IMLebanon

«الجمهورية»: «النووي»: إيران تُجمِّد.. وإسرائيل تُهدِّد… ولبنان عالق بين «جدران» الموازنة

يبدو انّ المناخ الاقليمي والدولي وكأنّه على باب متغيّرات، ربطاً بارتفاع حدّة التوتر بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران الى مستويات غير مسبوقة. ما غلّف كل الأجواء بضبابية تحجب رؤية المسار الذي ستسلكه بالتوازي مع التطورات المُحتملة، إن على صعيد ملف العقوبات التي اعلن البيت الابيض، أنّ واشنطن اصبحت قريبة جداً من فرض عقوبات جديدة على طهران، وانّها ستحاسب كل من يخرقها، او على صعيد الملف النووي، الذي يبدو انّه عاد الى مربّع الابتزاز المُتبادل، مع إعلان طهران أنّها أبلغت روسيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا والصين قرارها التوقف عن تنفيذ «بعض التزاماتها» بموجب الاتفاق النووي الذي أُبرم في العام 2015. امّا الصورة في لبنان، فما زالت تعاني الارتجاج، جرّاء الهزّة التي تعرّض لها، من مشروع موازنة ما زالت عالقة في حلبة الاشتباك السياسي، ويتجاذبها من جهة الأخذ والردّ والمزايدات السياسية حول الكثير من بنودها، وخصوصاً تلك المتعلقة بتخفيضات في رواتب الموظفين والمتقاعدين ومتمماتها. ومن جهة ثانية استنفار لغة التحرّكات الاعتراضية والإضرابات في قطاعات مختلفة. وهو امر ما زال مفتوحاً على مصراعيه، وإن كان التوافق الرئاسي قد نجح في احتوائها بشكل موقت، كما يؤكّد النقابيون. من جهة أخرى، لا تزال الأجواء متوترة في المنصورية، بانتظار نتائج المفاوضات بين وزيرة الطاقة ندى البستاني والنائب سامي الجميّل برعاية بكركي.
في تطور لافت في توقيته، وكذلك في حجمه وما قد تترتب عليه من تداعيات على مستوى المنطقة، اعلنت إيران تعليق ما سمّته «بعض تعهداتها في الاتفاق النووي»، بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من هذا الاتفاق.

وبحسب بيان لوزارة الخارجية الايرانية امس، انّه «تمّ إبلاغ القرار رسمياً صباحاً في طهران لسفراء الدول التي لا تزال موقّعة على الاتفاق (ألمانيا والصين وفرنسا وبريطانيا وروسيا)»، مشيرة الى «انّ الرئيس الإيراني حسن روحاني اكّد في رسائل إلى زعماء القوى العالمية الخمس، انّ طهران لن تبيع اليورانيوم المخصّب والمياه الثقيلة لدول اخرى بعد الآن». واكّد «انّ بلاده ستخفّض مزيداً من التزاماتها ضمن الاتفاق النووي، وستزيد من مستوى تخصيب اليورانيوم، بعد مهلة 60 يوماً». كما حذّر من «ردٍّ صارم» إذا أحيل الملف النووي مرة أخرى إلى مجلس الأمن الدولي. وقال إنّ طهران مستعدة للمفاوضات النووية. واكّد روحاني «انّ انهيار الاتفاق النووي خطر على إيران والعالم».

وقال قائد الحرس الثوري الإيراني حسين سلامي: «إننا سنواجه أي اعتداء بحزم ونعمل بجد على إفشال أي مخططات تستهدف أمننا واستقرارنا»، مشيراً الى أننا «نعيش ذروة المواجهة مع عدونا وحلفائه وليس بمقدورهم فعل أكثر مما يفعلونه الآن».

تشديد العقوبات
إلى ذلك، إعتبر المبعوث الأميركي الخاص بإيران براين هوك، أنّ «إعلان طهران عن التخلّي عن بعض التزاماتها بشأن الاتفاق النووي مخالف للأعراف الدولية»، مؤكّداً «أننا سنواصل الضغط بقوة على طهران حتى تغيّر سلوكها»، ومشيراً إلى أنّ «أي اعتداء من إيران على الولايات المتحدة أو حلفائها سيُواجه بالقوة»، لافتاً إلى أنّ «واشنطن لا تريد حرباً مع إيران».

