IMLebanon

“الجمهورية”: إيجابيات إماراتية في فضاء الأزمة.. والبنك الـــدولي يمنح فرصة

 

إتجهت الانظار الى ابو ظبي أمس، منتظرة مبادرة ما لدولة الامارات العربية المتحدة تساهم في تفريج الازمة الاقتصادية والمالية، كان قد لمّح اليها رئيس الحكومة سعد الحريري قبَيل لقائه ولي عهد ابو ظبي الشيخ محمد بن زايد وبعده، لكنه ترك الأمر للمسؤولين الاماراتيين مؤكداً انّ «الاجواء جيدة جداً» وأنه «متفائل جداً». وليلاً، بَدا أول الغيث الاماراتي المنتظر، فكان إعلان رفع الحظر عن سفر الرعايا الاماراتيين الى للبنان. وفي الموازاة وردَ توضيح لمجموعة البنك الدولي إنطوى على حرص على لبنان أكثر من السلطة والطبقة السياسية نفسها، حيث أكد جهوزية هذه المجموعة لتقديم المساعدة في حال التزمت الحكومة الاصلاحات المطلوبة للخروج من الازمة. ولوحظ أنّ البيان ـ التوضيح ركّز على الجرح النازف في لبنان والمسبّب عجز الموازنة، وهو قطاع الكهرباء، حيث شدد على انّ هذا القطاع «في حاجة ماسة للاصلاح، وهو أمر يتوجّب على الحكومة اللبنانية ان تضعه في أعلى اولوياتها». واذا كان هذا البيان قد لحظ انّ المحفظة المالية لمجموعة البنك الدولي للبنان لا تتضمن اي مشروع في قطاع الكهرباء، فإنه أكد في الوقت نفسه انّ الحكومة اللبنانية «اذا التزَمت الاصلاحات، ستجد البنك الدولي مستعداً لتقديم مزيد من الخبرات والتمويل المُيسّر لتحقيق الاهداف الاصلاحية المرجوّة في هذا القطاع الحيوي». وقرأ مراقبون في هذا البيان إشارة ايجابية تنطوي على رعاية خارجية للبنان وحرص على عدم سقوطه، خصوصاً انّ البيان بَدا وكأنه يمنح الحكومة فرصة للخروج من عجزها الذي أوصَل الأوضاع الى ما وصلت إليه.

 

جاء في البيان ـ التوضيح، الذي أصدرته مجموعة البنك الدولي أمس، الآتي:

 

«بالإشارة إلى المعلومات التي تداولتها بعض وسائل الإعلام، تود مجموعة البنك الدولي التأكيد على التعاون الوثيق بين الدول والجهات المانحة التي تساهم في دعم لبنان في إطار مؤتمر CEDRE. وتفادياً لأيّ تضليل، توضِح مجموعة البنك الدولي أنّ محفظتها المالية في لبنان، والتي تبلغ قيمتها 1.7 مليار دولار أميركي (لجهة القروض والمنح)، لا تتضمن أي مشروع في قطاع الكهرباء.

 

إنّ قطاع الكهرباء في حاجة ماسة للإصلاح، وتقف مجموعة البنك الدولي على أتم الاستعداد للنظر في أي طلب من الحكومة اللبنانية للاستثمار في إصلاح هذا القطاع، خدمةً لتخفيض عجز الموازنة وتحقيق النمو والاستقرار المالي. إنّ قطاع الكهرباء في حاجة ماسة للإصلاح.

 

ومن هذا المنطلق، يتوجّب على الحكومة اللبنانية أن تضع إصلاح هذا القطاع في أعلى أولوياتها لتحفيز النمو واستقرار المالية العامة. يقوم البنك الدولي حالياً بتقديم المشورات التقنية وسَرد الخبرات العالمية للحكومة اللبنانية لتسهيل عملية إصلاح قطاع الكهرباء. وإذا كانت الحكومة ملتزمة بهذه الإصلاحات، فسوف تجد مجموعة البنك الدولي على أتمّ الاستعداد لتقديم المزيد من الخبرات التقنية والتمويل الميسّر لتحقيق الأهداف الإصلاحية المرجوّة في هذا القطاع الحيوي.

