IMLebanon

“الجمهورية”: التفاصيل تُؤخِّر الموازنة.. والمتقاعدون يُحذِّرون والنقابات الى التصعيد  

يبدو انّ مشوار الموازنة لا يزال طويلاً، والرهان على بلوغها خط النهاية مطلع الاسبوع الجاري كان خاسراً، بالنظر الى التعقيدات الماثلة في طريقها، والتي تتطلب عقد جلسات إضافية لمجلس الوزراء، حيث تدور التوقعات حالياً، حول انّ مشروع الموازنة قد يُنجز بصيغته النهائية أواخر الاسبوع الجاري، مع انّ احتمال ترحيل إنجازها الى الاسبوع المقبل وارد بقوة. كل ذلك رهن بعدم تأثر النقاش في مشروع الموازنة، بالتحرّكات الاعتراضية التي تقوم بها بعض القطاعات الوظيفية الادارية والتعليمية والعسكريين المتقاعدين، والتي تبدو انّها ذاهبة في منحى تصاعدي مفتوح، بعدما اعلن المتقاعدون انّهم قدّموا بالامس، بالاعتصامات التي نفذوها امام فروع مصرف لبنان وقطع الطريق الدولية الى البقاع، عينة مما سيقومون به في حال جرى المس برواتبهم ومستحقاتهم.
لم يحجب النقاش المستعصي في الموازنة صورة الحدث الكبير الذي تجلّى في رحيل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، حيث استمر الصرح البطريركي في بكركي مقصداً لوفود المعزّين من سياسيين وروحيين وشخصيات في شتى القطاعات، وديبلوماسيين عرب وأجانب، الذين كان في استقبالهم البطريرك الماروني مار بشارة الراعي، وذلك بالتوازي مع مواقف محلية وعربية ودولية تشيد بالراحل الكبير.

هذا في وقت تستمر فيه الإجراءات التحضيرية لمراسم الدفن التي ستتم بعد غد الخميس، على ان يسبق ذلك وصول جثمان البطريرك صفير من مستشفى اوتيل ديو الى الصرح البطريركي يوم غد الاربعاء حيث يسجّى على مدى 24 ساعة.

الموازنة

على صعيد الموازنة، يُفترض ان يتابع مجلس الوزراء اليوم جلساته في درس وإقرار الموازنة، حيث ينعقد المجلس في جلسة عند الساعة الثانية عشرة ظهراً في السراي الحكومي برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري.

وقال وزير المال علي حسن خليل لـ«الجمهورية»: «إنّ النقاش جارٍ بشكل طبيعي ومفصّل، ولا توجد أي إشكالات امام الوصول الى صيغة نهائية للموازنة تؤدي الغاية المرجوة منها، وعلى وجه الخصوص تخفيض العجز الذي يُعد خطوة أساسية لا بدّ من حصولها».

واشار خليل، «إننا حالياً ندرس موازنات الوزارات، والنقاش يتناول التفاصيل الكبيرة والصغيرة، وبالتالي من المُستبعد ان ننتهي من النقاش اليوم، وقد يتطلب الأمر عقد جلسات إضافية حتى يوم الجمعة المقبل».

وكان مشروع الموازنة محل نقاش لأكثر من 5 ساعات في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت في السراي الحكومي في التاسعة من مساء امس.

وأعلن وزير الاعلام جمال الجراح على اثرها أنّ «مجلس الوزراء كان حريصًا على عدم المس في التقديمات للمؤسسات والجمعيات والهيئات الجدّية التي تحصل على مساهمات من الدولة، أهمها مركز سرطان الأطفال، مركز نقي العظم، كاريتاس، الصليب الأحمر وغيرها من المؤسسات التي تقدّم خدمات طبية وتربوية وصحية إلى المواطنين.

وكشف بالمقابل، «عن حصول تخفيض بسيط لتقديمات بعض الجمعيات والهيئات والمؤسسات أي بحدود الـ10% أو 15% بالحد الأقصى».