في السياق نفسه، قال مسؤول كبير في البيت الأبيض إنّ الولايات المتحدة تعتزم فرض مزيد من العقوبات على إيران «قريباً جداً». وقال تيم موريسون، المساعد الخاص للرئيس الأميركي وكبير مسؤولي شؤون أسلحة الدمار الشامل والدفاع البيولوجي، في مؤتمر صحفي، إن واشنطن لم «تفرغ» بعد من فرض عقوبات على إيران. وأضاف: «توقّعوا المزيد من العقوبات قريباً. قريباً جداً».

ترامب
وفي وقت لاحق أمس، أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوامر تنفيذية بفرض عقوبات جديدة على إيران تطال قطاع التعدين. وأمل ترامب «بلقاء القادة الإيرانيين يوماً ما للتفاوض معهم».

وأكّد البيت الأبيض سعي أميركا «لحرمان إيران من عائدات صادرات المعادن لتمويل برنامجها النووي»، مشيراً الى انّ «هناك عقوبات على مؤسسات مالية أجنبية لها تعاملات مع قطاع التعدين الإيراني».

حذر اوروبي
إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي أنّه يتابع «بقلق القرارات الإيرانية بشأن الاتفاق النووي، ونقيّم تداعياتها مع أعضاء اللجنة المشتركة».

وقالت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي، إنّ بلادها «تريد الإبقاء على الاتفاق النووي. وحذّرت (إيران) من عدم احترام التزاماتها، قائلة إنّ ذلك قد يجعل مسألة إعادة تفعيل آلية العقوبات مطروحة».

ولفتت الى انّ «ما من شيء أسوأ من انسحاب إيران»، مضيفة أنّ «فرنسا وبريطانيا وألمانيا تبذل قصارى جهدها لبقاء الاتفاق».

وأعلن متحدث باسم الحكومة الألمانية، أنّ ألمانيا ترى أن تصريحات الحكومة الإيرانية مؤسفة وتحثها على عدم الإقدام على أي خطوات عدائية. وذكر المتحدث، أنّ برلين تريد الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني، وقال إنّها ستضطلع بالتزاماتها كاملة طالما تفعل إيران المثل.

من جهته، قال وزير الدولة في وزارة الخارجية البريطانية مارك فيلد، إنّ «إعلان طهران عن التخلّي عن بعض القيود المفروضة على برنامجها النووي، خطوة غير مرحّب بها».

أضاف فيلد: «اننا لا نتحدث في هذه المرحلة عن إعادة فرض العقوبات، ولكن يجب أن نتذكّر أنّه تمّ رفعها مقابل القيود النووية»، مؤكّداً أنّه «إذا توقفت إيران عن تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي، ستكون هناك بالطبع عواقب».

اما الموقف الروسي، فاعتبر أنّ إيران تعرّضت لاستفزاز سبّب تراجعها عن بعض بنود الاتفاق النووي بسبب ضغوط خارجية، ملقياً باللوم في ذلك على الولايات المتحدة. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف في مؤتمر صحافي: «الرئيس بوتين تحدّث مراراً عن عواقب خطوات غير مدروسة في ما يتعلق بإيران، وأعني بذلك قرار واشنطن الانسحاب من الاتفاق. الآن نرى أنّ هذه العواقب بدأت تحدث».

وعلّقت إسرائيل على القرار الإيراني، حيث أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، «انّ إسرائيل لن تسمح لإيران بحيازة أسلحة نووية»، وقال في كلمة لمناسبة ذكرى قتلى الحروب الإسرائيلية: «سمعت صباح اليوم أنّ إيران تعتزم استئناف برنامجها النووي… لن نسمح لإيران بحيازة أسلحة نووية، وسنواصل قتال من يسعون لقتلنا».