 

إنّ مجموعة البنك الدولي تقف على أهبة الاستعداد للنظر في أي طلب من الحكومة اللبنانية للاستثمار في إصلاح هذا القطاع، خدمة لتخفيض عجز الموازنة وتحقيق النمو والاستقرار المالي.

 

إنّ المبالغ المخصصة حالياً للبنان تهدف حصرياً الى دعم المشاريع القائمة في قطاعات المياه، والنقل، والصحة، والحماية الاجتماعية، والتعليم، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. يرجى الاطّلاع على تفاصيل هذه المشاريع من خلال الموقع التالي: www.worldbank.org/lb.

 

وفي هذا السياق، تؤكد مجموعة البنك الدولي التزامها الكامل بدعم أولويات التنمية المحددة من قبل الحكومة اللبنانية والإصلاحات الهيكلية والاقتصادية، من أجل تحقيق النمو الشامل وخَلق فرص العمل. وتتعاون مجموعة البنك الدولي بشكل وثيق مع الحكومة اللبنانية والمجتمع الدولي لتحقيق هذه الإصلاحات المهمة».

 

مؤتمر ابو ظبي

 

وكانت الانظار قد شخصت أمس الى أبو ظبي، حيث انعقد مؤتمر الاستثمار اللبناني ـ الاماراتي في حضور الحريري ولفيف من رجال الاعمال اللبنانيين والاماراتيين. وقال الحريري خلال هذا المؤتمر: «نحن هنا اليوم لتعزيز التعاون مع الإمارات من خلال خلق شراكات أساسية بين القطاع الخاص اللبناني والقطاع الخاص الإماراتي».

 

ولاحقاً، إلتقى الحريري ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لدولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتناولت المحادثات «آخر التطورات في لبنان والمنطقة، والعلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تفعيلها».

 

وأشار الحريري الى أنّ «الاعلام اللبناني ينتظر منّي أن أعلن عن مبادرة، لكنني سأترك هذا الأمر لدولة الإمارات»، لافتاً الى أنّ «إشاعات كثيرة ستصدر، لكن الحمدلله الأجواء جيّدة جداً». وقال إنّ «اللجنة العليا (اللبنانية ـ الاماراتية) ستنعقد قريباً في لبنان، وسنوقّع بعدها إتفاقات عدّة»، داعياً الى «التفاؤل بالخير».

 

وأضاف: «أننا نمرّ في أزمة، لكننا نعمل على موازنة حقيقية عبر خفض الدين العام أكثر من موازنات السنوات الماضية، ترافقها إصلاحات بنيوية وقرارات صعبة».

 

وقال: «لدينا فرصة ٣ أشهر لإجراء إصلاح حقيقي ولتشجيع الاستثمار»، مضيفاً: «بعض القرارات الصعبة ستتخذ لمعالجة الأزمة، كخفض الانفاق وخطوات أخرى تتعلّق بالضمان وهيكلية الدولة ودمج وإلغاء مؤسسات». وختم: «زيارتي أبو ظبي جعلتني متفائلاً جداً، وأشكر ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان على دعمه».

 

وفي حديث الى وكالة «رويترز»، تكلّم الحريري عن «أمل لبنان في تدبير يضخّ سيولة من الإمارات، ويرغب في جذب استثمارات إماراتية من خلال شراكات أجنبية». وعلى الأثر، إرتفعت سندات لبنان السيادية المقومة بالدولار اليوم، بفضل آمال في أنّ الحكومة ربما تدبّر ضَخ سيولة من الإمارات.

 

وبحسب بيانات تريدويب، كانت الإصدارات الأطول أجلاً هي الأكثر زيادة، إذ صعد إصدار استحقاق 2037 بمقدار 0.6 سنت إلى 65.96 سنتاً للدولار، بينما ارتفع إصدار استحقاق 2032 بمقدار 0.5 سنت إلى 65.57 سنتاً للدولار.

