وكان واضحاً انّ السفيرة لم تخرج عن سياق موقف الادارة الاميركية المتبنّي بالكامل للموقف الاسرائيلي.

وعكسَ بري الموقف اللبناني بقوله «انّ الرواية الاسرائيلية حول وجود نفق في كفركلا مشكوك فيها، ولبنان يطلب تزويده بالاحداثيات التي تحدد موقع هذا النفق، وصحّة المزاعم الاسرائيلية حول وجوده. وفي أيّ حال، اذا اراد الاسرائيلي ان يحفر داخل الاراضي التي يحتلها، فليفعل هناك ما يريد وليحفر قدر ما يشاء، امّا اذا اراد التمدد بالحفر نحو الارض اللبنانية فهناك كلام آخر».

ولم يشر بري الى تلقّي لبنان الاحداثيات التي طلبها، الّا انه قال انّ الاجتماع الثلاثي سيُعقد اليوم في الناقورة بين اللجنة الثلاثية اللبنانية والاسرائيلية واليونيفيل، واذا أثير هذا الموضوع في هذا الاجتماع، فإنّ موقفنا واضح وسيعبّر عنه ممثل لبنان في اللجنة.

«المستقبل»

وأكدت كتلة «المستقبل» أنّ «الجيش اللبناني مسؤول دون سواه عن أمن الحدود الجنوبية وسلامتها، وأنّ الدولة اللبنانية تلتزم بشكل كامل القرارات الدولية التي ترعى هذه السلامة لاسيما القرار 1701 الذي تتولى تنفيذه قوات الطوارئ الدولية بالتعاون مع السلطات الشرعية اللبنانية، معتبرة انّ أي مواقف أخرى تقع في إطار التصعيد غير المقبول للأوضاع».

قلق على مسيحيي الشرق

وبينما يتخبّط لبنان في مشاورات التأليف، وتضجّ المنطقة بالأحداث والحروب، علمت «الجمهورية» أنّ بطريرك الكلدان الكاثوليك الكاردينال لويس ساكو أعربَ عن قلقه، في لقاء رسمي مُغلق، حيال مصير المسيحيين في المنطقة، وقال: «نحن قلقون من سياسة إغراء مسيحيي العراق لتهجيرهم الى الغرب تحت عنوان لمّ الشمل»، قاصداً بذلك باب الهجرة التي فتحته دول الغرب لاستقبال العائلات المسيحية، حيث تقول المعلومات إنّ هذه الدول تقدّم كل التسهيلات الممكنة لتمكين هؤلاء من ترك أرضهم، والتوجه إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة.

وقال الكاردينال الكلداني إنّ «مسيحيي العراق يتطلعون الى لبنان حيث الرئيس المسيحي الوحيد في الشرق الأوسط، ويعوّلون على دور لبناني، وبالأخص رئيسه، في تثبيت الوجود المسيحي في الشرق».

إتفاق لتمويل الدولة

مالياً، شكّل الاتفاق الذي أعلن عنه امس في وزارة المال، بعد الاجتماع الذي جمع وزير المالية علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، اشارة الى انتهاء مرحلة عَض الاصابع، والتوصّل الى تفاهم لتمويل احتياجات الدولة في العام 2019.

ومن خلال ما أعلنه سلامة بعد الاجتماع، تمّ التوافق على إصدار سندات خزينة بالليرة في الاسبوع المقبل، على ان تتولى المصارف الاكتتاب بها بفائدة تتراوح بين 10 و10,5%.

وتعتبر أسعار الفوائد هذه بمثابة حل وسط بين الدولة والمصارف. وكانت الدولة تسعى الى الاقتراض بفوائد مخفّضة لا تزيد عن المعدل السابق للاقتراض، لكنّ الاتفاق النهائي الذي جرى أمس، سوف يرفع كلفة الاقتراض بحوالى 3 في المئة عن معدّل الكلفة على الدين العام، بما يعني انّ حجم العجز سيرتفع أكثر في العام 2019 عمّا كان عليه في 2018.