الموازنة
داخلياً، بقيت الموازنة العامة العنوان الاول في الحركة الداخلية، إن لجهة التخفيضات التي ستطال بعض ابوابها، والتي لا يكون لها مفاعيل سلبية لدى القطاعات الوظيفية، تُترجم بتحرّكات اعتراضية، علماً انّ وتيرة الاضرابات والاعتصامات قد تراجعت بعد وعود قُطعت حول محدودية الاقتطاعات. وإن لجهة درسها المتواصل في مجلس الوزراء، حيث خُصصت جلسة مجلس الوزراء امس، لدرس مخصصات السلطات العامة من وزراء ونواب لناحية خفض الرواتب. وتتحدث اوساط وزارية عن توجّه جدّي لدى رئيس الحكومة سعد الحريري لإنجاز درس الموازنة في مجلس الوزراء في فترة لا تتجاوز مطلع الاسبوع المقبل، على ان تُحال خلاله الى مجلس النواب لتبدأ اللجنة النيابية للموازنة رحلتها الطويلة في درسها، والتي لن تقلّ عن شهر، كما اعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، إنّ النقاش الوزاري كان محتدماً حول الأملاك البحرية ورفع نسبة الضرائب على الفوائد من 7% الى 10%، وبشكل على حسم 50% من رواتب السلطات العامة. وفي المحصلة، انّ الغالبية العظمى في مجلس الوزراء عارضوا موضوع حسم الـ50% باعتبار انه لا يجوز ان يتقاضى الوزير راتباً منخفضاً أقل من أي موظف في الدولة.

يُشار الى انّ وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان عبّر عن تحفظه على التخفيض، وقال:».. ومن قال إنّ الوزير لديه مال وفير. انا أحد الوزراء الذي استطيع ان اقول عن نفسي انا آدمي وعصامي».

هنا علا صوت الحريري، وقال له: «من قال لك، من جبرك تعمل وزير، نحن يجب ان نكون قدوة ويجب ان نبدأ بالتقشف من رأس الهرم والمشاركة والتضحية، ولنقل للناس اننا بدأنا من أنفسنا عندما نتخذ اي إجراء او قرار».

وفي النهاية، ورغم كل هذا النقاش اصرّ الحريري على التخفيض، وعلى البند كما هو، لكنه لم يعلن البت به، بانتظار الرزمة الكاملة.

وفي معلومات «الجمهورية»، انّه جرى التطرّق الى اقتراح مقدّم من الرئيس الحريري بتجميد 15% من رواتب الموظفين التي تفوق الثلاثة ملايين ليرة، ففي حين يقترح الحريري اقتطاعها واستردادها من قِبل الموظف بعد ثلاث سنوات، اصرّ باسيل على ان تُحسم ولا تُسترد حتى لا تشكّل أزمة جديدة بعد ثلاث سنوات. واعتبر هذا الإجراء هو آخر الكي بعد مناقشة الارقام وبتّها بشكلها النهائي.

واتخذ المجلس قراراً بخصوص المادة 61، وتمّ الاتفاق على توحيد الاشهر الإضافية في المؤسسات العامة بـ14 شهراً، ولاسيما اوجيرو، الريجي ومصرف لبنان والضمان الاجتماعي.

وبعد الانتهاء من مواد الموازنة القانونية، التي تأجّل المادتان 49 و50 المتعلقتان بالجيش اللبناني والقوى الامنية والمادة 30 المتعلقة برفع الضريبة على الفوائد، وتعليق المادة 60 المتعلقة بإخضاع موازنات بعض المؤسسات العامة وحساباتها المالية لوزارة المال، يُفترض ان يبدأ اليوم عرض الارقام وفقاً للجداول التي اعدّتها وزارة المال في الساعات الماضية، مع إصرار الرئيس الحريري على الانتهاء من الموازنة الجمعة او السبت على ابعد تقدير لتُطرح بصيغتها النهائية في جلسة لمجلس الوزراء تُعقد في القصر الجمهوري في بعيدا.