 

تبرّؤ من «الحزب»

 

وكان الحريري قال في حوار مع وكالة «أنباء الإمارات»: «إنني بصفتي رئيساً للحكومة، أرفض أي تورّط لبناني في النزاعات الدائرة حولنا. كذلك أشدّد على أنّ الحكومة اللبنانية ترفض التدخل أو المشاركة في أي أنشطة عدائية لأي منظمة تستهدف دول الخليج العربي»، مضيفاً «اتخذت الحكومة اللبنانية قراراً بعدم التدخل في النزاعات الخارجية أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن مع الأسف يتم انتهاك هذا القرار، ليس من قبل الحكومة ولكن من قبل أحد الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة»، وشدد على أنه «ينبغي توجيه الاتهام إلى «حزب الله» بصفته جزءاً من النظام الإقليمي، وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية».

 

تمنيات… والشارع يتحرّك

 

وفيما بَدت الأزمة المالية والاقتصادية تراوح مكانها، جاء مؤتمر الإستثمار الإماراتي اللبناني في أبو ظبي ليعطي نفحة أمل. وقد تلقّفت الأسواق الحدث قبل ظهور نتائجه، من خلال تحسّن الطلب على سندات اليوروبوند، الأمر الذي أدّى الى ارتفاع اسعارها في اسواق التداول العالمية.

 

لكن، ما عدا التمنيات وكثير من تبادّل المجاملات، سواء في قاعة المؤتمر أو عبر التصريحات الصحافية، لم تصدر إشارات عن خطوات عملية يمكن ان تساعد لبنان على تخطّي أزمته. وكان اللبنانيون ينتظرون أن يصدر تأكيد رسمي حول ما تم تداوله عن وديعة إماراتية قد تسلك طريقها الى مصرف لبنان، لكنّ الخبر السعيد بقيَ، حتى الآن، أسير الانتظار.

 

وبصرف النظر عن إيجابيات انعقاد المؤتمر بمبادرة إماراتية، إلّا أنّ تفاعلات الأزمة مستمرة على الأرض، حيث لا تزال أزمة استيراد الطحين قائمة، وهناك حديث متزايد عن ارتفاع كلفة إنتاج الرغيف، بما يؤشّر الى احتمال رفع سعر الخبز، أو توقف الافران عن العمل. كذلك، لا تزال أزمة استيراد الدواء بلا معالجة، في حين انّ استيراد المحروقات عولِج موضعياً، ولا تزال امامه مطبّات لدى انتهاء مخزون الشركات المستوردة.

 

وفي الموازاة، يأتي تحرّك الخميس ليلقي الظلال على وضع القطاع الخاص، الذي بدأ يعاني تداعيات الركود القاتل. فيما سُجل بداية تحرّك مضاد واستباقي لـ«هيئة التنسيق النقابية» التي قررت التصدّي لمحاولات المَس في أجور التقاعد، وقطع الطريق على مشاريع اعادة هيكلة القطاع العام، وتعديل نظام التقاعد.

 

وفي السياق، قرر العسكريون المتقاعدون العودة الى الشارع دفاعاً عن حقوقهم ومكتسباتهم، وسيكون أول الغيث غداً، حيث سينزلون الى الشوارع من الصباح الباكر، كما اعتادوا في تحركاتهم السابقة، لمباغتة الجميع، وقطع طرقات أو محاصرة مقرّات رسمية ومالية.

 

سلامة

 

وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قال في ابو ظبي انّ المصرف مستمر في توفير الدولارات لأسواق المال المحلية، لافتاً الى أنّ البلاد لديها عدد من الخيارات في مساعيها للحصول على مساعدة لكبح تراجع حاد في ثقة المستثمرين.

 

وقال: «نحن نعرف انّ هناك ضجة كبيرة إزاء الأوضاع النقدية… إنما الإمكانات متوافرة، ونحن مستمرون في تأمين الدولار للأسواق في لبنان».

 

وعمّا إذا كانت الإمارات ستقدم للبنان مساعدة مالية من خلال الاكتتاب في إصدار سندات؟ قال سلامة: «هناك احتمالات عدة ومناقشات… إنما هذا الأمر متروك لرؤساء الدول، هم يقررون».

 

الوضع الحكومي

 

الى ذلك، استمرت قوى سياسية في المطالبة باستقالة الحكومة، وفي هذا الاطار أكد رئيس حزب «القوات اللبنانية» من كندا أنّ «الحل الجذري الفعلي والوحيد يكون بأن تستقيل الأكثرية الوزارية الحالية، والنزول عن ظهر الأزمة واللبنانيين».