وأعلن الجراح عقب انتهاء الجلسة، أنّ «الحكومة تتجّه نحو اقتراحات اقتصادية وإصلاحات»، مضيفاً: «وزير المال سيقدّم ملخّصاً لكل ما قمنا به في الفترة الماضية، بمعنى نتائجه المالية والتخفيضات».

وعن التدبير رقم 3، قال الجراح: «لقد أُقرّ هذا التدبير بمواجهة العدو الإسرائيلي، ويبقى لوزيري الدفاع والداخلية أن يحددا التدابير اللازمة بالنسبة إلى المناطق الأخرى. قد تكون هناك مناطق أخرى يستنسبان فيها تطبيق التدبير رقم 3، ربما بيروت مثلاً، وربما مناطق أخرى التدبير رقم 2 أو رقم 1، هذا عائد لتقييمهما للوضع الأمني وخطورته، فيتخذان الإجراء المناسب ويضعان التدبير اللازم».

فيما أوضح وزير المال، الى «اننا اكملنا كل المواد التي تتضمن الموازنة والاقتراحات الاضافية»، وأضاف: «هناك بعض الاقتراحات التي من الممكن ان يقدّمها الوزراء وتمّت مراجعة المساهمات والعقود في كل الوزارات».

وقال خليل: «نحن كوزارة مالية أعدينا لائحة تختصر كل التقديمات في كل الوزارات وناقشناها جمعية وجمعية وهيئة وهيئة، واخذنا قراراً لاقفال هذا الملف وبالتساوي».

جدال

وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية»، «انّ النقاش داخل الجلسة كان هادئاً بشكل عام، وتناول بشكل مفصّل بعض الامور التقنية، الّا انّ هذا النقاش احتدم بعض الشيء حول بند الجمعيات، حيث أثار بعض الوزراء تساؤلات حول المجلس الاعلى اللبناني- السوري».

وبحسب مصادر وزراء حزب «القوات اللبنانية» والحزب «التقدمي الاشتراكي» وكذلك وزير الخارجية جبران باسيل، طالبوا بإلغاء هذا المجلس باعتبار انّ هناك علاقات ديبلوماسية بين البلدين. وهنا اعترض الوزير علي حسن خليل على هذا الإلغاء، وايّده بذلك الوزير محمد فنيش.

وقال خليل: «هناك اتفاقيات قائمة بين لبنان وسوريا لا يمكن التخلّي عنها، او تجاوزها، ولا علاقة للسياسة بها. انتم تتحدثون عن وجهة نظر هي محل انقسام بين اللبنانيين، لكن المجلس الاعلى اللبناني- السوري هو ترجمة للطائف الذي يؤكّد على وجود هذا المجلس، ويشدّد على بناء افضل العلاقات مع سوريا».

واشارت المصادر، الى انّ الوزيرين اكرم شهيب ووائل ابو فاعور قدّما مداخلات هجومية على النظام السوري، وقال ابو فاعور «هذا المجلس يجب ان يُلغى، فهو مجلس بلا طعم».

وقالت المصادر، إنّ جدالاً وزارياً دار حول هذا الموضوع، حسمه رئيس الحكومة سعد الحريري بقوله: «هذا الامر يدخل ضمن الخلاف السياسي في البلد. وانا اخترت ان أضع الخلافات السياسية جانباً».

واوقف النقاش حول هذا الامر. واستنتجت المصادر انّ الحريري لم يبدِ حماسة لالغاء المجلس. وبالتالي سقط اقتراح إلغاء المجلس.

وفي جانب آخر، أشارت المصادر الى انّ بعض الوزراء اكّدوا ضرورة الإسراع في انهاء المناقشات حول الموازنة لأنها استغرقت وقتاً طويلاً، وكان يُفترض ان تنتهي خلال الاسبوع الماضي، الا انّ الاجوبة التي جاءت على هذه الطروحات اكّدت انّ ظروفاً قد استُجدت خارج طاقة مجلس الوزراء هي التي اخرّت إقرار الموازنة، وبالتالي فإنّ الاسبوع الجاري قد يحمل في نهايته الصيغة النهائية للمشروع، على ان يُحال الى مجلس النواب مطلع الاسبوع المقبل خلال جلسة قد تُعقد السبت او الاحد في القصر الجمهوري.

