IMLebanon

الجمهورية:  المعالجات تطرق باب الحل… ولا تدخله.. بــرِّي: نزع الفتيل..

 

على الرغم من الحراك المكثّف الذي طفا على سطح المشهد الداخلي لإطفاء فتيل الاشتباك السياسي الامني الذي انطلقت شرارته من قبرشمون، وما رافق هذا الحراك من كلام يضفي إيجابية ظاهرية على هذا الحراك، ويقدم الازمة الراهنة على انها ليست مستعصية بل هي قابلة للحل، الّا انّ مفتاح الحل ما يزال ضائعاً، خصوصاً انّ مواقف الاطراف المعنية بهذا الاشتباك لم تنزل بعد عن شجرة التصعيد.

 

خلاصة هذا الحراك، الذي برزت فيه مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى زيارة القصر الجمهوري ولقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، انه حاول ان يلقي حجراً في بركة الازمة لعلّه يدفع في اتجاه إطفاء الفتيل، تلافياً لتوسّع الحريق السياسي داخل الحكومة المعطلة حتى اشعار آخر، ولامتداد هذا الحريق الى مؤسسات اخرى، خصوصاً انّ المجلس النيابي على وشك الانعقاد بهيئته العامة لمناقشة الموازنة وإقرارها. وجلسة المناقشة كما هو معلوم هي منصة خطابية للنواب، إذ يخشى ان يتحوّل المجلس الى قاعة تصادمية بين اطراف الاشتباك، قد يصعب احتواؤها إذا انعقدت الجلسة النيابية في هذا الجو المتوتر سياسياً.

 

المعلومات الرسمية حول لقاء الرئيسين عون وبري اكتفت بالاشارة الى انهما تداولا في الاوضاع العامة في البلاد في ضوء التطورات الاخيرة والاتصالات الجارية، لاسيما تلك المتصلة بالأحداث التي وقعت في محلة قبرشمون في قضاء عاليه قبل اسبوع، وتمّ خلال اللقاء التداول في عدد من الافكار وذلك في إطار توحيد الجهود المبذولة لمعالجة الاوضاع التي نشأت عن هذه الاحداث”. فيما اكتفى بري بـ5 كلمات بعد اللقاء: “جئنا نُصَبّح على فخامة الرئيس”.

 

إحتواء الأزمة

واذا كان ما واكب لقاء بعبدا وما أعقبه من كلام تصعيدي للنائب طلال ارسلان والذي حذّر فيه من تمييع مطلب إحالة حادثة قبرشمون الى المجلس العدلي، وإعلانه الاصرار على هذه الاحالة اكثر من اي وقت مضى، خصوصاً انّ هذا الاصرار جاء بعد زيارة ارسلان برفقة الوزير صالح الغريب الى القصر الجمهوري، قد أوحى انّ لقاء الرئيسين عون وبري قد دار في اجواء سلبية، فإنّ معلومات “الجمهورية” أفادت بأنّ لقاء عون وبري أحاط بكل تفاصيل ما جرى، مع التشديد على إنهاء هذه الازمة واحتواء تداعياتها خصوصاً انّ استمرارها سيدفع الى مزيد من التعقيد الذي تزيد معه الصعوبة في تذليلها، علماً انّ التأثيرات التي نتجَت عن هذا الحادث كانت شديدة السلبية، إن لجهة مناخ القلق الذي ساد على مستوى البلد بشكل عام، او لجهة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالموسم السياحي، او لجهة الضرر السياسي الكبير الذي لحق بالوضع الحكومي، ما جعل الحكومة غير قادرة على الانعقاد في ظل هذه الاجواء.

 

القضاء أولاً

وبحسب المعلومات فإنّ الفكرة التي سَوّق لها بري كمبادرة منه لنزع فتيل التوتير الامني والتعطيل الحكومي، تقوم على ان يتم متابعة حادثة قبرشمون من قبل القضاء العادي، وأن يُعطى الوقت الكافي للتحقيقات الجارية على اكثر من مستوى من اجل كشف حقيقة ما جرى. واذا تبيّن من التحقيق انّ ما جرى يندرج في سياق الجرائم التي تُحال الى المجلس العدلي لتهديدها السلم الاهلي، فلتُحَل اليه. الّا انّ هذه الفكرة ما زالت تصطدم برفض النائب ارسلان وفريقه، على اعتبار انها حادثة مدبرة وهدفت الى اغتيال وزير في الحكومة.

 

وعلمت “الجمهورية” انّ ارسلان عبّر أمام رئيس الجمهورية امس، عن مخاوفه من المماطلة في ملف الإحالة، رافضاً فكرة الحل التي طرحها بري، الا انّ رئيس الجمهورية طلب اليه التريّث ودراسة المخارج المطروحة.

 

وقد استمرت حركة المساعي ناشطة مساء امس، وسجّلت حركة اتصالات على الخطوط الرئاسية، وَاكبها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بزيارة مسائية الى القصر الجمهوري، ثم للنائب ارسلان في دارته في خلده، وذلك في مسعى لبلورة حل سريع.