أبو سليمان
ووفق معلومات «الجمهورية»، فإنّ وزير العمل كميل أبو سليمان قدّم بعد نقاش مُحتدم بين الوزراء مداخلة قال فيها: «بكفّي بقى… لا يُمكننا أن نكمل بهذه الطريقة، فهناك جمود وبطء غير مقبولين، وإذا استمرينا على هذا المنوال سنرتطم بالحائط، وإذا لم تكن الموازنة حقيقية وثورية وتحقِّق المطلوب فهذا يعني أننا لم نقدّم شيئاً، وإذا كانت الموازنة كلاسيكية سيتجه البلد إلى كارثة إقتصادية ولن نحصل على المساعدات المُقرّة في مؤتمر «سيدر»، لذلك لا يُمكن أن نكون مترددين وخائفين. فنحن حكومة أي سلطة، ويجب أن يكون همّنا مصلحة البلد والناس، وإذا استمرينا بالتعاطي بخفة فسنصل إلى كارثة، لذلك يجب إتخاذ قرارات جريئة وسريعة جداً لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل ولا يُمكن الإستمرار على هذا المنوال إطلاقاً».

وبعد هذه المداخلة، أبدى الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تأييدهما لكلام أبو سليمان.

فنيش: عدالة
وقال وزير الشباب والرياضة محمد فنيش لـ«الجمهورية»: الاملاك البحرية تخضع لمرسوم وقانون، وهناك مدخول للدولة منها، هذا قانون تسوية، فعندما نتكلم عن تسويات لا نتحدث عن عدالة، نحن لا نعمل على تخفيض بقدر ما نعمل على توحيد، ولا يجوز ان تكون هناك مؤسسات ذات رواتب عالية جداً لموظفيها وان يتقاضوا شهوراً اضافية تصل الى 16 شهراً، يجب توحيد كل الموظفين في المؤسسات العامة».

ابو فاعور: حسومات
وقال وزير الصناعة وائل ابو فاعور لـ«الجمهورية»: «طرحنا مضاعفة التخمينات بإثنين لأنّها رخيصة جداً، مع تعديل القانون، لانّ الوضع الاقتصادي صعب. هل يجوز ان يكون متر الارض في سوليدير 6 آلاف دولار؟ اذا كانوا يقولون انّها الآن تُدخل 100 مليار ليرة، فهي يمكن ان تُدخل 300 و 400 مليار ليرة. لم يتجاوبوا معنا ولم يقبلوا الاقتراح». اضاف: «نحن مع الحسومات في رواتب السلطات العامة ومندفعون معها بنسبة 50% يجب إعطاء إشارة ايجابية الى المواطن، انّ السياسي يتحمّل مثله اكان وزيراً او نائباً او غير ذلك».

بري: مناخ تآمري!
إلى ذلك، كرّر الرئيس بري التأكيد على ضرورة ان يُستفاد من الفرصة السانحة بإقرار موازنة تقشفية، تؤدي الى خفض العجز الى ما دون 9%.
وقال بري امام نواب الاربعاء: «الموازنة هي الفرصة الوحيدة التي يمكن من خلالها تجاوز الوضع القائم». وأعرب عن استيائه من الشائعات التي ضُخّت اخيراً في وسائل التواصل الإجتماعي، «وهذا المناخ تآمري لا يعكس الواقع والحقيقة، فالبلد ليس مفلساً والوضع النقدي سليم وتحت السيطرة». واشار الى انّ إنجاز الموازنة سيخلق أجواء ثقة حتى قبل إقرارها في المجلس النيابي، مؤكّداً مرة اخرى ان لا مسّ بحقوق الفئات الفقيرة ومحدودة الدخل والمتوسطة. ورأى انّ قانون الموازنة قادر على ان يحمل معايير موحدة للراوتب في المؤسسات والمصالح المستقلة.

وقال في مجال آخر، «انّ النظام الطائفي هو المشكلة، والحل لا يكون، كما عبّرت سابقاً، إلّا بالدولة المدنية للتخلّص من الطائفية القاتلة».