واللافت في هذا السياق، ما اعلنه الوزير باسيل خلال الجلسة، حيث ابلغ مجلس الوزراء بأنّه لن يسير بالموازنة ما لم تتخذ الحكومة خطوات إصلاحية جدّية وخصوصاً في مساهمات الدولة لتمويل الجمعيات. مشيراً الى انّه سيقدّم في جلسة اليوم سلّة من المقترحات الإصلاحية التي تساهم في خفض النفقات، منها التهرّب الضريبي والجمركي وخدمة الدين العام.

العسكريون المتقاعدون

وتواكبت الجلسة نهاراً مع تحرّك تصعيدي للعسكريين المتقاعدين، حيث نفّذوا اعتصامات امام فروع مصرف لبنان في بيروت وطرابلس وبعلبك وزحلة وصور وجونية، وايضا أقفلوا الدائرة المالية في طرابلس. وقاموا صباحاً بإقفال طريق ضهر البيدر قبل ان يعيدوا فتحها، كما اقفلوا اوتوستراد رياق باتجاه بعلبك قرب المدينة الكشفية بشكل جزئي بالاطارات المشتعلة.

واذ أعلن المتقاعدون تعليقاً موقتا لتحرّكهم في انتظار ما سيقرّره مجلس الوزراء في شأن الرواتب والمستحقات، هدّدوا بالمضي بالاعتصامات وعدم خروجهم من الشارع إن تمّ المس بحقوقهم.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تحضّر فيه الهيئات النقابية والعمالية لتحرّكات تصعيدية واعتصامات جديدة رفضاً للاقتطاعات من الرواتب.

تهريب مقونن

الى ذلك، تتوالى الدعوات للحكومة لاتخاذ مبادرات الى سد عجز الخزينة من الاماكن الحقيقية للهدر، وليس الاكتفاء بالتصويب فقط على رواتب الموظفين ومستحقاتهم. وبالتالي ما عليها سوى رسم خريطة طريق في هذا الاتجاه تتضمن خطوات وإجراءات متدحرجة على كل النقاط المشكو منها وتتسبب بالنزيف المالي الهائل والذي يحرم الخزينة موارد كبرى من شأنها وحدها لو استُفيد منها ان تخفف العجز بنسب اكبر من النسبة المُراد تخفيضها من 11,5% الى ما دون 9%.

وفي هذا السياق، لفتت مصادر مالية الانتباه الى وجوب وضع آلية ضبط في كل مرافق الدولة بما يمنع التهريب. مشيرة الى مثال صارخ، يفيد بأنّ حجم ما يستورده لبنان سنوياً لا يقل عن 20 مليار دولار، لكن تبيّن بعد البحث انّ قيمة الواردات الجمركية من الرسوم عليها هي اقل من 200 مليون دولار ، فيما يُفترض ان يكون الرقم اكبر من ذلك بكثير.

في هذا الاطار أيضاً، قال رئيس لجنة الادارة والعدل النائب جورج عدوان لـ«الجمهورية»: «إنّ الأرقام التي تزوّدتها اللجنة أظهرت أنّ هناك مبالغ طائلة لا بدّ أن تدخل الخزينة وهذا ما لا يحصل».

وأضاف: «إنّ مبالغ التهريب والتهرّب الجمركي بحسب التقرير الذي وصل الينا من المعنيين تقدّر ما بين الـ 600 و700 مليون دولار، وهو تهريب «مقونن»، لأنّ نسبة كبيرة جداً من البضائع الاستهلاكية تدخل لبنان بفواتير مخفوضة أو مزوّرة، منها فقط 150 مليون دولار من التبغ تُهرّب من سوريا عبر الممرات الشرعية، إضافة إلى تهريب 80 إلى 90 مليون دولار من بضاعة الصين… حرام، نحن قادرون على زيادة المداخيل بمئات ملايين الدولارات».