 

16 وزيراً

على انّ مؤيّدي فكرة إفساح المجال امام التحقيق ليثبت ما اذا كانت الحادثة تستوجب إحالتها الى المجلس العدلي ام لا، وبعضهم من حلفاء ارسلان، يستغربون إصراره على احالة الحادثة على المجلس العدلي، في وقت لا يشكل مؤيدو الاحالة من حلفائه في الحكومة الاكثرية التي توجِبها، إذ انه يضمن 14 وزيراً في الحكومة، فيما هو يحتاج الى 16 وزيراً، والوزراء الـ16 الآخرون هم ضد الاحالة، هذا اذا انعقدت الحكومة اولاً، واذا أحيل الامر على التصويت ثانياً، علماً انّ طرح هذه المسألة على التصويت في مجلس الوزراء هو محل اعتراض من قبل أكثرية القوى لأنه، وكما يقول مرجع كبير لـ”الجمهورية”، سيؤدي اولاً الى سقوط طرح الاحالة الى المجلس العدلي، ومعنى ذلك سقوط منطق فريق سياسي، وسيؤدي ثانياً الى انقسام الحكومة اكثر مما هي منقسمة، فعندئذ كيف ستعيد لحمها من جديد؟

 

ضحية التعطيل

وبحسب معلومات “الجمهورية” فإنّ التواصل ظل قائماً في الساعات الماضية بين الرئيس بري ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي عاد الى بيروت أمس آتياً من باريس، والذي تواصَل بدوره مع وزير الخارجية جبران باسيل.

 

وقالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية”: انّ الازمة صعبة، الّا انّ الحراك الذي قام به الرئيس بري أدّى الى تحريكها نحو الحلحلة، التي ما زالت تتطلب جهوداً اضافية ستبرز في الساعات المقبلة، ما يعني انّ الابواب ليست مقفلة على الحلول والمخارج. وينتظر في هذا المجال مشاركة رئيس الحكومة في حركة المعالجات، سواء على خط حادثة قبرشمون، او على خط حكومته المعطلة، لإنعاشها والدفع بها نحو الانطلاق من جديد. علماً انّ الحريري قد عبّر عن امتعاضه مما جرى، مؤكداً انه لا يستطيع ان يحتمل ان تصبح الحكومة ضحية التعطيل.

 

إستقالة… لا استقالة

وعلى خط مواز، كان الحزب التقدمي الاشتراكي يواظب على ما وصفته مصادره “محاولة بناء التحصينات حول المصالحة في الجبل”. وفي هذا السياق اندرجت زيارة وفد منه برئاسة الوزير وائل ابو فاعور الى بيت الكتائب المركزي في الصيفي، ولقاء رئيس الحزب النائب سامي الجميّل على رأس وفد من الكتائب.

 

وفيما أكد الجميّل العمل على صيانة المصالحة، أعلن ابو فاعور انّ “الصراع اليوم ليس مذهبياً بل هو وطني بين اهل المصالحة وحفّاري القبور”. وقال انّ “ثمة تعطيلاً متعمّداً لجلسات مجلس الوزراء”، مشيراً الى انّ “ذهنية “سيدة النجاة” لا تزال ماثلة لدى البعض”. وصولاً الى قوله رداً على سؤال عن احتمال الاستقالة من الحكومة: كل شيء وارد ربطاً بالتطورات.

 

وقالت مصادر كتائبية لـ”الجمهورية”: انّ موضوع الحفاظ على المصالحة في الجبل كان الطبق الرئيسي في المحادثات بين التقدمي والكتائب، وعندما يقال: “انّ الجبل عندما يكون بخير يعني انّ لبنان بخير”، فهذا ليس شعاراً بل هو حقيقة، فلقد أكدت التجربة انه عندما يكون الجبل مأزوماً يعني انّ لبنان مأزوم كما هو الحال اليوم.

 

من هنا، تضيف المصادر، كان منطلق اللقاء التمسّك بالمصالحة والحفاظ على جو الالفة الموجود بين المسيحيين والدروز، ويجب التوقف عن لغة التفريق، صحيح انّ هناك مشكلة موجودة، الّا انها لا تلزم المسيحيين أو الدروز بها، هي مشكلة بين الحزب الاشتراكي وما نتج عن زيارة الوزير باسيل. هذه هي حدودها.

 

شهيّب لـ”الجمهورية”

وسألت “الجمهورية” وزير التربية اكرم شهيّب عن مدى جدية احتمال استقالة وزراء الحزب التقدمي من الحكومة، فلم يؤكد او ينفي بل قال: نحن من سَهّل تشكيل الحكومة بالتنازل عن حقنا بالوزير الثالث، سهّلنا من اجل انتظام عمل المؤسسات، ومن اجل الدولة، ومن يبادر الى تسليم المشتبه بهم والمعتدى عليهم، يسلم لأنه مؤمن بالدولة وبالقضاء وبانتظام عمل المؤسسات، وما هو في مصلحة هذا البلد لا يبتعد عنه وليد جنبلاط، والكل يعلم انه في كل الامور التي حصلت في الامن او في السياسة في البلد كان جنبلاط مُبادراً لخير البلد ولخير مؤسساته وللسلم الاهلي، ليس من باب الضعف إنما من باب الحرص.