 

ودعا كلّاً من رئيسي الجمهورية والحكومة الى «التصَرّف، إذ عليهما أن يقولا لـ«حزب الله» إنّه اذا كان فعلاً حزباً لبنانياً، لا يحق له زَجّ الشعب اللبناني في أخطار لا يريدها، لأنّ قرار السلم والحرب هو بيد السلطة الاجرائية والحكومة مجتمعة، وهذا الأمر لم يحصل حتى الآن».

 

وقالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» إنّ جعجع «قصَد بالأكثرية الوزارية، الأكثرية القائمة في مجلس الوزراء، وهي الثنائية المسيحية والثنائية الشيعية و«الحزب التقدمي الاشتراكي» وتيار «المستقبل»، لأنّ القرار في يد الأكثرية لتحقيق أمرين: إستقالة الحكومة، وتأليف حكومة مختلفة تضمّ تقنيين وأصحاب كفايات أثبتوا كفايتهم في ميدان عملهم الخاص، وذلك بمهمة إنقاذية للوضع الإقتصادي وضمن فترة زمنية محددة».

 

وأشارت إلى أنّ «هناك اقتناع «قوّاتي» بأنّ مسألة الإنقاذ شبه مستحيلة في ظلّ الواقع الراهن، على يد قوى سياسية جُرّبت لفترات طويلة، ولا يبدو أنها في وارد التغيير. لذلك، إنّ الذهاب الى حكومة اختصاص هو مسألة أساسية، وإلّا سيبقى لبنان في وضع صعب لأننا وصلنا الى حافّة الهاوية».

 

وعلى صعيد الدعوات الى استقالة الحكومة ايضاً، برز أمس لقاء الصيفي بين رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل وعضو كتلة «اللقاء التشاوري» النائب فيصل كرامي على رأس وفد.

 

وقال الجميّل: «إذا لم تكن الحكومة مستعدة لاتخاذ خطوات إنقاذية، وهذا ما يتبيّن لنا يوماً بعد يوم، فلتترك مكانها لحكومة أخرى، سواء حكومة اختصاصيين أو حكومة حيادية».

 

من جهته، اعتبر كرامي أنّ «هذه الحكومة، التي أوصَلت البلد الى ما وصل إليه، لا تستطيع ان تستمر». وأوضح أنّ اللقاء مع الجميّل «لا بد منه لوضع خطة عملية من أجل المواجهة في المرحلة المقبلة».

 

وعن أبعاد هذا اللقاء، أوضحت مصادر «الكتائب» لـ«الجمهورية» أنّ المواجهة التي تحدّث عنها كرامي «محصورة في القضايا المعيشية والحياتية، وأن لا علاقة للقاء أو المواجهة بالموضوع السياسي الاستراتيجي، إلّا إذا غَيّر كرامي موقعه السياسي وانتقل الى الموقع السيادي».

 

 

وقالت إنّ «اللقاء يأتي ضمن عملية تواصل لا عملية حِلف أو تخطيط، وذلك لإبقاء التواصل قائماً عبر تنسيق أو لقاءات بين الجهتين، في حال ستُتخذ خطوات تقنية مرتبطة بالموازنة أو العملية الإصلاحية أو قوانين معينة». وأكدت أنّ « أيّ أمر آخر من تحالف أو غيره غير وارد».

 

شدياق

 

وفي المواقف، رأت وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق أنّ «كلام الحريري في أبو ظبي يعكس ما يتم بحثه ونقاشه على طاولة مجلس الوزراء، وفي لجنة الاصلاحات».

 

وعن إمكانية فرض ضرائب جديدة، أشارت الى أنّ هناك بعض القرارات التي اتخذتها لجنة الاصلاحات وتحمل ضرائب وأعلِن عنها، لكنّ شرط «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ» أن يكون هناك إصلاحات».

 

وعن إمكانية استقالة الحكومة، إستبعدت شدياق «إمكانية هذه الاستقالة لأنه ليس من السهل إعادة تركيب حكومة، خصوصاً انّ الحكومة الحالية شُكّلت بصعوبة، فلأيّ درجة ممكن أن تتشكّل حكومة جديدة بسهولة ؟».