أما التهريب غير الشرعي، فرأى عدوان انّه «يحصل عبر الممرات غير الشرعية مع سوريا وعددها لا يقل عن 124 ممراً، وقد تكلّم وزير المال خلال اللقاء مع لجنة الإدارة والعدل عن هذا الموضوع، وشدّد على ضرورة تضافر جهود القوى العسكرية والأمنية بالإضافة إلى الجمارك لضبط هذه المعابر خصوصاً وأنّها معروفة تقريباً».

نتائج عكسية

الى ذلك، تبيّن انّ بعض القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء قد تؤدي الى نتائج عكسية، ولاسيما رفع الضريبة على فوائد الودائع من 7 الى 10%. وفرض رسم أو ضريبة 3% على البضائع المستوردة. والخشية مع القرار الاول ان تبادر المصارف الى رفع الفوائد مجدداً لتبقي على عامل جذب الرساميل قائماً. اذ انّ تراجع مدخول الفوائد من خلال تكبير حجم الضريبة، قد يدفع الى خفض حجم الاموال التي تتدفق الى المصارف اللبنانية سنوياً، طمعاً في اسعار الفوائد رغم ارتفاع المخاطر.

وبالتالي، وفي حال اضطرت المصارف الى رفع الفوائد سيؤدي ذلك الى مزيد من الشلل في الحركة الاقتصادية، وستتراجع مداخيل الخزينة من الضرائب المفروضة على الارباح. كما سيؤدي ذلك الى مزيد من البطالة بسبب جمود إضافي في أداء القطاع الخاص. وامّا حول رسم 3% على البضائع المستوردة فقد يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع، بما يعني انّها ضريبة سيدفعها الناس. (تفاصيل ص 10).

المجلس الدستوري

وفي خطوة دستورية أحيت المجلس الدستوري قبل الإنتهاء من آلية تعيين المجلس الجديد، أطلق المجلس أمس في جلسة عادية له برئاسة رئيسه عصام سليمان وحضور كامل الأعضاء آلية العمل للبت بطعنين: الأول يتصل بما تقدّمت به كتلة نواب «الكتائب» ومجموعة من النواب من كتل نيابية اخرى بدستورية قانون الكهرباء في 9 ايار الجاري، والثاني يتصل بولاية النائب ديما جمالي نتيجة انتخابات طرابلس الفرعية.

وعلمت «الجمهورية»، انّ المجلس تناول الطعن بقانون الكهرباء وسمّى له مقرراً سيبقي اسمه سرياّ الى حين وضع تقريره، بعدما فشل المجلس بالتصويت على قرار تجميد العمل بالقانون بستة أصوات مقابل اربعة، وهو الذي كان يحتاج الى سبعة أصوات من اصل عشرة.

وفي شأن الطعن الطرابلسي، علمت «الجمهورية» انّ المجلس عيّن احد أعضائه مقرراً لوضع تقريره في الطعن الذي تقدّم به المحامي لؤي غندور بوكالته عن المرشح الخاسر في انتخابات طرابلس – المنية الفرعية يحي مولوي بنيابة النائب ديما جمالي الفائزة فيها، مقدّماً أحد عشر سبباً منها «تقديم رشى، وما ورد على لسانها في مقابلة تلفزيونية عن شراء أصوات بالمال، وتدخّل السلطة التنفيذية المباشر في حملتها الانتخابية»، بالإضافة الى ما تحدث به الطعن عن «استخدام المرافق العامة والمؤسسات لإجراء المهرجانات والدعاية الانتخابية، واستخدام المشاريع الانمائية الحكومية الممولة من المال العام وصولاً الى تجاوز سقف الإنفاق الإنتخابي، والتلاعب بصناديق الإقتراع».

وقالت مصادر واسعة الإطلاع، انّ المجلس سيعود الى الإجتماع في 21 الجاري لإستكمال البحث بالطعنين في حال أنجز المقرران تقريريهما.