وعندما سئل: هل تشعرون انكم تدفعون الى الاستقالة؟ قال: نحن لدينا حلفاء وشركاء، وموقفنا يكون دائماً بالتنسيق معهم وبالتفاهم معهم لما فيه المصلحة العامة.

 

باسيل

في هذا الوقت قال وزير الخارجية جبران باسيل، في مقابلة مع تلفزيون “ان بي ان” مساء امس، إنّ “الحل في أحداث الجبل يبدأ حين يلتزم الجميع ما قالوه بتسليم المطلوبين”.

 

وقال: “لسنا نحن من طرح موضوع المجلس العدلي، علماً انه وسيلة لإحقاق العدالة، وهناك رمزية سياسية لهذا الامر، والحزب الاشتراكي معني بها لاسيما بعد تحويل جريمة الزيادَين وغيرها من القضايا. وفي قضية مثل هذه القضية ما الذي يمنع تحويل الموضوع الى المجلس العدلي؟”.

وأوضح أنّ “من يريد الوصول الى رئاسة الجمهورية لا “يُخانق الجميع” كما أفعل، وألله يطوّل بعمر الرئيس عون”، مشيراً الى أنه “أمر معيب منّي وفيه قلة أخلاق إذا كنت أفكر بالرئاسة”.

 

حنكش لـ”الجمهورية”

 

وقال عضو الكتلة الكتائبية النائب الياس حنكش لـ”الجمهورية”: من الاساس اعتبرنا انّ هذه التسوية ستصِل الى ما وصلت اليه، فما جمعته المصالح تفرّقه مصالح أخرى، وهذا فعلاً الذي حصل. ما نراه من نهج للمحاصصة وتَقاسم المغانم، ومن شَد للعصب الطائفي والمناطقي، أمر مؤسف جداً، البلد ينهار ويمر في أدق مرحلة وفي وضع اقتصادي واجتماعي خطير وهم يضعونه في وضع انحدار وانحلال وتفكك، وكل طرف يستفزّ الطرف الآخر ويعلي سقفه ويحشد جماعته. مع الاسف صرنا كأننا نعيش في “عصفورية”، ومع الأسف لا يوجد نور في آخر النفق، والسؤال: مَن وراء ما يجري ومَن المستفيد من كل هذا الوضع، ولماذا يدفعون البلد الى الانهيار؟

 

خليل لـ”الجمهورية”

على صعيد آخر يفترض ان تنهي لجنة المال والموازنة مهمة درس مشروع موازنة 2019 في جلسة يفترض ان تكون الاخيرة اليوم، وقال وزير المال علي حسن خليل لـ”الجمهورية”: “اليوم (أمس) كانت هناك قراءة أخيرة للبنود المعلقة في اللجنة، ووصلنا الى تفاهم على معظم النقاط، وهذا الأمر هو مقدمة للجنة المال التي ستجتمع بعد ظهر غد (اليوم)، والتي يفترض ان تقر في جلسة واحدة هذه المواد وترفعها الى الهيئة العامة.

 

اضاف: الأهم هو ألّا ينعكس الجو السياسي المتشنّج على التزامات القوى السياسية جميعها بإقرار الموازنة في وقت سريع، والتفرّغ لمعالجة الوضع الاقتصادي والمالي، وهذا يجنّبنا تداعيات ما يمكن من المؤسسات الدولية وغيرها.

 

جابر لـ”الجمهورية”

وفيما وصف رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لقاءه بوزير المال بأنه إيجابي وتمّ تذليل غالبية العقد، قال النائب ياسين جابر لـ”الجمهورية”: الموازنة تقدّم جرعة ايجابية، ولكي يكتمل المشهد يجب ان تكون هناك اصلاحات اخرى مطلوبة، والاهم هو انّ البلد يعاني اليوم أزمة ثقة، فلا توجد ثقة في الاداء، واذا لم نتمكن من استعادة هذه الثقة فإنّ المشكلة ستكبر اكثر.

 

اضاف: يجب ان نستعيد ثقة الناس ويكون أداؤنا السياسي اصلاحياً وجيداً يعالج المشاكل، فطالما نحن لا نكترث لهذا الموضوع ونعتبر ان العالم لا يرانا، فهذا يعني انّ الخطر سيبقى قائماً. المطلوب عمليات إصلاحية حقيقية وإعادة هيكلة المؤسسات، والشرط الاول والاساس للنجاح وتجاوز الازمة هو ان يظهر لبنان للعالم انه فعلاً دولة قانون ومؤسسات، ومن دون ذلك، ستبقى الثقة به ناقصة حتى لا أقول معدمة، والازمة تتفاقم أكثر فأكثر.